أهمية الجراد في الاقتصاد اليمني
اضطرت الأميركية مورنا، ومترجمها نبيل، إلى اختصار زيارتهما منطقتي عتمة ووصاب إلى ليلة واحدة، بسبب الحشرات القارصة مثل القمل والكتن. وكان مقرراً أن تمضي استاذة العمارة في جامعة فيلاديفيا، مورنا ليفينغستون، ما لا يقل عن 72 ساعة لمعاينة ما تسميه بعمارة الماء (البركة)، في دراسة ميدانية، بدأتها منذ 1995، لأنماط بركة الماء في اليمن. إلا أن انتشار الحشرات في المنطقتين المذكورتين دفعها إلى المغادرة مبكراً.
وتضحك ليفينغستون، إذ تتذكر تلك الليلة المؤرقة. وآثار اللسعات على جسمها في الصباح، زادها فزعاً، أمام دهشة مترجمها ومرافقيها اليمنيين من تصرّفها «الذي لا طائل منه».
والحال أن الحشرات في اليمن ليست بالصورة المخيفة التي تعطى لها في المجتمعات المتقدمة وأفلامها السينمائية. كما أنها ليست ضعيفة إلى حد العجز، كما هو حال سامسا الإنسان الذي تحوّل صرصاراً في رواية فرانز كافكا.
الحشرات في اليمن نتاج بيئتها، كما يعكس التعاطي معها طبيعة المجتمع اليمني التقليدي النزعة. وبعضها، كالجراد والشظوية، يؤكل بشهية، وثمة أسر يمنية تحمل ألقاباً، مثل الجرادي والقملي والنمس. ويطلق لقب «النمسي» (تصغير ناموس، أي برغش) على المُخبِر.
ويسخر محسن (42 سنة)، وهو من «أصدقاء الحشرات»، من نبأ شاع كثيراً، مفاده أن سعر كيلو الجراد بلغ ثمانية دولارات، موضحاً أن اليمنيين يأكلون الجراد نتيجة الفقر والجوع «ومن لديه المال يشتري لحماً أو سمكاً». ويعتقد محسن أن الحكومة لم تبذل جهداً كبيراً في مكافحة اسراب الجراد الذي غزا اليمن هذه السنة، فهي اتّكلت على المواطنين في مكافحته.
وترى الأستاذة في علم النفس في جامعة صنعاء، نجاة صائم، أن أكل اليمنيين الجراد مرده النص الديني «أحلت لنا ميتتان السمك والجراد»، لافتة إلى أن تناول الحشرات بات توجهاً عالمياً، نظراً إلى احتوائها البروتينات.
وتنتشر الحشرات القارصة مثل القمل والكتن في الأرياف وبعض المدن الباردة، بينما يكثر الناموس والذباب في المناطق الحارة مثل الحديدة وعدن. وتقول صائم ان الملاحظات العابرة تفيد بوجود حالات قليلة من «الفوبيا» (الرهاب) حيال الحشرات. وتؤكد أن اللامبالاة بالحشرات مردها الاعتقاد السائد بأن صغرها لا ينطوي على ضرر، مشيرة إلى دور التنشئة في هذا الجانب.
وحتى سنوات قريبة بقي الكيس (قطعة قماش تخاط على مقاس صاحبه) جزءاً من عدّة اليمني في حله وترحاله. فحيثما أمسى تكيّس فيه ونام، بعد ربطه من الداخل. وكان الكيس، الشائع في المناطق الشمالية، يستخدم غطاء نوم وواقياً من الحشرات. وثمة من يرى في الكيس علامة على الانغلاق الذي كان يسود المجتمع اليمني أثناء حكم الأئمة الزيديين شمال اليمن.
وتعتبر صائم أن تدني الثقافة الصحية وراء تعايش يمنيين مع بعض الحشرات، مشددة على عدم اختلاف الشخصية اليمنية عن غيرها.
وقلما بذل اليمنيون جهداً للنظافة ومكافحة الحشرات. وحتى في المدن، قليل من الأسر يولي أهمية لمكافحة الحشرات الضارة.
وكان يسيراً على فرق التصوير للمحطات التلفزيونية، التي تعدّ برامج توعية، حصولها على مشاهد واقعية لانتشار البعوض والذباب وغيرها، في المطاعم ولدى الباعة المتجولين. ولا يزال ملاحظاً في الأسواق «تهافت» الذباب والنحل على شرائح البطيخ وعصارات الليمون.
وما انفكت الصراصير والناموس حاضرة في منازل كثيرة، ويعتقد أن الأمر عائد الى سوء تنفيذ مشروع الصرف الصحي، فضلاً عن أن الاهتمام بالتوعية والمكافحة لا يزال دون المستوى.
علي سالم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد