أوبرا «كارمن» بتوقيع جهاد سعد

23-02-2008

أوبرا «كارمن» بتوقيع جهاد سعد

عام 1845، كتب بروسبير مريميه رواية «كارمن» والتي ستصير الأوبرا الأشهرفي العالم عام 1875، في العمل التراجيدي وبالاسم ذاته أيضاً عندما يقتبسها جورج بيزيه عن الرواية كأوبرا ويقدمها في (18) آذار من ذلك العام.. لكن دون أن تنال إقبالاً لاجماهيرياً ولانقدياً كما يذكر مدير المركز الثقافي الفرنسي في دمشق جوليان شو نيفيس، ثم ليموت بيزيه بعد ذلك «الفشل» بثلاثة أشهر بتراجيديا لاتقل عن تراجيديا كارمن نفسها في الرواية والأوبرا...

غير أنه ومنذ ذلك التاريخ سيتصدى لإخراج كارمن «أوبرالياً» وبذات الموسيقا ذاتها التي كتبها بيزيه، عشرات المخرجين وبكل اللغات وفي جميع أنحاء العالم وتلقى النجاحات الكبيرة إلى عام 2008 عام دمشق كعاصمة للثقافة العربية ليكون جهاد سعد ـ كما يؤكد لـ «تشرين» ـ أول عربي يتصدى لإخراج هذه الأوبرا بل هو أول عربي يتصدى لإخراج أوبرا.. ولتكون أوبرا كارمن أول أوبرا تقدم على خشبات المسارح السورية.. ‏

هذه الأوبرا التي ستقدم في «صالة الأوبرا» في دار الأسد للثقافة والفنون أيام (26،27،28) الشهر الجاري بالتعاون بين المركز الثقافي الفرنسي والدار وبدعم من المفوضية الأوروبية في سورية وشركة توتال، وجمعية music in me . ‏

وأسأل جهاد سعد: ماذا يمكن أن يقدم مفارقاً عن عشرات العروض التي قدمت خلالها هذه الأوبرا ؟فيجيب: شاهدت عروض هذه الأوبرا عدداً كبيراً من المرات أهمها في شهر آب بأثينا منتصف الثمانينيات على مسرح الأوكرو بوليس وبحضور عشرات الجاليات من مختلف بقاع الأرض وقد أخذت دور كارمن مغنية يونانية شهيرة وأخذ دور دوجوزيه المغني العالمي كاراراس يومها حدث شيء ما بداخلي وظلت عالقة بذهني إلى اليوم.. إذ تم ترشيحي لإخراجها على مسرح دار الأسد للثقافة وأول مافكرت به أن يكون مفارقا ـ ً وكان أول الحلول الإخراجية ـ هو الاعتماد على الفضاء المسرحي «المساحة والفراغ» تماماً كما قدمت عروضاً سابقة: غاليغولا، كلاسيك، وغيرها المساحة التي تتيح التعبير والخلق والإبداع لكل من الممثلين والمخرج وتحرر حتى المكان من مكانيته، ليتحول الى زمن مفتوح.. ‏

ولكن كما تعلم إخراج أوبرا يفترق كثيراً عن إخراج مسرحية كما هو متعارف عليه في العرض المسرحي ؟..يجيب سعد: أوافقك تماماً، لاشك أن هناك اختلافاً كبيراً بين الإخراج المسرحي والإخراج الأوبرالي فالمسرح مساحة واسعة للتعبير بطريقة مختلفة تبدأ من تفسير النص بشكل حر ومفتوح والتفاعل مع الأشخاص وبناء الحركة والصورة..و... الإيقاع العام للعرض بشكل يشارك الجميع فيه بالابتكار، أما العمل الأوبرالي فالمسألة مختلفة تماماً إذ هناك كل شيء أو أشياء كثيرة جاهزة قبل البدء بالعمل: الموسيقا، النص الشعري الأوبرالي أداء المغنين للأدوار والانتقال السريع زمنياً بين مشهد وآخر وبين مكان وآخر وبين حالة وأخرى أي زمن الأوبرا يختلف عن زمن العرض المسرحي، والممثلون هنا ليسوا بمفهوم الممثلين على خشبة المسرح.. وعملية نقل مغنية الأوبرا عدة خطوات باتجاه الشغل المسرحي لاتقل صعوبة عن نقل ممثل مسرحي خطوات باتجاه الغناء الأوبرالي وكانت لدي متعة بهذا التبادل بين عقلية الأوبرا وعقلية المسرح وكانت هناك صعوبة بوجود مغنية فرنسية معروفة هي: ‏

سيلفي ألثابارو بدور كارمن ،ومغن أوبرالي فرنسي معروف أيضاً دافيد لوفور بدور دون خوسيه وأما بدور ميكائيلا فكانت رشا رزق، وبدور إسكاميو: شادي علي.. هنا صعوبة بالانتقال من عقلية الأوبرا ودمجها بعقلية المسرح كانت توازي الفرق بين عقليتين مختلفتين.. 
 أما الأمر الذي ساعده على تخطي هذه الهوة، فهو إجادة سعد للفرنسية، وإقامته في باريس لفترة لابأس بها زمنياً وإقامة ورشات أوبرالية في القاهرة وغيرها، وحضوره عشرات العروض لأوبرا كارمن.. وكان الاتجاه فقط ـ كما يقول ـ بالتركيز على العرض الذي هو الأهم كونه لأول مرة تقدم عروض كهذه في سورية..!! ‏

يقول سعد: مغامرة نعم، وشخصياً لاأستطيع أن أقدم عملاً، دون أن أشعر بالاقتراب من المغامرة، وغير ذلك لن يرتقي العمل إلى مستوى الإبداع، هنا أشعر كأنني أكتب قصيدة، وهنا لايمكن المساس بالغناء أو الموسيقا عكس المسرح، الذي تبدأ فيه من الصفر، وفيما بعد تأتي الموسيقا التصويرية ثم الأداء وبشكل مفتوح وحر، أنت هنا في الأوبرا مقيد بوسائل كثيرة، وكيف تكون مقيداً وحراً في آن، هنا الإبداع والمغامرة.. وإخراج أوبرا يعادل إخراج خمس مسرحيات.. وأشير إلى أن روح كارمن قريبة جداً من الشرق، وهي لابد تحمل تأثيرات الأندلس، ووجدت في هذه الروح: لوركا، اليخاندر وكاسونا، و.. جورج شحادة..!! ‏

قيادة الأوركسترا هي لسيلفان غازا نسون الذي تحدث بدوره لـ «تشرين» أيضاً فذكر: إن ميزة هذه الدراما، أنها عرض موسيقي ومسرحي معاً، وهي تقترب هنا من نص جورج بيزيه أكثر. ‏

ويضيف: مايدهش لموسيقي فرنسي، هو هذا التناغم السوري مع الموسيقا الفرنسية تماماً كما التناغم بين جناحي هذه التراجيديا (الموسيقا والحبكة الدرامية)، ونجاح هذه الأوبرا نتلمسه عندما نخرج من الصالة، ولايزال سحر الموسيقا في مسامعنا.. والساحر هنا أن جميع الألحان في هذه الأوبرا يمكن تذكرها بسهولة، هذه الأوبرا التي كانت ومنذ عام 1875 عام تقديمها لأول مرة، لاتزال الأكثر تقديماً على مسارح العالم إلى اليوم، وقد تم اختيار الأصوات والعازفين السوريين بعد اختبار جرى العام الماضي: ‏

أما جوليان شوفيفيس مدير المركز الثقافي بدمشق فيذكر أنه يشارك في تقديم هذه الأوبرا حوالي الـ (50) فناناً بين: إخراج، موسيقيون، مغنون، و.. فنيون، وهذا المشروع يتألف من جزأين قدم للمفوضية الأوروبية، الأول التدريب الإداري لموظفي دار الأسد للفنون والثقافة، والثاني مشروع الأوبرا ليقدم ضمن احتفالية دمشق كعاصمة للثقافة العربية، حيث جوهر هذا المشروع تقديم أول أوبرا في دار الأسد، وتقديم أفضل الإمكانات للتعاون مع فنانين سوريين في هذا المجال، مع إمكانية إعادة تقديمها كل سنة في سورية، ومن ثم تصدير هذا العمل إلى دول المنطقة العربية، على غرار عرض جلجامش الذي قدم العام الماضي.. ‏

ماأشير إليه يضيف جوليان، إن دعوة سيلفان غازانسون تمت بمبادرة من جمعية صدى الثقافة والمعهد العالي للموسيقا، ولديه تعاون آخر مع الأوركسترا الوطنية السورية في الرابع من الشهر القادم في دار الأسد أيضاً.. ‏

أوبرا كارمن تحكي قصة كارمن الغجرية الجميلة، صاحبة المزاج المتقلب، والساعية لإيقاع الرجال بحبائل جمالها، لكنها تتودد لعريف من اقليم الباسك شمال اسبانيا خوسيه نافارو الذي عشقها لتحوله من شرطي بسيط إلى شقي خارج على القانون، حب جارف يقوده إلى ساحة الإعدام... كارمن قصة حب تنتقل من الرومانسية إلى النهاية الدرامية مع مشهد موت كارمن، وبفضل عنصري الواقعية والغرابة في هذه الأوبرا، الأمر الذي جعل الحكاية في ديمومة مستمرة، وكأنها تحدث الآن..!!

علي الراعي

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...