09-05-2021
إخوان سوريا... رفض الانتخابات الرئاسيّة ذريعة للسّير بمشروع تقسيم سوريا
لا ينفد احتياطيّ المظلومية التاريخية أبداً من مخازن جماعة الإخوان المسلمين. لديها القدرة دائماً على اللجوء إليه، في أي وقت وتحت أي ظرف، لاستخدامه وتوظيفه في بناء سياساتها إزاء المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية. ولم يكن من غير المتوقع ألاّ يسارع الفرع السوريّ للجماعة إلى مدّ يديه إلى ذلك الاحتياطي لمواجهة ما أطلق عليه "مسرحية الانتخابات الرئاسية في سوريا"، لكن على ما يبدو، فإن المزاج التصالحي الذي بدأ يدب في مفاصل السياسات الإقليمية، أصاب إخوان سوريا بخيبة أمل كبيرة. فلم يجد هؤلاء بدّاً من توجيه أسهمهم يميناً وشمالاً، في محاولة يائسة منهم للّحاق بركب المتغيرات التي تشهدها المنطقة.
ولم تكتف الجماعة في سوريا برفض الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 26 من الشهر الجاري، بل عمدت في بيان صدر عنها، يوم الأربعاء الماضي، إلى التصعيد على أكثر من جبهة، معتبرة أن تمرير الانتخابات يدل على "مؤامرة دولية محبكة"، وذلك في ظل تلويح المراقب العام للجماعة محمد وليد حكمت في وقت سابق بوجود اتصالات مع إيران، قد يكون القصد منه، برغم محاولته للتقليل من أهمية هذه الاتصالات، توجيه رسالة إلى المملكة العربية السعودية لمواجهة الانعطافة التي تقوم بها في التعامل مع الملف السوري، وبخاصة بعد ورود أنباء عن زيارة رئيس الاستخبارات السعودي دمشق ولقائه رئيس مكتب الأمن الوطني ونائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية علي مملوك.
وقال البيان الصادر عن جماعة الإخوان: "نُدرك بكل وضوح اليوم، ونريد لكل أبناء شعبنا أن يُدركوا، أنّه إذا سُمح بتمرير الانتخابات في هذه الجولة.. فإنّ هناك تواطؤاً دَوْلياً على تمريرها، وهو تواطؤ لا يزال قائماً منذ اللقاءات الأولى لكيري - لافروف، ولم يقطعه ترامب، ولن يخرجَ عليه بايدن!!". ويأتي هذا الموقف الذي يعتبر سابقة غير مألوفة في بيانات الفرع السوري منذ اندلاع الأزمة السورية، تعبيراً عن انتكاسة كبرى أصابت طموحات إخوان سوريا في بناء علاقة تخادميّة واسعة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، كانوا يتوقعون أن تقودهم إلى مستوى متقدم من مستويات الضغط على النظام السوري بهدف إسقاطه وربما تالياً وراثته.
وقد يكون العامل المباشر الذي دفع الإخوان إلى نفض أيديهم من واشنطن في وقت مبكر، إذ لم تمر سوى أشهر قليلة على وجود بايدن في البيت الأبيض، هو استمرار التوتر في علاقة واشنطن مع أنقرة، الراعية الأساسية لجماعة الإخوان، وسط إخفاق الرهانات التي كانت تمنّي النفس بوجود توجه لدى إدارة بايدن بممارسة سياسة تصعيدية إزاء الرياض، الأمر الذي كانت تتوقع منه جماعة الإخوان أن يفتح أمامها الباب على مصراعيه لإعادة بناء نفوذها المتهالك في بعض دول المنطقة.
ولم يقتصر إخوان سوريا على إدارة ظهرهم للإدارة الأميركية وحسب، بل ارتكبوا "زلّة لسان" قد تكون مقصودة، الهدف منها التعبير، وإن غير مباشر، عن سياسة الإخوان الحقيقية التي تقوم على التنكر لكل الجهود والمساعي الدولية الرامية لحل الأزمة السورية. فلم يكن من قبيل الصدفة أن يخلو بيان الإخوان من أي إشارة إلى القرار الدولي 2254 الذي وضع خريطة الطريق الوحيدة المعترف بها دولياً لإيجاد تسوية سلمية في سوريا. بل أكثر من ذلك، لم يجد واضعو البيان غضاضة في اعتبار تمرير الانتخابات بمثابة الفرصة للتنصل من "العملية السياسة". وذكر البيان: "إننا في جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، ندعو كل القوى والشخصيات الوطنية المخلصة، لتشكيل جبهةٍ عريضةٍ، لرفض الانتخابات، وقطع الطريق على المهزلة الانتخابية، وربط تمرير قرار تنفيذ الانتخابات المهزلة، بالموقف من "العملية السياسية"، بكل فصولها وفروعها". وتبدو العبارة الأخيرة بمثابة أمر عمليات لاعتبار الانتخابات الرئاسية الساعة الصفر للتخلي عن مسار الحل السياسي واللجوء إلى حلول أخرى.
ورأت افتتاحية موقع "السوري اليوم" المعارض، أن تجاهل بيان الإخوان ذكر القرار 2254 يهدف إلى نسف فكرة الحل السياسي من أساسها، محذرةً من أن البديل هو "أنهم (أي الإخوان) يرون أنفسهم موجودين "في السلطة" عبر تحكمهم بالائتلاف وبالحكومة الموقتة، ويسيطرون بالتالي على جزء من سوريا، وهذا يكفيهم مبدئياً إلى ما شاء الله... أي أنهم كما السلطات الأخرى في سوريا، في الشمال الشرقي وسلطة الأسد، كلهم يؤمنون بمقولة إلى الأبد".
وأضافت أنه "أبعد من ذلك، فإنّ ما يجري العمل عليه بشكل شبه علني ابتداءً من إعلان تشكيل مفوضية الانتخابات، هو الذهاب نحو إقامة ما يشبه الدويلة في الشمال الغربي... والذريعة هي أنّ هذه هي الطريقة المثلى لمنازعة النظام على شرعية البلاد... كيف؟ عبر الاستفادة من انتخابات النظام، للقول "ما حدا أحسن من حدا"، وبالتالي إجراء انتخابات أخرى ضمن مناطق الشمال الغربي... وتحركات نصر الحريري في استعراض حرس الشرف وتوزيع الأحجار الأساس أمام الكاميرات وإلخ، تشير الى الاتجاه نفسه، أي باتجاه أن هنالك دويلة ناشئة في الشمال الغربي".
وكنا قد أشرنا في تقرير منشور بتاريخ 23 آذار (مارس) الماضي تحت عنوان "تقرّب رياض حجاب من "إخوان" سوريا والجولاني... هل من مشروع لتقسيم سوريا؟" إلى وجود ميل لدى أنقرة لتفعيل سياسة تقسيم سوريا.
وحذّر في حينه المعارض السوري حبيب إرحيّم الذي يعمل في شبكة "الحقيقة" المعارضة من مشروع تركي يقضي بتقسيم سوريا إلى ثلاثة أقاليم: إقليم يحكمه الرئيس السوري بشار الأسد، وإقليم للأكراد، والإقليم الثالث عبارة عن كنتون يحكمه "الإخوان المسلمون" بقيادة تركيا. وأعرب الإعلامي عن أمله أن يرفض رياض حجاب هذا المقترح، بحسب ما كتب على حسابه الشخصي على "تويتر" في اليوم نفسه الذي ظهر فيه حجاب على قناة "الجزيرة" (11 آذار/ مارس).
عبدالله سليمان علي: النهار
إضافة تعليق جديد