إسرائيل تجتاح غزة وأمريكا تحمل دمشق المسؤولية
بدأت إسرائيل، فجر اليوم، حربها على غزة، فاجتاحت جنوبي القطاع بعدما كانت قد قطعت أوصاله واغرقته في الظلام، اثر استهدافه بعدد من الغارات ادت الى تدمير ثلاثة جسور تصل شطري غزة، والمحطة الكهربائية الوحيدة فيه، وذلك فيما اشارت مصادر عسكرية وسياسية إسرائيلية الى أن العدوان بات معزولا عن محاولة تحرير الجندي المخطوف جلعاد شاليت ويستهدف في المرحلة الأولى احتلال المناطق المفتوحة شمالي القطاع وجنوبه والتي تستخدم لإطلاق الصواريخ.
وقال متحدث باسم الاحتلال ان دخول قواتنا الى جنوبي قطاع غزة قد بدأ تحت وابل من قصف الدبابات، فيما اوضح مسؤولون امنيون فلسطينيون ان القوات الاسرائيلية البرية اتخذت مواقع لها في محيط رفح جنوبي القطاع.
واوضحت مصادر امنية فلسطينية ان قوات موالية للرئيس محمود عباس (ابو مازن) غادرت المطار المهجور في رفح، بعدما امهلها الاحتلال 30 دقيقة لمغادرة المكان.
وفي اطار ما أسمته اسرائيل عملية أمطار الصيف، قالت مصادر امنية فلسطينية ان الطيران الاسرائيلي دمر ثلاثة جسور في وسط غزة تربط شمالي القطاع بجنوبه، ما ادى الى انفجار خط مياه رئيسي. وقال مسؤول امني فلسطيني ان اكثر من اربع غارات شنت منذ منتصف الليل بهدف تدمير البنية التحتية وتقطيع قطاع غزة، مشيرا الى ان تدمير الجسور سيؤدي الى شطر غزة الى نصفين.
كما أطلق الاحتلال خمسة صواريخ على المحطة الوحيدة لتوليد الطاقة في غزة، شمالي مخيم النصيرات وسط القطاع، ما
ادى الى نشوب حريق ضخم فيها والى قطع التيار عن غالبية مدينة غزة والمنطقة الساحلية. وقال مصدر أمني فلسطيني ان الطائرات تحول دون الاقتراب لاخماد الحريق. يشار الى انها المرة الاولى التي تستهدف فيها الطائرات الاسرائيلية هذه المحطة التي انشئت مطلع العام 2000 من قبل القطاع الخاص الفلسطيني وهي تغذي 70 في المئة من غزة بالطاقة.
وقالت مصادر امنية فلسطينية ان دبابات اسرائيلية تحركت قرب الطرف الشمالي لغزة، لكنها حتى ساعات الفجر الاولى من صباح اليوم لم تكن قد دخلت القطاع بعد. وانتشر مقاومون فلسطينيون في بلدة الشجاعية في غزة، القريبة من السياج الامني مع اسرائيل، فيما كانت المروحيات الاسرائيلية تحلق فوقهم. وطالب المقاومون سكان المنطقة بمغادرتها، فيما عمدوا الى احراق اطارات سيارات في الشوارع.
وجرح فلسطيني جراء اطلاق دبابات اسرائيلية قذائف على قرية الشوكة المحاذية لمعبر كيرم شالوم في جنوبي القطاع. وقال مصدر امني فلسطيني ان هذه طلقات تحذيرية للمواطنين لاخلاء منازلهم كما اطلقت الدبابات قنابل مضيئة.
وقال مسؤولون عسكريون اسرائيليون ان رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت اقر شن عملية محدودة في جنوبي غزة، تستهدف البنية التحتية للارهابيين. واعلن الجيش الاسرائيلي، في بيان، ان تلك الهجمات تستهدف إضعاف قدرة الارهابيين على نقل الجندي المخطوف فيما قال المتحدث باسم جيش الاحتلال ياكوب دلال ان العملية تستهدف تحرير الجندي الاسير.
وبدا أمس أن مساعي الوساطة التي قام بها الوفد الأمني المصري والرئاسة الفلسطينية بهدف تأمين الإفراج عن الجندي باءت بالفشل. ومما زاد من مخاوف الجيش الإسرائيلي، نجاح لجان المقاومة الشعبية في الضفة الغربية في اختطاف مستوطن أمس. وذلك في الوقت الذي عززت فيه إسرائيل اتصالاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وفرنسا لاستغلال الوضع القائم والضغط على سوريا من أجل طرد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل من أراضيها.
وقال أولمرت أمام الكنيست ان الجيش الإسرائيلي يستعد لهجوم ضد المنظمات الفلسطينية في غزة، مبرراً العملية بأنها لا ترمي إلى معاقبة السكان المدنيين بل إلى تحقيق الهدف المركزي وهو إعادة ابننا جلعاد إلى بيته. فلا شأن لنا بالمساس بالأبرياء ولكن لن نوافق على المساس بنا.
ويبدو أن النبرة الهادئة التي استخدمها أولمرت جزء من قرار سياسي اتخذه المجلس الوزاري المصغر بشأن إبعاد أعضائه المتطرفين الإسرائيليين من أمثال شاؤول موفاز وآفي ديختر عن الواجهة. ولهذا برزت أصوات أولمرت وعمير بيرتس وتسيبي ليفني المؤمنين بسياسة تحدث بصوت هادئ واضرب بعصا غليظة على صوت موفاز وديختر اللذين يدعوان إلى تحويل غزة إلى جهنم. ومع ذلك، فإن حمائم الحكومة الإسرائيلية يفرضون على السكان المدنيين في غزة حصاراً وحظراً على كل شيء من الغذاء إلى الدواء ومن الماء إلى الكهرباء.
وشددت مصادر أمنية إسرائيلية، في تسريباتها للصحافيين، على أن اليوم هو يوم حاسم بالنسبة للإفراج عن الجندي، موضحة أنه إذا لم يطرأ تقدم فإن إسرائيل ستعود إلى الخيار العسكري بإدخال قوات برية إلى القطاع لردع الفلسطينيين وإجبارهم على إخلاء سبيله. ومع ذلك، أوضحت جهات إعلامية إسرائيلية أن مساعي الوساطة المصرية باءت بالفشل وأن قادة لجان المقاومة الشعبية يرفضون إخلاء سبيل الجندي من دون مقابل. ونقلت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي عن مصدر أمني إسرائيلي مطلع على محادثات يجريها وسطاء مصريون وفرنسيون مع محتجزي الجندي، إن الوقت قد انتهى والوسطاء الفرنسيون والمصريون رفعوا أيديهم. ونقلت القناة عن الوسطاء قولهم إن الجندي محتجز لدى أشخاص ليس لديهم بعد نظر، وهم لا يرون الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولا حتى رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية.
ومع ذلك فإن العديد من القوى الدولية تطالب إسرائيل بالتريث وعدم الإقدام على خطوات واسعة في القطاع لإفساح المجال لمحاولات مصر والرئاسة الفلسطينية البحث عن حل.
يذكر أن معلقين إسرائيليين وفلسطينيين أشاروا إلى الحشود الإسرائيلية العلنية والاستعدادات الفلسطينية للمواجهة بوصفهما جزءاً من حرب نفسية متبادلة. فالطرف الإسرائيلي من خلال التهديدات واستعراض القوة يريد القول ان الثمن الذي سيجبيه من الفلسطينيين باهظ ولم يسبق له مثيل. وفي المقابل فإن المقاومة الفلسطينية، والأهم الجمهور الفلسطيني، يوحي بأن الاجتياح الإسرائيلي لن يكون نزهة وهو في كل الأحوال ليس أسوأ من العدوان المتواصل ضدهم أصلا.
ويشعر القادة الإسرائيليون بالحرج جراء الرغبة في عدم الظهور بمظهر المتسرع لاجتياح غزة خشية تعريض حياة الجندي للخطر وإدراكاً بأن هذه العملية لا توفر حلاً. لذلك ثمة قرار يقضي بشن حملات في المناطق المفتوحة حول بيت حانون وخان يونس والتي تطلق منها الصواريخ على المستوطنات. ويوفر حل مماثل الفرصة للجيش والحكومة للظهور بأنهما يفعلان شيئاً من دون أن يبدو وكأنهما متسرعان للحرب الشاملة.
أما وزير الدفاع عمير بيرتس فأعلن في السياق نفسه أن دولة إسرائيل لن تمر مرور الكرام على العملية الدموية ضدها. وعلى القيادة الفلسطينية أن تدرك أنها تتحمل المسؤولية الشخصية الكاملة عن سلامة الجندي وعن الإفراج الفوري عنه وعن وقف الاعتداءات على إسرائيل. وركز بيرتس على أن الهدف الراهن لإسرائيل هو استعادة الجندي. وقال ان هذا هو ما يوجه خطواتنا الآن. ولن ندخر أي جهد سياسي أو دبلوماسي، ولكن على الإرهابيين الذين يحتجزونه أن يعلموا أن الجندي في نظرنا حي وفي وضع جيد وأن كل مساس به سيدفعون في مقابله ثمناً باهظاً ومؤلماً.
وقال بيرتس ان الوضع معقد والحل يتمثل في الطريق الذي لا يستبعد استخداماً مدروساً لجملة الخيارات العسكرية المتوافرة ولكنني لا أرى أن استخدام القوة هو الحل لكل شيء. فتحديداً الجبروت الهائل للجيش الإسرائيلي واختلاف الوسائل التي بأيدينا تلزمنا بضبط النفس والسيطرة على الأعصاب واستخدام القوة بشكل موزون لأغراض أخلاقية وسياسية على حد سواء. فجبروت الجيش هو ما يسمح لصناع القرار بهامش مناورة دبلوماسي يحتاجونه في أوقات الأزمات، لأنه في الحرب ضد الإرهاب ليست هناك ضربة واحدة وانتهينا. فالهدف النهائي ليس القتل والتدمير والاجتثاث وإنما نقل رسالة للطرف الثاني بأن التفاهم أفضل والتسوية والأمن والسلام. وشدد بيرتس على أن النتائج القاسية للحادث تلزمنا بإجراء فحص أساسي واستخلاص العبر، وهذا ما سوف نفعله.
من جهته، أعرب وزير المتقاعدين الإسرائيلي رافي ايتان عن استعداده للموافقة على إطلاق سراح أسرى فلسطينيين في مقابل الافراج عن الجندي المخطوف. وقال انه في الشرق الأوسط عليك أن تكون قادراً على تغيير جلدك وتغيير المواقف من طرف إلى نقيضه لتتمكن من الانتصار، وإلا فاجلس في البيت.
مشعل... وسوريا
وأشار مسؤول استخباراتي، أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، إلى أن هناك معلومات لدى الجيش الإسرائيلي حول المكان التقريبي لاحتجاز الجندي الذي قال ان إصابته كانت طفيفة في بطنه وكتفه. ونقلت صحيفة هآرتس عن الضابط قوله ان الجندي محتجز لدى حماس في منطقة خان يونس، معتبرة أن الأوامر بشأن التعامل معه تأتي من مسؤول الجناح العسكري في حماس أحمد الجعبري الذي يتلقى أوامره مباشرة من مشعل.
غير أن المتحدث باسم لجان المقاومة الشعبية ابو عبير، قال من جهته اننا متيقنون من أن الجندي المختطف في مكان آمن لا يستطيع العدو الصهيوني أن يصل اليه ان شاء الله تعالى مضيفاً نقسم لأسرانا بأننا سنستمر في خطف الجنود إلى حين الافراج عنهم. ورداً على أنباء حول معرفة اسرائيل مكان الجندي، قال ابو عبير هذه معلومات مغلوطة لإرباك المقاومين الفلسطينيين ليقوموا بتحريك الجندي من مكانه المختبئ فيه الى مكان آخر لتتمكن ربما طائرات الاستطلاع من اكتشاف مكانه.
ونقلت هآرتس عن مصادر قالت انها ذات صلة بالوساطة للإفراج عن الجندي، أن مشعل هو الذي يعيق مساعي الإفراج عن الجندي. ووصفت هذه المصادر دور مشعل بأنه غير إيجابي وهو لا يبدي استعداداً للإفراج عن شاليت.
ومن الجائز أن هذه الأقوال وسواها تقف خلف الحملة التي بدأها رئيس الحكومة الإسرائيلية وطورها عمير بيرتس وشمعون بيريز ضد مشعل ووجوده في العاصمة السورية. وقال بيريز انه من الواضح أن أوامر الاختطاف جاءت من سوريا، حيث يقيم من يريد تدمير السلام. إن سوريا تستضيف شخصاً يريد إيقاع المزيد من الضحايا وقتل السلام وهذا من نحن متيقظون له أيضا. وأنا أقصد خالد مشعل الذي هو على ما يبدو من أصدر الأمر، وهو الشخص الذي يحول دون الإفراج عن الجندي وهو يقيم في سوريا علناً.
وقال وزير البنى التحتية الاسرائيلي بنيامين بن اليعازر، الذي يشارك ايضا في الحكومة الامنية المصغرة، ان جميع المتورطين في الارهاب خاصة مشعل لا يمكن أن يفلتوا من العقاب، خصوصا أن الاخير يمثل الخط الاكثر تطرفاً مضيفاً عليهم أن يفهموا شيئاً: ما من أحد محصن بما في ذلك خالد مشعل. وتابع اذا بدأنا بعمليات الخطف فإن اسرائيل لن تجد أي مشكلة في اقتحام قطاع غزة وخطف نصف أعضاء الحكومة الفلسطينية.
وأشار المراسل السياسي للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي إلى اتصالات مكثفة تجريها الحكومة الإسرائيلية مع العديد من الدول وخصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا لبلورة موقف ضد سوريا. وقال ان هذا الجهد ينصب على وضع مشعل في خانة الاستهداف الدبلوماسي إضافة إلى استهدافه المادي. والمطلوب الآن تشكيل جبهة ضاغطة على النظام السوري لطرد مشعل بوصفه مجرم حرب.
وقال السفير الاميركي في اسرائيل ريتشارد جونز ان المشكلة في دمشق وأعتقد أن انتباه العالم يجب أن يتحول الى العاصمة السورية مضيفاً أن على المجتمع الدولي ممارسة ضغوط على سوريا والإيضاح لها بأن هذا التصرف ليس مقبولا.
في المقابل، قال عضو المكتب السياسي لحماس محمد نزال نتعامل بجدية مع التهديدات الاسرائيلية لكن هذه التهديدات لا تخيفنا موضحاً أن اسرائيل تحاول ربط أزمتها بقيادة حماس في الخارج وتحديداً خالد مشعل. هي محاولة لتصدير الازمة الاسرائيلية. المعروف ان هذه العملية هي عملية تم التخطيط لها والتنفيذ في داخل فلسطين من قبل فصائل المقاومة وليس للقيادة في الخارج أي علاقة في هذه العملية.
ورداً على سؤال عما اذا كانت حماس مستعدة لتحمل هجوم اسرائيلي كبير في مقابل الاحتفاظ بالجندي، قال نزال تقدير هذا الموقف يعود الى الجهات التي أسرته. قطاع غزة تعرض للعدوان من قبل من دون عمليات من هذا النوع ومن دون أسر جندي اسرائيلي. الفلسطينيون يشعرون بأنهم لن يدفعوا ثمناً باهظاً أكثر مما دفعوه.
أنان
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان امس، انه تحدث الى الرئيسين الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) والسوري بشار الأسد، في إطار جهوده للإفراج عن الجندي الأسير. وقال أنان انه تحدث الى أبو مازن امس الأول حول الوضع على الأرض وخطف الجندي الإسرائيلي والحاجة الى الإفراج عنه، مشيرا الى ان الرئيس الفلسطيني كان ايجابيا جدا.
وأضاف انه تحدث امس الأول ايضا الى الأسد بسبب وجود فصيل من حماس في سوريا موضحا انه عندما تحدثت الى الرئيس الأسد كنا نحاول إيجاد سبيل للمساعدة على إزالة التوتر. وتابع لقد كنت أتحدث الى أي شخص له تأثير على الوضع ويؤدي دورا، واستخدام هذا التأثير للتأكيد على إمكان الإفراج عن الجندي واننا نستطيع إزالة التوتر.
خطف مستوطن
وتعززت الشبهات أمس باحتمال نجاح لجان المقاومة في الضفة باختطاف مستوطن يتدرب في المهنية العسكرية. وكانت اللجان قد أعلنت أنها أفلحت في اختطاف مستوطن ولكنها لم تقدم أية معطيات. غير أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تحدثت عن غياب شاب في الثامنة عشرة من عمره يدعى إلياهو أشري عن مستوطنته. ولذلك شرع الجيش بتمشيط مناطق واسعة في محيط رام الله بحثاً عنه. وهددت المقاومة بقتل الاسير في حال لم توقف اسرائيل اجتياحها لبري لغزة.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد