إسرائيل تريد وقف إطلاق نار يعطيها الحق بإطلاق النار
الجمل: صدر في واشنطن تقرير، أعده كريستوفر هاميلتون، وباراك بن زور، يتناول العملية البرية العدوانية التي تحاول إسرائيل تنفيذها في جنوب لبنان. وقد ورد في التقرير أن إسرائيل قد بدأت حملتها البرية التي انتظرتها طويلاً من أجل إضعاف قدرات حزب الله العسكرية، وتأمين حدود إسرائيل الشمالية مع لبنان، وإرساء عملية وقف إطلاق النار (المستدام).
من المعروف أن مصطلح (وقف إطلاق النار) في حد ذاته متعارف عليه ومحدد في كل القوانين والأعراف الدولية وبالتالي يمكن القول: إن الـ(إطار النظري) لهذا المصطلح واضح تماماً، وكذا الحال بالنسبة للـ(إطار العملي التطبيقي).. فقد تم تنفيذ اتفاقيات وقف نار في مختلف أنحاء العالم، وبالتالي أصبحت هناك تقاليد إجرائية وعملية ثابتة لعملية وقف إطلاق النار بين أطراف النزاعات المسلحة.
الآن، تسعى إسرائيل إلى (فرض) سابقة جديدة، لها تداعياتها الخطيرة لا على سيادة لبنان، ولا على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وإنما على القانون الدولي، لجهة الاحتلال بالتوازن الذي استقر على أساسه نظام العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.
الأطروحة الإسرائيلية الـ(شريرة) تختفي خلف وبين حروف كلمة الـ(مستدام)، التي ألحقت بمصطلح (وقف إطلاق النار)، وهذا البعد (غير المعلن) يمكن فهمه من خلال الإجابة على الأسئلة التي تقول: ماذا يقصد واضعوا القرار بكلمة (مستدام)؟ وكيف تتحقق هذه الـ(إستدامة)؟ وهل ستكون ملزمة لكل أطراف النزاع بقدر متساو؟ أم أنها تستثني طرفاً؟ وهل الحقوق والواجبات التي يتضمنها الاتفاق سوف تكون متوازنة؟ أم أن توازن الحقوق والواجبات سوف يكون نسبياً؟
من يحاول الإجابة على هذه الأسئلة يكتشف بكل سهولة أن إسرائيل تريد (وقف إطلاق النار المستدام) الذي يعطيها حق إطلاق النار على الآخرين، في الوقت الذي لا يعطيهم حق إطلاق النار على إسرائيل وحسب، بل ويسلب منهم حق إطلاق النار في حالة الدفاع عن النفس، الذي منحه لهم القانون الدولي.
الشروط الإسرائيلية لعملية وقف إطلاق النار تم تصميمها على غرار تصميم النماذج الاستراتيجية وفقاً لصيغة: المدخلات، المخرجات، التغذية العكسية، بحيث يكون النموذج الاستراتيجي الإسرائيلي في حالة عمل وحركية دائمة، ويمكن أن نلاحظ ذلك في الآتي:
تربط إسرائيل بين عملية وقف إطلاق النار من جهة، والتطورات السياسية اللبنانية الداخلية والخارجية، وبالتالي يجب على لبنان حكومة وشعباً ألا يتصرف أو يتحرك بملء إرادته، وإنما وفقاً للأجندة الإسرائيلية، وبعبارة أخرى، كل ما لا توافق عليه إسرائيل في لبنان، سوف يمثل خرقاً لوقف إطلاق النار، ولكي ندخل في تفاصيل (سيناريو الهيمنة الإسرائيلية)، نلاحظ أن هذا السيناريو يشتمل على سيناريوهات فرعية، تتضمن الكثير من الـ(صفحات المخبأة)، فمثلاً قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 1559،ورقم 1680، تشدد إسرائيل على إدخالها ضمن قرار وقف إطلاق النار، وهذه القرارات تتضمن بعض الجوانب التي تدخل في صميم الـ(شأن) السيادي اللبناني الداخلي، مثل العلاقة بين لبنان وسورية، وترسيم الحدود بين لبنان وسورية، والعلاقة بين الحكومة اللبنانية والفصائل السياسية اللبنانية، وبعبارة أخرى أيضاً: إن وضع هذين القرارين الدوليين ضمن اتفاقية وقف إطلاق النار، معناه بوضوح أنه على الحكومة اللبنانية الالتزام بالأجندة الإسرائيلية المتحدة، وبكلمات أخرى أكثر وضوحاً: إذا رأت إسرائيل أن الحكومة اللبنانية إذا تصرفت من دون موافقة إسرائيل، فإن هذا يمثل خرقاً لوقف إطلاق النار الـ(مستدام)، وبالتالي يكون من حق إسرائيل الرد على ذلك بـ(النيران) دفاعاً عن نفسها.
إن كلمة مستدام (Sustainable) تعني إلغاء الاختصاص الزماني، والمكاني أيضاً.
من المعلوم أن لكل اتفاقية قيد وإطار محدد، واتفاقيات وقف إطلاق النار المرتبطة بنشر قوات حفظ السلام الدولي تؤكد هذا المبدأ، أما في حالة هذا الاتفاق الـ(مفترض) نلاحظ الآتي:
• الاختصاص المكاني: ما تمت الإشارة إليه حتى الآن هو أن تكون القوات الدولية على الـ(جانب اللبناني)، أي، إن على اللبنانيين إضافة إلى الخراب والدمار أن يدفعوا عبئاً إضافياً، يتمثل في التنازل عن جزء من أراضيهم لاستضافة القوات الدولية، والتي لن تكون عدة مئات، بل الحديث الآن عن 20 ألفاً وما فوق، وهذا معناه المزيد من الأراضي لإقامة المراكز والمرافق.. كذلك مع ملاحظة أن نطاق حركة هذه القوات قد يمتد ليس ضمن كامل أراضي لبنان وحسب، بل وقد يمتد إلى دول الجوار الإقليمي، وذلك لأن ولاية هذه القوات تمتد إلى أراضي الدول الأخرى من أجل ترسيم الحدود، وربما بناء السفارات اللبنانية والسورية.
• الاختصاص الزماني: من المعلوم أن فترة وجود قوات حفظ السلام تخضع إلى الرغبة السيادية لأطراف النزاع، ولكن هذه القوات الدولية افتراضاً، سوف تخضع حصراً رغبة إسرائيل. وبكلمات أخرى: مادام مجلس الأمن الدولي هو الذي سوف يحدد فترة بقاء أو عدم بقاء هذه القوات، فإن الفيتو الأمريكي سوف يلعب دور الـ(بروكسي)، أو الوكيل الإسرائيلي، بحيث تخرج القوات الدولية إذا كانت إسرائيل تريد ذلك وتبقى إن رغبت إسرائيل بقاءها.
إن القبول بصيغة مشروع القرار الذي قدمته فرنسا (وفقاً للصيغة الإسرائيلية التي تلتزم بها أمريكا)، معناه أن الحكومة اللبنانية لن تكون لها كل السيطرة على السيادة اللبنانية، بل سوف تكون حكومة منقوصة السيادة، مثلها مثل حكومة محمود عباس. وبكلمات أخرى: إن إسرائيل بهذا القرار تهدف إلى التمتع بسلطتين تابعتين لها هما: مناطق السلطة الفلسطينية، ومناطق السلطة اللبنانية.
الجمل
إضافة تعليق جديد