إيران بلا ظهير شعبي في العراق
على رغم الاختلاف الجذري بين النظام السياسي في عراق ما بعد 2003، ونظام صدام حسين السابق، باعتماد الأول على الديموقراطية في كتابة دستوره (2005)، الذي تضمّن مواد وفقراتٍ بشّرت بـ«نظام حرّ تعدّدي» سيكون من أفضل الأنظمة الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن هذا النظام عجز عن إنتاج عقلية سياسية تنسجم مع روح الديموقراطية. ولذلك، اتجه المسار السياسي نحو التخندق الطائفي والقومي، ما أسفر عن تكريس نظام سياسي بأغلبية مجتمعية، هي أقرب إلى طهران منها إلى واشنطن، التي اعتقدت طويلاً بأنها المُمسِكة بزمام الأمور في هذا البلد.
هذه الفرصة العظيمة استثمرتها إيران بشكل كبير جداً، فاستطاعت خلال الأعوام التي سبقت موجة التظاهرات الأخيرة (1 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي)، التي اجتاحت معظم المحافظات الجنوبية ذات الغالبية «الشيعية»، أن تبسط نفوذها الهائل على معظم مفاصل المشهدين الأمني والسياسي في بلاد الرافدين. وهو نفوذ دائماً ما استند إلى دعم «الشارع الشيعي»، سواءً في التصدّي للتمرد والإرهاب الذي ضرب «المحافظات السنية»، أو في التصدّي لدعوات الانفصال والاستقلال في «المحافظات الكردية» الثلاث.
لكن، في المقابل، بدا واضحاً أن جهل الأحزاب والقوى السياسية «الشيعية» وفسادها باتا المِعوَل الذي يمكن من خلاله تحطيم كلّ الأهداف الاستراتيجية الإيرانية في العراق. هذه الأحزاب والقوى باتت تمثّل الوجه القبيح والفاسد لإيران من وجهة نظر الشارع «الشيعي». وما زاد من الهوّة بين هذا الشارع وطهران، هو المنهج القاسي في التعامل مع المتظاهرين المطالبين بأبسط حقوقهم المعيشية ــ الخدمية، والذي واكبته تغطية مكثّفة من قِبَل ماكينات الإعلام الغربي (إلى جانب منصات وشبكات وسائل التواصل الاجتماعي)، استطاعت أن تؤثّر في المزاج الشعبي، إلى درجة أنها حوّلت المواجهة بين الشارع «الشيعي» وأحزابه إلى مواجهة بين «الشيعة» وإيران. ولم تقف المواجهة عند ذلك الحدّ، بل تطوّرت ووصلت حدّ رفض الأسس والقواعد الدينية التي دائماً ما استندت إليها إيران لترويض «شيعة العراق» (بل و«العالم الشيعي» بأسره)، وجعلهم يدورون في فلكها من خلال رجال الدين والمراجع، في تطوّر يفسّر انتشار مبادئ الإلحاد واللادينية في أوساط الشباب «الشيعي» أكثر من غيره.
إن تظاهرات 1 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وبفعل القبضة الحديدية التي استخدمتها القوى السياسية «الشيعية» تجاه الشارع الغاضب، خلّفت شعوراً راسخاً لدى المتظاهرين بأن «مذهبهم لن يشفع لهم إذا ما فكّروا في تهديد مصالح أحزابهم»، بل إنهم قد يعامَلون بشكل أقسى من «المكوّنات» العراقية الأخرى، وبتعبير الشاعر طرفة بن العبد: «وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً... عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ». هذا الواقع سيجعل إيران وحلفاءها من الأحزاب «الشيعية» تحديداً أمام حقيقة واضحة في قادم الأيام، مفادها أن على طهران مواجهة كل التحدّيات والأزمات المستقبلية وحدها، من دون وجود شارع «شيعي» عراقي كبير. شارعٌ تم خسرانه بسبب الفساد وسوء إدارة الدولة منذ عام 2005 حتى يومنا هذا، خصوصاً من قِبَل حلفاء طهران وأتباعها في العراق.
الأخبار
إضافة تعليق جديد