احذر العملة التي بين يديك مزورة
ظهرت ألف ليرة سورية مزورة بين يدي (عاصم،ج) فوقع في حيرة من أمره؛ هل يمزقها أم يبلغ عنها؟.. وكيف يبلغ عنها وهو لا يعرف من أين أتت إلى يديه؟!. وبدأ يستشير الأصدقاء والمعارف من حوله، ليمزّقها أخيراً وهو يتحسَّر على قيمتها التي خسرها من جيبه.
انتشرت في الآونة الأخيرة بين البائعين وأصحاب المحال التجارية والقائمين على محطات الوقود ظاهرة «فوبيا العملة المزورة»؛ فلا يكادون يمسكون بالورقة المالية حتى ترتفع في الهواء ويبدؤون النظر إليها بإمعان شديد. ومنهم من اقتنى جهازاً لكشف التزوير ضمن محله ومكتبه (رامياً بالورقة على الجهاز) من مبدأ كل حامل للنقود متهم حتى يثبت الجهاز العكس.
إلى ذلك يشير (فراس،ب) -صرَّاف- مبيّناً أنَّ مكتبه يدخله بشكل يومي عشرات الأشخاص، وينظر إليهم نظرة المشكوك فيهم، لأنَّ غلطة واحدة وجهلاً بمصدر النقود التي بين يديه يحوّله من فوره إلى القضاء. لذا الجهاز الذي بين يديه يعتبر الأداة الثانية لفحص العملة النقدية.. موضحاً أنَّ يديه ـونتيجة الخبرة الطويلةـ أصبحتا أهم بالنسبة إليه من أيّ آلة، وكثيراً ما اتصل بالجهات الأمنية ليبلغ عن حالات التزوير المتكررة التي تدخل مكتبه وحامل النقود جالس أمامه ينتظر تبديلها.
تجار سوق الكهرباء يؤكدون أنَّ أجهزة كشف العملات المزورة أصبحت من أساسيات أيّ مكتب أو محل تمَّ افتتاحه، ويعمل في الأسواق التجارية، مؤكدين أنَّ يتمّ طرح، وبشكل سنوي، أعداد كبيرة من هذه الأجهزة بعد أن يتمّ تطويرها، لاسيما للمصارف الخاصة ومكاتب الصيرفة التي يتمّ تداول النقد من خلالها بشكل كبير جداً. وبذلك -يوضح فراس- «هذه الأجهزة يتمّ تبديلها بشكل دوري لنحصل على الأحدث منها. فبشكل دوري يتمّ تطوير عمليات التزوير، وتعديل العملة المزورة».
لا يغيب عن أحد أنَّ طرح كميات نقدية كبيرة في السوق يؤدي إلى آثار اقتصادية خطرة، حيث يعتبر محمد عثمان (الخبير الاقتصادي) أنَّ تزوير العملة من أكثر الجرائم خطورة على المجتمع والاقتصاد؛ فهي تصنّف تحت الجرائم الاقتصادية، والاهتمام بالجرائم الاقتصادية من أهم ما تعنى به الدولة المتحضرة، وذلك لصلته الوثيقة بالقطاع الاقتصادي للدولة.
ويشير إيهاب اسمندر (خبير في الاقتصاد الكلي) إلى أنَّ «هناك توافقاً بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية، وطرح الكتلة النقدية يحتاج إلى عمليات حسابية معقدة في طرح عملات جديدة.. هذا عن المواصفات الخاصة لها، نتيجة صناعتها، وأيُّ اختلاف في هذه القاعدة (بين الكتلة النقدية والسلعية) يؤدي إلى خلل في النظام الاقتصادي. فزيادة السلع بشكل كبير تؤدي إلى خفض الأسعار، وفي المقابل زيادة النقود بالمقارنة مع الكتلة السلعية يؤدي إلى رفع الأسعار»، مضيفاً: «التزوير هو طرح كتلة نقدية خارجة عن القوانين والأنظمة المصرفية، وتؤدي إلى في اضطرابات في تعاملات السوق.. وشعور المواطنين أنَّ هناك عملة مزورة يؤدي إلى الاتجاه من العملة المحلية إلى العملة الأجنبية في حال كانت المحلية مزورة. وبالتالي هذا يؤدي إلى انهيار العملة؛ فالنقد هو مرآة الاقتصاد، وانهياره يؤدي إلى مشكلات لعمليات التداول لهذه النقود، ويؤدي إلى مشكلات للعائلات الفقيرة نتيجة التضخم الكبير».
فيما يرى عثمان أنَّ «تأثير العملة المزورة في أيّ بلد يكون أولاً على مستوى الاقتصاد؛ إذ إنَّ تأثير العملة المزورة يظهر إذا طبعت هذه العملة بكميات كبيرة وطرحت في الأسواق المحلية. وبالتالي سيؤدي ذلك إلى وجود أوراق نقدية ليس لها قيمة. أي أنَّ هذه العملة هي عملة من دون غطاء بالنسبة للعملات الأخرى والذهب؛ ما سيؤدي إلى التضخم وهبوط قيمة العملة المحلية، وذلك سيتسبَّب في فقدان ثقة المواطن بالعملة المحلية، ما يضطر البنك المركزي إلى رفع سعر الفائدة لامتصاص السيولة الزائدة، وهو ما يؤدي إلى خسارة في خزينة الدولة».
ويضيف عثمان: «الضرر الأكبر لتزوير العملة يقع على عاتق الأفراد ومؤسسات الأعمال؛ وذلك لعدم حصولهم على تعويض مقابل الأوراق النقدية المزورة، بالإضافة إلى تعرّضهم للمساءلة نتيجة قبولهم بهذه العملة.. كما يؤدي تزوير العملة إلى فقد الثقة في أنظمة الدفع وتسرّب الشكوك إلى أفراد المجتمع حول قبول أيّ أوراق نقدية خلال العمليات النقدية».
من جهته قال الدكتور حيان سليمان (دكتور في الاقتصاد): «العملة المزوّرة تعني أنَّ هناك نقوداً مبخوخة في شرايين الاقتصاد الوطني، وهي مزيفة (أي ليست صادرة عن البنك المركزي، ولايقابلها إنتاج حقيقي) في الوقت الذي تعتبر فيه النقود وقود التبادل التجاري. ومن هنا يأتي ضررها».
وأضاف الدكتور سليمان: «إنَّ النقود المزورة تعطي مؤشرات تضليلية للسنة القادمة عندما يخطط البنك المركزي مقدار الكتلة النقدية التي يجب أن تتوحد في السوق، كما أنَّ زيادة النقود المزورة يؤدي إلى تأثيرات سلبية على مفهوم (القيمة) أي قيمة السلع والخدمات؛ لأنَّ من يملك هذه النقود لايهمه صرفها ولا كم سيدفع مقابل ما يشتريه».
إذاً النتائج المباشرة لتزوير العملة لا تعدو أن تكون من أجل الحصول على منفعة مقابل العملة المزورة الخالية من أيّ قوة شرائية؛ ما يؤثر على الجانب الاقتصادي بخلخلة نظام الصرف وانعدام الثقة في حقيقة العملات المتداولة- حسب عثمان.
اسمندر طالب بتشديد العقوبات الرادعة في هذا النوع من المخالفات العقوبات الاقتصادية. وهذا ما أكده المحامي عبد الله عبد الكريم؛ يقول: إنَّ قانون العقوبات السوري عاقب من قام بتزوير العملة أو ترويجها أو تصنيعها، واعتبر العقوبة واحدة ولم يفرق القانون بينهم؛ إذ جاء في المادة 430 من قانون العقوبات السوري: «من قلد عملة ذهبية أو فضية متداولة قانوناً أو عرفاً في سورية أو دولة أخرى، بقصد ترويجها، أو اشترك وهو على بينة من الأمر في إصدار العملة المقلدة أو في ترويجها أو في إدخالها إلى البلاد السورية أو بلاد أجنبية، عُوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن خمس سنوات وبغرامة تبلغ مئتين وخمسين على الأقل». كما جاء في المادة 433 من قانون العقوبات: «من قلد أوراق مصارف سورية كانت أم أجنبية أو زوّر أو حرف في قيمة هذه الأوراق النقدية بقصد ترويجها أو اشترك في إصدارها أو في ترويجها، عوقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 430».
لكنَّ الكثير من الناس يحصلون على هذه العملة دون معرفة أنها مزورة. وهذا ما راعاه قانون العقوبات السوري؛ يشير المحامي عبد الكريم إلى أنَّ بعض الناس يحوزون على هذه العملة المزورة بحسن نية ودون أن يعلموا بتزويرها. لذلك جاء في المادة 436 من قانون العقوبات السوري: «من قبض عن حسن نية قطعاً من العملة أو أوراقاً نقدية أو أوراق مصارف مقلدة أو مزيفة أو مزورة ورجها بعد أن تحقق عيوبها، عوقب بغرامة لا تتجاوز المئة ليرة سورية».
ولم يفرق القانون بين المزور للعملة المحلية والعملة الأجنبية والعربية. فقانون العقوبات السوري -وفقاً للمحامي عبد الكريم- لم يفرق نهائياً بين من قام بتزوير أو ترويج أو تصنيع أو حتى الاشتراك في هذه الأعمال الثلاثة؛ فأي عملة سواء كانت العملة المحلية أم عملة أجنبية أم عربية أم حتى العملات المعدنية الذهبية أو الفضية مهما كان مصدرها.. وذلك لخطورة ذلك وتأثيره على الاقتصاد الوطني والضرر الذي يلحقه بالاقتصاد، حيث إنَّه بمجرد وقوع التزوير تتحقق أركان جرم التزوير من تغيير الحقيقة ووقوع الضرر أو احتمال وقوعه.
وشدَّد القانون العقوبة على من يقوم بالتزوير أو الترويج أو الاشتراك في هذا التزوير، سواء كانت هذه العملة سورية أم عملة أجنبية أم عربية أم كانت عملة ذهبية أو فضية؛ فالعقوبة واحدة وهي أشغال شاقة لمدة لا تقلّ عن خمس سنوات وغرامة مالية، حسب المحامي عبد الكريم. أما في حالات تخفيف العقوبة، وهي فقط على الحائز العملة عن حسن نية، فإنَّ عقوبته تكون غرامة مالية لا تتجاوز مئة ليرة.
ظهور العملة المزورة منتشرٌ في دول العالم كافة. وتختلف معالجة انتشار العملة بين دولة وأخرى؛ يرى اسمندر أنَّ «معالجة ظاهرة التزوير تختلف حسب الكميات المطروحة؛ فإن كانت الكميات المطروحة للعملة المزورة كبيرة سيكون هناك عدم ثقة لدى المتعاملين بالنقد، ما يتوجب على الحكومة والنظام المصرفي تغيير كامل للعملة النقدية. وفي حال العمليات المنخفضة، التي لا تؤثر على الليرة السورية، فهذه تكافح بالطرق العادية. أما الخطورة فتكمن في حال تمَّ تأثيرها على عمليات الصرف (صرف الليرة السورية). فهذه تشكل خطورة نتيجة الانخفاض الكبير لليرة السورية بالنسبة لباقي العملات الأخرى، والعكس بالنسبة للعملات الأخرى». ومن وجهة نظر الدكتور حيان سليمان، فإنَّ «الحلَّ لهذه المشكلة هو تشديد العقوبات الرادعة بحقّ المزورين للعملة، وسنّ قوانين وتشريعات للحدّ من هذه الظاهرة الخطرة على الاقتصاد الوطني والتأكد من العملات الأجنبية الداخلة إلى سورية، والاستفادة من تطور التقنيات المخصصة لكشف العملة المزورة».
ربما نعتقد أنَّ هناك فرقاً بين تزوير العملة الأجنبية والعملة المحلية. أوضح هذا الجانب الدكتور حيان سليمان، قائلاً: «ليس هناك فرق بين تزوير العملة المحلية والعملة الأجنبية؛ فكلها تقع في دائرة واحدة (دائرة التزوير والمزورين). والمزورون دائماً يبحثون عن نقاط الضعف في اقتصاد ما ليبدؤوا بالتزوير. وسبب ضخامة وجود العملة المزورة، وخاصةً الدولار، يعود إلى أنَّ الدولار يعتبر عملة العملات، وحتى الآن هو يسيطر على 55% من المبادلات التجارية، ولاسيما البورصات المالية. وحتى النفط يسعّر بالدولار. ومع نشوء الدول الصناعية، استغلَّ مزورو العملة هذا النشوء والتطور في شراء آلات في غاية الدقة لتقليد العملات».
تولي إدارة الأمن الجنائي قضية تزوير العملات بأنواعها اهتماماً كبيراً، ولاسيما أنَّ آثارها المباشرة على الاقتصاد مدمرة، مما توليها الإدارة فورية في العمل على مكافحتها بأنواعها كافة، إن كانت عملية تزوير أم ترويج. ويتمّ بشكل مباشر توقيف كلّ من له علاقة؛ من أشخاص ومعدات مستخدمة في العملية. وبلغت، وضمن أرقام إدارة الأمن الجنائي، 636 حالة تزوير وترويج لمختلف العملات خلال عام 2007. وحسب أرقام وزارة الداخلية، بلغت أموال التزوير للدولار الأمريكي 2397190 مزوراً، و585000 ريال سعودي. ولم تبتعد الليرة السورية عن الأموال المزورة حيث بلغت 7.301.500 ليرة سورية مزورة.
جريمة غسل أموال- هذا ما اعتبره إيهاب اسمندر؛ حيث يختلف تصريف العملة المزورة بين الأشخاص المزورين. فعثمان يرى أنَّه كثيراً ما يتحصل هؤلاء المزورون على عقارات وسيارات فخمة وغيرها من الثروات التي يشترونها بهذه المبالغ المزورة. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية والآثار المدمرة لأيّ اقتصاد.
قد يكون من الضروري النظر إلى المزايا التي تحتويها العملة السورية لمنع تزويرها؛ علماً بأنَّ هناك ضمانات أمنية ظاهرة بالعين المجردة كطباعة كامنة لفئة الورقة (مخفية ضمن الرسمين التزيينيين)، والحبر الأخضر متغير اللون حيث يرى أزرق غامقاً لدى تغيير زاوية الرؤية، بالإضافة إلى الرقمين المتسلسلين (اليميني أفقي متزايد الحجم واليساري عمودي)، إضافة إلى شريط ضمان ممعدن فضي اللون متقطع ومتداخل في عجينة الورق ويحمل كتابة (المصرف المركزي 500 ل. سورية CBS)، كما أنَّ هناك الصورة المائية (رأس الحصان)، والتوقيعان المعتمدان، عدا عن عدد من الضمانات الأمنية الأخرى، إضافة إلى كل ذلك هناك ضمانات أمنية مخفية تحتويها العملة السورية.
يُذكر أنَّ هذه الضمانات تختلف بين العملات النقدية.
عامر عبد السلام - هلا منى
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد