اقتصاد الدول العربية من زاوية صندوق النقد الدولي
يتجول منذ بداية هذا العام موظفو صندوق النقد الدولي بشكل متواصل في أنحاء العالم العربي ويرفعون التقارير المتتالية عن الأحوال الاقتصادية لدوله والتوصيات عن جدوى منحها القروض.
تقارير صندوق النقد الدولي
تشير هذه التقارير إلى أن الدول الأربع غير النفطية، أي الأردن والمغرب وتونس ومصر تعاني تقريباً من مشاكل متشابهة، وهي تتلخص بـ:
1ـ عجز كبير في ميزانية الدولة: الأردن 11 في المئة، المغرب 10 في المئة، تونس 9 في المئة، ومصر 10 في المئة. يعود هذا العجز بحسب تقارير الصندوق إلى ارتفاع المعونات والمساعدات في قطاعي الطاقة والغذاء. وتذهب تلك التقارير أبعد من ذلك، إذ تجعل من تلك المسألة مشكلة، حتى بالنسبة للدول النفطية أي الجزائر وليبيا. إلا ان الصندوق يعترف أيضاً ان السبب الثاني للعجز يكمن في انخفاض المداخيل الضريبية/ الجمركية نتيجة العولمة الليبرالية وفتح الحدود لاستيراد البضائع بتعرفة جمركية مخفضة.
2ـ عجز كبير في الميزانيات التجارية يتراوح بين 4 في المئة من الدخل القومي في تونس و19 في المئة في الأردن. ويعود هذا العجز، حسب تقارير الصندوق، إلى فقدان القدرة التنافسية بالرغم من انخفاض قيمة عملات كل تلك الدول، والى انخفاض الطلب من الدول الأوروبية التي تعاني من أزمات اقتصادية. أما الاستيراد في تلك الدول فيبقى مرتفعاً نتيجة انخفاض التعرفة الجمركية.
3ـ بطالة مرتفعة في كل تلك الدول، تترافق أحياناً مع تضخم في الأسعار في بعضها.
4ـ معدل لصرف عملة ثابت، لا يسمح بالتالي بنظر الصندوق بتعديلات سريعة للاقتصاد عند وقوع الأزمات.
5ـ دين قطاع عام يرتفع بسرعة بعد ان كان منخفضا نسبياً.
الحلول حسب صندوق النقد الدولي
بحسب تقارير صندوق النقد الدولي، فإن حل مشاكل الدول غير النفطية وبعض الدول النفطية يكمن في الاجراءات التالية:
1ـ وقف المساعدات والدعم الحكومي تدريجياً لقطاعات الطاقة والغذاء. ويشيد الصندوق بالأردن الذي استطاع ان يرفع سعر البنزين 6 في المئة، ويدعو إلى المزيد في هذا الاتجاه.
ويخصص الصندوق في تقريره عن ليبيا، تحليلاً طويلاً ليبرر حث الحكومات على إنهاء الدعم الحكومي، يتلخص بالتالي: ان الدعم للبنزين يفيد بشكل أساس الأغنياء أكثر من الفقراء، لأن الأوائل هم كبار المستهلكين، يضاف إلى ذلك ان التخفيض الاصطناعي للأسعار، يؤدي بالضرورة إلى استعمال أكبر للطاقة عما لو كان السعر "طبيعياً" وهو بالتالي هدر لطاقة البلاد، أي ان الدعم الحكومي غير منصف وغير مجد.
2ـ التعويض على الفقراء من خلال المساعدات والإعانات المباشرة، وأيضا من خلال الاستثمار في القطاع الصحي والتعليمي... ولا تتطرق التقارير إلى ان هذين القطاعين بدأت خصخصتهما في الكثير من البلدان.
3ـ تجميد أجور القطاع العام وتخفيض عدد الموظفين، بحيث يتم تخفيض المصاريف الحكومية و تقليص أهمية القطاع العام في الدخل القومي.
القروض
نتيجة هذه التقارير، ومعاينة ما استطاعت الحكومات تنفيذه من الحلول التي يقترحها صندوق النقد الدولي، منح هذا الاخير القروض التالية:
المغرب 6,1 مليار دولار
تونس 1,7 مليار دولار
الأردن 1,9 مليار دولار
وهي قروض مدة دينها حوالي السنتين.
يجدر بالذكر ان الجزائر وليبيا لم تطلبا أية قروض، وان الدولة الوحيدة التي لم تحصل على أية قروض حتى هذه الساعة هي مصر بالرغم من كل الزيارات والتقارير الإيجابية، وآخرها بتاريخ 6 حزيران/يونيو 2013، رغم "تقدير الصندوق للجهود الذي قام بها رئيس الوزراء". ويبدو سخاء الصندوق مع الأنظمة الأخرى وكأنه تعبير عن رضا سياسي أكثر مما هو اقتصادي، إذ أن الأنظمة التي حصلت على القروض، أي المغرب والأردن وتونس، لم تتمكن من إجراء التعديلات البنيوية اللازمة بل بقيت مقصِّرة، كما هو حال مصر. وفي حين لم تتلق مصر القرض المأمول من الصندوق، فهي استقبلت ما يقرب من ثلاثة أضعافه، إلا قليلاً، فور عزل مرسي، تشجيعاً من السعودية والامارات والكويت لخطوة التخلص من الاخوان.
يستتبع ذلك ملاحظة ثانية، وهي ان الأردن هو البلد الوحيد الذي استطاع ان يرفع سعر البنزين ويخفض الدعم بنسبة 6 في المئة، إلا انه فعل ذلك بعد ان رفض الاعلان بشفافية عن هذه الاستراتيجية كما طلب منه الصندوق. بمعنى آخر فالأردن استطاع ان يمرر خلسة قسماً صغيراً من حلول الصندوق.
أخيرا،ً يجدر بالذكر ان ما قد ينطبق على البنزين لا ينطبق بالضرورة على الغاز والمواد الغذائية المستهلكة من قبل الشعب. بل أكثر من ذلك، فإن البنزين في بلدان لا تعتمد إلا قليلا على المواصلات العامة، ليس بالضرورة مادة مقصورة على الأغنياء.
في النهاية يبدو من خلال تلك التقارير أن الدول العربية غير النفطية لم يعد لها أي حيز من الاستقلالية الاقتصادية، وهي بحاجة "بأي ثمن" لقروض صندوق النقد الدولي و/ أو أموال الخليج.
شبل سبع
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد