الإعلام الأميركي بعد «شارلي إيبدو»: أنت مسلم، إذاً أنت مسؤول!
لم تبدّل وسائل الإعلام الأميركية من عاداتها، خلال تغطيتها لتداعيات الهجوم على أسبوعيّة «شارلي ايبدو» الفرنسيّة الأسبوع الماضي. والتزمت القنوات الإخباريّة في نهج تحليل نظرية «الإرهاب الإسلامي»، وتفنيد دوافعه، ضمن حالة معقدة ومركبة لا يبدو من السهل تفكيك خيوطها.
خلال الأيّام الماضية، سيطرت النبرة الهجوميّة على مواكبة الإعلام الأميركي للحدث، وهي النبرة ذاتها التي تبنّاها منذ أحداث 11 أيلول. وطغت على البرامج الإخباريّة، محاولة تخويف المشاهد من «الآخر» ودفعه لحالة من الترقب المستمر. من يتابع الشاشة الأميركيّة سيتخيّل أنه من الوارد حدوث هجوم إرهابي مشابه، بنسخة أميركية، في أي وقت ومكان ممكنين.
في هذا السياق، تبرعت «فوكس نيوز» أكثر من غيرها، إذ أنّها لطالما استخدمت نبرة الإدانة لأيّ آخر، تبنّت أولويّة الدفاع عن الأمن القومي على حساب الموضوعية في كثير من المناسبات. نهجٌ استطاعت من خلاله اكتساب موقعها لدى شريحة واسعة من المشاهدين الأميركيين المقتنعين بخطر كلّ من هو «أسود»، أو «عربي»، أو «مسلم».
حاولت وسائل الإعلام الأميركية في الشكل، الابتعاد عن عرض أي رسم في مقاربتها لمسألة «شارلي ايبدو»، والابتعاد عن «الاستفزاز»، حفاظاً على أمن موظّفيها، كما قالت. إلا أنها في واقع الأمر، تبنّت خطاباً اتسم بالنظرة التعميمية الإسلاموفوبيّة المُقوْلَبة ذاتها، وإن لم يكن مدعّماً بالرسوم الكاريكاتوريَّة.
على «سي إن إن»، خرج المذيع الإخباري دون لمون عن السياق «الموضوعي» الذي تحاول القناة تبنّيه. فخلال حوار عن جريمة باريس والتطرّف الإسلامي مع المحامي أرسلان افتخار، وهو متخصّص بحقوق الإنسان ومحاضر في الشؤون الإسلامية، سأل لمون ضيفه: «هل تدعم داعش؟». ليردّ الضيف مذهولاً: «هل سألتني للتوّ إن كنت أدعم داعش»؟. هنا بدت المفارقة في أوضح صورها، فالشاشة التي تمتنع عن نشر صور استفزازية هي ذاتها التي تتبنى خطاباً هجومياً وتعمّمه بشكل غير مبرّر. لم تمر هذه اللقطة من دون ردود فعل تدينها، إذ اتفق المعلّقون والصحافيون على وصفها بـ «السقطة الإعلاميّة غير المقبولة».
أخطبوط الإعلام الاسترالي/ الأميركي روبرت مردوخ لم يتأخّر بدوره عن الإدلاء برأيه حول جريمة «شارلي إيبدو»، عبر حسابه على «تويتر». حمّل مردوخ في تغريدة المسلمين، جميع المسلمين، مسؤوليَّة «السرطان الجهادي» المتنامي. قوبلت تلك التغريدة بردود ساخرة، وأدان معلقّون ما أسموه السطحية والعدائية الواضحة فيها. وردّ أحد المعلّقين بالقول: «على أستراليا كلّها أن تتحمل، بدورها، مسؤولية ما يقوم به مردوخ». فيما رأى آخرون أنّه من غير المنطقي لرجل بتأثير مردوخ، أن يقول بكلّ بساطة، إنّه على 1,6 مليار شخص، تحمّل مسؤولية «السرطان الجهادي». الكاتبة البريطانيّة جي كي رولينغ، مؤلّفة سلسلة «هاري بوتر»، ردّت بدورها على مردوخ، وقالت في تغريدة: «ولدتُ مسيحيّة. إن كان ذلك يجعل من روبرت مردوخ مسؤوليتي، سأقوم برمي الحرم على نفسي».
على قناة «سي بي اس»، ظهر المستشار الأمني مايك مورل ليتحدث عن المذبحة والضحايا والدوافع والأيديولوجية التي هدفت، بحسب تعبيره، إلى إغلاق منبر إعلامي، في مجزرة هي الأكبر منذ أحداث لندن العام 2005، متناسياً بذلك مجزرة النروج العام 2007، والتي نفّذها المتطرّف اليميني أندريس بريفيك.
فادي الطويل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد