الاحتلال يعيد تمركزه في قواعد ثابتة في العراق
بدأ العراقيون، أمس، احتفالات مبكرة بما وصفوه «باسترداد السيادة»، الناقصة، التي تتمثل في انجاز قوات الاحتلال الأميركي الخروج من المدن العراقية اليوم، في سياق ما يبدو انه إعادة تموضع لـ130 ألف جندي اميركي يحتلون العراق منذ ست سنوات، في قواعد ضخمة اقيمت في مناطق صنفت على أنها «ريفية»، علما بان الاميركيين سيحتفظون ايضا بمراكز عسكرية مشتركة داخل بغداد والموصل والبصرة.
وكانت الحكومة العراقية أطلقت على يوم 30 حزيران اسم «يوم السيادة الوطني»، وأعلنته عطلة رسمية. وهي تنظر إلى الانسحاب الأميركي من المدن كعلامة فارقة على طريق البلاد نحو «السيادة» بناء على المعاهدة الامنية الموقعة مع اميركا والتي تنص على الانسحاب التام من العراق في العام 2011. وصدحت الأغاني الوطنية من نقاط التفتيش التي أقامها الجيش والشرطة في بغداد، وسط استعراض الجنود، الذين هتفوا «النصر»، خلال تجوالهم بعرباتهم التي زينت بالأعلام العراقية والورود. كما نظمت القوات عرضاً في بعقوبة لإظهار قدرتها على حفظ الأمن والنظام. وتخطط الحكومة العراقية لإقامة حفل ضخم في حديقة الزوراء اليوم.
وتضاربت ردود الفعل الشعبية، بين من عبر عن فرحه وثقته بقدرة قوات الأمن العراقية على حفظ الأمن، وبين من تخوف من إمكانية استفادة المسلحين من عملية الانسحاب لرفع وتيرة الهجمات والتفجيرات. وفي تذكير بالوضع الأمني الهش، قتل 10 عراقيين، بينهم 6 من قوات الأمن، بانفجار سيارة مفخخة كانوا يحاولون تفكيكها في منطقة الحمدانية في الموصل.
وبرغم وصف 30 حزيران بأنه «يوم السيادة الوطني»، فان عدداً من المدربين والمستشارين الأميركيين سيبقون داخل المدن بحجة مساعدة القوات العراقية وتدريبها. وأعلن قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال ديفيد بتراوس انه ستظل هناك مراكز تنسيق عسكرية أميركية - عراقية داخل بغداد والموصل والبصرة، حيث سيتم تقاسم معلومات الاستخبارات والرد على أي طلب عراقي من اجل المساعدة.
ويقول مسؤولون عسكريون أميركيون إن لديهم خططاً ستسمح لهم بإعادة الانتشار إذا طلبت بغداد مساعدتهم. كما تم تعريف قواعدهم الرئيسية في المحافظات الشمالية التي ما زالت أعمال العنف منتشرة بها بأنها «ريفية» حتى يتسنى لهم الاحتفاظ بها. وستبقى هذه القوات في قاعدتين ضخمتين قرب مطار بغداد، وتم تصنيفهما أنهما لا ترتبطان بالمدينة. واعلن الجيش الاميركي مقتل جندي امس الاول في بغداد.
وأعلن السفير الأميركي لدى العراق ريان كروكر لـ«اسوشييتد برس» أن واشنطن لا تخطط لإعادة التفاوض مع طهران حول أمن العراق حالياً. وكانت واشنطن وطهران عقدتا عدداً من الاجتماعات حول امن العراق. واعتبر كروكر أن إيران لا تزال تحاول بذل «تأثير حقود» على بغداد، مشيرا إلى أن ما يحتاجه العراق وإيران هو علاقات جيدة بينهما لكن «لا توجد للولايات المتحدة مصلحة في التفاوض مع إيران حول مستقبل العراق».
وحاول رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي يريد الظهور بأنه من «هزم تنظيم القاعدة» و«حرر» العراق من قوات الاحتلال، قبل الانتخابات البرلمانية في كانون الثاني المقبل، الاستفادة مجدداً من عملية الانسحاب، مكررا دعوته إلى «محاربة الفساد السياسي والإداري والمالي».
وترأس المالكي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، اجتماعا أمس لخلية الأزمة، ضم كبار الضباط في وزارتي الدفاع والداخلية. وقال «لقد استهدف الإرهابيون وحدة العراق وشعبه، وهم يحاولون إعادة الطائفية من جديد من خلال القيام بعملية إرهابية واستهداف هذه الطائفة أو تلك، لكننا بحمد الله نؤكد أن الطائفية انتهت ولن تعود».
وأضاف «اليوم بدأت السيادة، والجانب الأميركي ملتزم بالاتفاقية (المعاهدة الاستراتيجية)، وعلينا أن ننطلق بعد تثبيت السيادة إلى الاعمار وبناء دولة عصرية وننعم بالأمن الذي تحقق، وان نحارب الفساد الإداري والمالي الذي هو من مخلفات النظام المباد، ونستمر في مواجهته، وان نواجه الفساد السياسي لأنه أخطر أنواع الفساد».
وتسلمت القوات العراقية مسؤولية آخر موقع للقوات الأميركية في بغداد، وهو مقر وزارة الدفاع القديمة وسط العاصمة. وقال قائد عمليات بغداد الفريق الأول عبود قنبر، خلال تسلمه مفتاحا ذهبيا رمزيا من قائد فرقة الفرسان الأميركي الجنرال دانيال بولغر، «هذا الموقع هو المعسكر الأخير الذي كانت تشغله القوات الأميركية في بغداد».
وأضاف قنبر أن «المبنى يعد احد رموز السيادة الوطنية لأبناء العراق». وأوضح «اعددنا خططا لهذا اليوم، وسنضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه زعزعة الأمن».
بدوره، قال الجنرال بولغر «اليوم يتسلم شركاؤنا العراقيون هذا المكان التاريخي وسيعملون على حفظ امن مواطني بغداد». وأضاف أن «معظم الأميركيين سينسحبون خارج المدن، لكن مهمتنا ستستمر بدعم القوات في حال طلبت ذلك»، مؤكدا «الإبقاء على عدد قليل من الجنود في مناطق متفرقة من بغداد». وتابع «القوات العراقية والأميركية حاربت جنبا إلى جنب للحفاظ على امن المدينة، ومن الآن سيكون العراقيون مسؤولين عند امن بغداد وسيقومون بالواجب بشجاعة».
في هذا الوقت، تفاعل موضوع دستور إقليم كردستان شمالي العراق، الذي يدعو إلى دمج كركوك ومناطق عراقية أخرى متنازع عليها بالإقليم. ووقع 50 نائبا من السنة والشيعة والتركمان على بيان يرفضون فيه هذا الدستور، معتبرين انه «يتعارض مع دستور البلاد» و«يعمل على تمزيقها». وحذروا من مخاطر إقليمية قد يسببها دستور إقليم كردستان كونه يحوي «الكثير من الاستفزاز لدول الجوار العراقي بدعوة لبناء دولة كردستان الكبرى».
من جانبه، قال رئيس مجلس النواب إياد السامرائي إن «أي دستور لأي إقليم يجب أن يكون منسجماً مع الدستور العراقي»، مضيفا «الأولوية للدستور العراقي».
كما تسود مخاوف لدى عرب وتركمان كركوك من بسط القوى الكردية سيطرتها على المدينة بعد خروج قوات الاحتلال. وطالب رئيس «كتلة القائمة العربية» في محافظة كركوك محمد خليل الجبوري وعضو المجموعة التركمانية تركان شكر أيوب «الحكومة العراقية تعزيز القوات الموجودة في محافظة كركوك عند انسحاب القوات الأميركية من المدن».
المصدر: وكالات
إقرأ أيضاً:
إضافة تعليق جديد