البرلمان التركي يقر العملية العسكرية ضد العمال الكردستاني
أقر البرلمان التركي، وبأغلبية ساحقة، مذكرة الحكومة للقيام بعملية عسكرية في شمال العراق ضد مسلّحي حزب العمال الكردستاني، فاتحا بذلك مرحلة جديدة من التوتر الذي استجد بعد عملية شيرناق التي سقط فيها 13 جنديا تركيا.
وقد أيد مذكرة الحكومة 507 نواب من بين ,549 وعارضها 19 من نواب حزب المجتمع الديموقراطي الكردي. ونقلت جلسة مناقشة المذكرة مباشرة على الهواء، رغم مطالبة بعض النواب جعلها سرية للاطلاع على جوانب من المعطيات التي تحكم سياسة الحكومة في المرحلة الراهنة. غير أن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان رفض ذلك بقوله انه ليس من شيء نخفيه على الأمة ومن حقها أن تعرف كل شيء.
لكن أردوغان أراد بعلنية الجلسة توجيه الرسائل التالية:
1 ـ رسالة الى العالم بأن تركيا تقف موحدة خلف قرار الحكومة بالتصدي للخطر الذي يمثله حزب العمال الكردستاني. وبهذا التصويت شبه الجماعي، وتأييد أحزاب اليسار العلماني والقوميين، نجح أردوغان في هدفه، وهذا سيكون بالتأكيد ورقة قوية في يده خلال لقائه مع الرئيس الأميركي جورج بوش الذي تقرر في الخامس من تشرين الثاني المقبل.
2 ـ عزل نواب حزب المجتمع الديموقراطي (الكردي) الاثنين والعشرين والذين صوت 19 منهم ضد مذكرة الحكومة، وتشديد الضغوط عليهم وإظهارهم وكأنهم يبيحون هدر الدم التركي. وهذا مؤشر لإمكانية فتح دعوى ضد الحزب تمهيدا لحظره. وكان رئيس كتلة الحزب البرلمانية أحمد تورك قال ان العملية العسكرية التركية لن تحل المشكلة وهي ستورط تركيا في المستنقع الشرق أوسطي.
3 ـ جعل الجلسة علنية كان مقصودا من جانب قيادة حزب العدالة والتنمية لمنع تقاعس أي من نوابه ومعارضة المذكرة. اذ سيكون موقف النائب علنيا ويصاب بالحرج تجاه الشعب. وقد شدد أردوغان على حضور الجميع وتأييد المذكرة، ولا سيما بعد ظهور شائعات عن تململ نواب الحزب من أصل كردي لما سيكون للتوتير العسكري من تأثير سلبي على الوضع في مناطق الجنوب الشرقي الكردية التي انتخبوا عنها. وعلى ما يبدو، فقد حصلت بعض الخروقات داخل حزب العدالة والتنمية لكنها بقيت محدودة.
4 ـ كما ان علنية الجلسة تحول دون عرض أي معلومات سرية يرى حزب الحركة القومية انه لا معنى لها (سرية الجلسة) بوجود نواب حزب المجتمع الديموقراطي المتهمين بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني.
وعقب التصويت على القرار، أكد رئيس «برلمان» إقليم كردستان العراق عدنان المفتي، أن تركيا تريد استهداف التجربة الكردية في الإقليم من خلال عملية التوغل المحتملة، مشيرا الى أن أي «اجتياح تركي لإقليم كردستان سيعرض المنطقة الى مخاطر كبيرة، منها الأعداء الذين يتربصون بالعراق». كما قال المتحدث باسم «حكومة» الإقليم جمال عبد الله «نحن مستاؤون من موقف البرلمان التركي، ومع انه برلمان دولة اخرى ومستقل ويتمتع بالأسس الديموقراطية، ولكن لم نكن نعتقد ان يكون هذا موقفه».
وكان الرئيس العراقي جلال الطالباني حث تركيا على عدم شن هجوم، قائلا ان الحكومة في بغداد مستعدة للعمل مع أنقرة وواشنطن لحل المشكلة. كما قال نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الموجود في تركيا، انه أقنع أنقرة بالسعي الى حل دبلوماسي للأزمة، فيما أكد مكتب أردوغان أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لم يقترح عملية عسكرية عراقية تركية مشتركة.
ويحمل قرار البرلمان التركي أكثر من دلالة. فهو يعني أن الإجراءات الدستورية الداخلية قد استكملت، وان الكرة أصبحت بالكامل في ملعب القرار السياسي لرئيس الحكومة والقرار العسكري لرئاسة الأركان، وهو ما يحمّل أردوغان تحديدا مسؤولية كل التطورات التي ستحدث.
وبما أن الاتفاق الأمني بين تركيا والعراق لم يمنح تركيا حق دخول الأراضي العراقية من دون إذن بغداد، فإن دخول القوات التركية العراق يعني «الحرب» من جانب أنقرة. وما قد ينذر بمخاطر إضافية، أن قرار البرلمان يتحدث عن إرسال قوات تركية الى «شمال العراق» و«ما يجاورها» وهو مصطلح فضفاض يتيح مناورة واسعة لأنقرة في أكثر من اتجاه جغرافي.
ماذا بعد إقرار البرلمان مذكرة الحكومة وهي الثالثة منذ آذار 2003؟ وهل تشهد مصير سابقاتها لجهة عدم تطبيقها أو منع تركيا من تطبيقها؟
من الواضح أولا أنه لا عملية عسكرية كبيرة قبل حدثين، الأول لقاء بوش أردوغان، والثاني مصير التصويت على قرار «الإبادة» الأرمنية في مجلس النواب الأميركي في منتصف الشهر المقبل، والذي بدأت مؤشرات على إمكانية عدم مروره في الكونغرس، وهو ما ألمحت اليه امس رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي. وفي انتظار هذين الموعدين، فإن الضغوط التركية ستزداد، خصوصا في ظل استمرار الولايات المتحدة وأكراد العراق وحكومة بغداد في موقفها السلبي من المطالب التركية.
لقد وصل أردوغان الى مرحلة لا يمكن أن يتراجع فيها عن غزو عســكري لشمال العراق، إلا باتخاذ إجراء حاسم ضد وجود عــناصر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، أو على الأقل شل تحركه متزامنا مع تراجع الكونغرس عن احتمال إقرار مشروع «الإبادة»، الذي بات يهدد استخدام القوات الأميركية لقاعدة إنجيرليك التركية، والتي أعلن الاحتلال الأميركي في العراق امس، أن قادة الجيش يدرسون البدائل المتاحة في حال قررت أنقرة بالفعل منع الولايات المتحدة من استخدامها.
ونجحت تركيا في كسب دعم قوي جدا من الرئيس بشار الأسد الذي أعلن تأييده للتحرك التركي ضد حزب العمال الكردستاني في موقف مفاجئ نسبيا، لكنه يعبّر عن مزاج متصاعد لدى شعوب المنطقة مستاء وغاضب من السياسات الأميركية الدموية والتفتيتية والتي لا تراعي مصالح قوى أساسية فيه، من تركيا الى سوريا وايران، الى الشعب العراقي نفسه (اذا استثنينا الموقف الكردي).
وتعليقاً على موقف الأسد، قال الطالباني في باريس «لم أطلع على هذا التصريح ولكن لو صح هذا التصريح، فأنا أعرب عن أسفي الشديد لذلك الموقف المتناقض مع الوعد الذي سمعته مع الأخ بشار الأسد باحترامه لاستقلال ووحدة وسيادة العراق».
تزداد الضغوط «المشرقية» على الولايات المتحدة مع إعلان التحالف بين موسكو وطهران في اثر زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى ايران. وهذه كلها عوامل تصب في خدمة الأهداف التركية في هذه المرحلة والتي تفترض أن تشهد اتخاذ واشنطن مواقف تراجعية تجاه تركيا في الشأنين الكردي والأرمني.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد