التدخل الخارجي بين القانون والسياسة
"لا للتدخل الخارجي" قد يكون من أكثر الشعارات انتشاراً بين المواطنين السوريين في ظل الأزمة الراهنة التي تمر بها بلادنا منذ عدة أشهر، هذه الأزمة التي أثارت مخاوف حقيقية لدى قطاعات واسعة من المواطنين بوجود نية لدى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية فرنسا وبريطانيا باسغلال تفاعلات الأزمة وتداعياتها، بغية التدخل في الشؤون الداخلية السورية، الأمر الذي يعرف السوريون حجم المخاطر والأضرار الجسيمة سواء على صعيد السيادة أو صعيد وحدة الأراضي واستقلال القرار السياسي، التي قد تترتب عليها خاصة وأن نموذج العراق وليبيا ولبنان والسودان ما زالت ما ثلة أمام أعينهم.
ورغم أن السوريين، موالاة ومعارضة، يتفقون على رفع الشعار الرافض للتدخل الأجنبي، إلا أنهم، على ما يبدو، وعلى ما تشير إليه الوقائع والتصريحات الصادرة خصوصاً من أطراف المعارضة، غير متفقين على مفهوم التدخل الخارجي وما هي الإجراءات التي تعتبر من قبيل التدخل وتلك التي لا تعتبر كذلك. لذلك وجدت من الضروري تسليط الضوء على مفهوم التدخل الخارجي قانونياً وسياسياً والتطورات التي لحقت به خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة.
قانونياً، كان التدخل الخارجي يعرَّف على أنه: سلوك غير قانوني موجه لانتهاك سيادة الدول نظرا لتعارضه مع المادة 2 الفقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة)). والفقرة المشار إليها تنص على أنه: ((يمتنع أعضاء هيئة (الأمم المتحدة) جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة")). ويأتي على رأس هذه المقاصد إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب.
ورغم أن التعريف واضح، إلا أن محكمة العدل الدولية قالت أن: ((عنصر الإكراه هو أساس تعريف التدخل المحظور، خاصة إذا تم فيه استعمال القـوة)). ووفق رأي هذه المحكمة الذي يوافقه بعض الفقهاء، فإن الامتناع عن الاعتراف الدبلوماسي بحكومة ما، أو الاحتجاج على فعل خاطئ، أو قطع العلاقات الدبلوماسية أو مقاطعة منتجاتها، لا يمكن اعتباره من قبيل التدخل الخارجي، إذ لا يمكن اعتبار السلوك تدخلا إلا إذا كان عنصر الإكراه فيه بارزا، فكل استعمال أو تهديد باستعمال القوة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى سواء بطريقة مباشرة أو بدعم جماعة انفصالية أو إرهابية يعتبر تدخلا وفقا للقانون الدولي.
وينبغي ملاحظة أن التركيز على عامل الإكراه في تعريف التدخل، يفتح المجال أمام آلياته الأخرى، مثل الدعاية الإعلامية التي قد يكون لها تأثير أكبر من الإكراه، فقد تقوم دولة بتحريك فئات عرقية أو طائفية في دولة أخرى عن طريق الدعاية، والتي أصبحت آلية حساسة في عصر العولمة.
ثم طرأ تطور هام، حيث حاول البعض التمييز بين التدخل الشرعي والتدخل غير الشرعي، والقول أن التدخل غير الشرعي وحده المحظور في ميثاق الأمم المتحدة، أما الثاني فإنه قد يكون وسيلة من وسائل حماية الشرعية الدولية وهو ما اصطلح على تسميته بالتدخل الإنساني.
أما التعريف السياسي للتدخل الخارجي، فهو: ((هو سلوك إكراهي تقوم به دولة اتجاه دول أخرى لتفرض عليها إتباع سياسة غير التي كانت تتبعها))، أو " إن السعي لتغيير البنايات السياسية الداخلية للدولة المستهدفة هو أساس أي تدخل الخارجي)).
و التأثير على البنايات السياسية للدولة المستهدفة قد يكون:
- إما بتغيير الوضع القائم داخل الدولة من خلال دعم القوى المناهضة أو الانفصالية.
- أو بالحفاظ على الوضع القائم من خلال دعم الحكومة القائمة.
- هذا وقد يقتصر هدف الدولة المتدخلة على تغيير سلوك النظام السياسي وليس النظام في حد ذاتـه.
ويضيف البعض إلى التعريف، الوسيلة التي يتم بها التدخل، حيث يعرف "بأنه سلوك يتضمن نشاطات اقتصادية وعسكرية موجهة نحو الشؤون الداخلية لدولة أخرى تستهدف البنايات السياسية تسعى إلى التأثير على موازين القوى بين الحكومة و قوى المعارضة "، وهو تعريف أقرب للتدخل الخارجي الغير مباشر الذي يتم بدعم القوى المعارضة.
انطلاقا من التعاريف السابقة نستنتـج:
1- أن الأصل في التدخل الخارجي أنه سلوك غير قانوني يهدد الأمن و الاستقرار الدولي لذلك يعتبر مبدأ عدم التدخل هو القاعدة ، و التدخل الشرعي هو الاستثناء؛
2 - أنه يتضمن العنصر الإكراهي ، حيث يتم من دون رضا الدولة المستهدفة وبالتالي لا يشمل هذا التعريف تدخلات هيئة الأمم المتحدة ، و التدخلات بالدعوة.
3 - أنه سلوك موجه أساسا نحو الشؤون الداخلية لدول أخرى معترف بحدودها؛
4 - أنه يستهدف إحداث تغيير داخلي في البني السياسية للدولة ، سواء بالحفاظ على الوضع القائم أو بتغييره؛
5 - أنه سلوك تقوم به الدول ، و ذلك ليس نفيا لدور الفواعل الأخرى ( كالمنظمات الدولية…) بل لأنها الفاعل الأكثر تأثيرا ، فرغم كثرة الفواعل السياسية لازالت الدول تتصدر العلاقات الدولية المعاصرة؛
6 - أنه وسيلة من وسائل تحقيق أهداف السياسة الخارجية ؛ و في هذا الإطار يقول هانس مورغانتو أنه "رغم كونه قديم و وسيلة مهمة من وسائل السياسة الخارجية على غرار الدبلوماسية و الحرب ، لم يستقطب التدخل نفس الاهتمام من طرف دارسي العلاقات الدولية بالمقارنة مع الوسائل الأخرى ".
استنادا إلى هذه المعايير يمكننا التوصل إلى التعريف التالـي :
" التدخل الخارجي هو السلوك الذي تقوم به الدول في الشؤون الداخلية لدولة أخرى بلا دعوة منها ، تهدف من خلاله سواء لقلب الوضع الداخلي السائد (وعادة بدعم الجماعات الانفصالية) أو الحفاظ عليه (بدعم الحكومة القائمة ) سعيا لتحقيق مصالحها وقد يتخذ شكلا مباشرا ، أو غير مباشر ، غالبا ما يؤدي إلى إثارة النزاعات الداخلية أو المساهمة في تصعيدها و استمرارها ".
الجمل:إعداد عبدالله علي
إضافة تعليق جديد