التسوية الفلسطينية في غرفة الإنعاش الأميركية،لقاءات ثلاثية متواصلة لمنع انهيار المفاوضات
برغم ما بدا من أزمة شديدة في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، إلا أنّ الإصرار الأميركي ورغبة الطرفين في عدم تفجير الوضع، وضعا المفاوضات على مسار مكثف. وخلال يومين عقد اجتماعان للفريقين المفاوضين بحضور أميركي واضح وبهدف إيجاد مخارج، في ظل تقديرات متضاربة عما جرى فيهما. وفيما أشارت مصادر أميركية إلى أن المفاوضات في اللقاء الأول كانت "بناءة"، تحدثت مصادر فلسطينية عن أن أي تغيير لم يحدث. وفي هذه الأثناء تتحول المفاوضات إلى موضوع انتخابي في الحلبة الإسرائيلية يهدد بتفكك الحكومة في ظل تشابك المواقف بين قوى في الائتلاف والمعارضة.
فبعد أسبوع طافح بتبادل الاتهامات بل وبالتهديدات المتبادلة بترك العملية السياسية، عاد الإسرائيليون والفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات وكأن شيئا لم يكن. وكان لقاء مساء أمس الأول الثاني خلال أسبوع بعد ذلك اللقاء الذي أطلقت فيه التهديدات العالية بمحاصرة السلطة وملاحقة إسرائيل كمجرم حرب في الحلبات الدولية.
ويظهر من تجاوب الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني مع المسعى الأميركي لاستمرار المفاوضات ومنع انهيارها أن الجميع يبحث عن "صيغة جديدة" لذلك. وبعد اجتماع عقد مساء الأحد في القدس الشرقية عاد الطرفان للاجتماع هناك مجددا أمس، بهدف تحقيق اختراق ووضع المفاوضات على سكة جديدة. ومن الجلي للأميركيين أن صيغة البحث عن اتفاق إطار لم تعد مجدية وأنها تقود إلى إشكالات كبيرة. وأشارت صحيفة "يديعوت" إلى أنه في أجواء ملبدة بالتشاؤم، وعلى خلفية تبادل الاتهامات من الطرفين، التقى أمس الأول رئيسا الفريقين المفاوضين الإسرائيلي والفلسطيني، تسيبي ليفني وصائب عريقات، والمبعوث الأميركي إينديك. وقالت الصحيفة إنّ ليفني وعريقات خرجا من اللقاء ليصفاه بـ"الجدي والجيد".
وكانت مصادر فلسطينية قد أكدت أن جلسة أمس الأول "لم تحدث تقدما" وأن إسرائيل واصلت أسلوب التهديد والوعيد، ومع ذلك، تم الاتفاق على لقاء آخر عقد ليلة أمس. ودعت إسرائيل الفلسطينيين إلى التراجع عن قرارهم الانضمام للمعاهدات الدولية. لكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بيساكي أعلنت أن اللقاء كان "مفيدا وجديا" وأن الطرفين طلبا من المبعوث الأميركي مارتين إينديك ترتيب لقاء ثان لمواصلة المباحثات.
وكانت علامات اليأس الأميركية من المفاوضات قد طفت على السطح، الأمر الذي حدا حتى بوزير الخارجية جون كيري للقول، بحسب مصدر إسرائيلي، إنّ "المفاوضات كما كانت قبل أسابيع لم تعد ذات صلة". وكثرت الأحاديث عن برودة في التعاطي الأميركي مع الاتصالات على قاعدة أن الإدارة لن تكون أكثر ملكية من الملك.
وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلورت سلسلة من العقوبات التي يمكن فرضها على الفلسطينيين بما فيها إلغاء الإذن بتوسيع نشاط الشركة الخلوية الفلسطينية إلى قطاع غزة وتجميد 19 خطة بناء في منطقة "ج" التي تقع تحت سيطرة إسرائيل. كما أن وزير شؤون الاستخبارات يوفال شتاينتس قال إن "السلطة الفلسطينية موجودة بفضلنا. لولا الأمن الذي نوفره لهم لكانت حماس والجهاد الإسلامي أسقطتا (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن وسيطرتا على رام الله".
وفي كل حال، فإنّ المفاوضات وطريقة التعامل معها أدخلتا الساحة السياسية في جلبة جعلت استقرار الحكومة الإسرائيلية مسألة على جدول الأعمال مع إعلان وزير الخارجية افيغدور ليبرمان أنه يفضل التوجه إلى الانتخابات على تحرير معتقلين، وفي ضوء دعوة رئيس الائتلاف المعارض اسحق هرتسوغ إلى تشكيل حكومة جديدة من اليسار والأصوليين من دون التوجه إلى انتخابات جديدة.
وكان ليبرمان قد أعلن أمس الأول، في ندوة عقدتها صحيفة "جيروزاليم بوست" في نيويورك، أن "ما فعله الفلسطينيون بالخطوة أحادية الجانب هو خطوة ابتزاز بالتهديد. بعد خطوة دراماتيكية وأحادية الجانب كهذه، لا يمكن العودة إلى صفقة الرزمة التي تحققت مع الفلسطينيين وكأن شيئا لم يكن وتحرير مئات المخربين". وعلى حد قوله، فإنّ "إسرائيل مستعدة لان تواصل المفاوضات وتبحث في كل المسائل، في كل زمان وفي كل مكان في العالم، ولكن الاقتراح السابق لم يعد أمرا ذا صلة".
وأضاف ليبرمان انه توجد اليوم ثلاثة خيارات أمام الساحة السياسية في إسرائيل: "أولها، الاستجابة لتهديدات الفلسطينيين والمرور على ذلك مرور الكرام وتحرير مئات المخربين. الثاني هو تغيير تركيبة الائتلاف. أما الخيار الثالث فهو التوجه إلى الانتخابات. الخياران الأولان غير مقبولين من إسرائيل بيتنا، وإذا كان الخيار هو بين الاستسلام للفلسطينيين وبين دفع مبالغ طائلة على صيانة ائتلاف بديل، فمن الأفضل التوجه إلى الانتخابات".
من جانبه، أعلن زعيم حزب العمل ورئيس المعارضة اسحق هرتسوغ أن بالوسع إنشاء "تحالف للسلام" في الكنيست الحالية يجمع بين الأصوليين و"هناك مستقبل" و"حركة" تسيبي ليفني وحزب العمل و"ميرتس" وبدعم من العرب. ولكن هذا الائتلاف المستحيل لم يمنع هرتسوغ من التأكيد أن نتنياهو لا يمكنه إدارة مفاوضات وهو يحتضن وزير الإسكان أوري أرييل في حكومته. وأشار إلى أنه إذا لم يكن ذلك ممكنا، فمن الأفضل التوجه نحو انتخابات جديدة، ولذلك ينبغي لتومي لبيد وتسيبي ليفني استنتاج اللازم والانسحاب من الائتلاف الحاكم.
ومع ذلك، لا أحد يراهن بشكل جدي على أن يسقط الائتلاف الحالي بسبب المفاوضات. فحزب "هناك مستقبل" هو في الجوهر يميني الوجهة ويصعب عليه الظهور وكأنه يقف ضد اليمين إلى جانب اليسار. وكذلك حال تسيبي ليفني التي هي أقرب إلى دولاب احتياطي سادس في عربة الحكومة وليست مهمة في تركيبتها. ويرى مراقبون أنه في الواقع لا مصلحة لأحد في الائتلاف في اهتزاز حكومة نتنياهو، لأنه لا مصلحة للقوى الأساسية في الذهاب إلى الانتخابات حاليا. ومعروف أن الكنيست شرعت أمس بمناقشة أزمة المفاوضات مع الفلسطينيين، لكن الحصيلة النهائية ستكون في الغالب لمصلحة الحكومة وسياستها.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد