الجيش اللبناني يتقدم في قلب "البارد " وامتعاض امريكي من دعوة فرنسا
امتدت السخونة من «البارد» الى «الداخل»، وتمكن الجيش اللبناني، أمس، من تحقيق خطوات متقدمة عسكرياً في إطار مواجهته المفتوحة مع مجموعة «فتح الاسلام»، لكن بدل ملاقاتها سياسياً بصياغات وطنية استثنائية، بدا أن كل ما تبذله المؤسسة العسكرية من تضحيات، مهددة بالضياع، سواء بـ«فضل» العقل الانتقامي لناظر القرار الدولي 1559 تيري رود لارسن عبر محاولته توسيع نطاق معركة الجيش «شرقاً» وضم قوى فلسطينية جديدة اليها، أو بفعل الارباك الذي استمر يحيط بموقف قوى الموالاة من المسعى السعودي الجديد، حتى ان السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان وجد نفسه مضطراً لمصارحة بعض من التقاهم في السفارة الأميركية بموضوع التردد الأكثري.
وفي موازاة ذلك، ظهرت إشارات امتعاض أميركي من الدعوة الفرنسية الى لقاء باريس، بحيث لم يتم تنسيقها بين الجانبين، مثلما أوحت بعض الأجواء أيضا بأن الرياض لم تكن في جو الدعوة الفرنسية، وأن هناك خشية من حدوث تعارض بين مساعيها وبين موعد اللقاء في العاصمة الفرنسية، علماً أن مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية قالت لـ«السفير» إن موفد وزير الخارجية الفرنسي السفير جان كلود كوسران الذي عاد الى باريس، أمس، ينوي التوجه الى كل من دمشق وطهران، للقاء كبار المسؤولين فيهما، وذلك قبيل موعد لقاء باريس «وربما قبل موعد القمة السعودية الفرنسية المقررة في العاصمة الفرنسية في الحادي والعشرين من الجاري».
وقالت المصادر نفسها إن الادارة الجديدة في وزارة الخارجية استدعت السفير الفرنسي برنار ايمييه (رافق كوسران، أمس، في طريق عودته الى باريس من بيروت) من أجل التشاور معه في كيفية التعبير عما أسمته «الموقف الفرنسي الجديد»، وذلك بانتظار بدء مهام السفير الفرنسي الجديد بعد انتهاء ولاية الرئيس اللبناني الحالي اميل لحود.
وفيما قالت أوساط رئيس الجمهورية اميل لحود إنه لن ينتظر حتى موعد الاستحقاق الرئاسي من أجل اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة، توقعت أوساط قيادية في المعارضة أن يصدر موقف عن المعارضة يعلن إقفال الأبواب أمام أية مساع للتسوية الداخلية اعتباراً من الأول من تموز، على أن تبادر المعارضة الى إبلاغ رئيس الجمهورية بذلك «لكي يبني على الشيء مقتضاه».
على صعيد موقف الأكثرية، كان اللافت للانتباه، ما كشفته مصادر متابعة من أن السفير السعودي عبد العزيز خوجة ألح على قيادة قوى الأكثرية لعقد اجتماع وإصدار بيان تعلن فيه موقفاً مرناً وإيجابياً من موضوع التوسيع الحكومي، وأضافت أن مشاورات جرت بين قوى الأكثرية، كان أبرزها الاجتماع الذي عقد بعيداً عن الأضواء ليل أمس في قريطم وشارك فيه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وذلك من أجل حلحلة بعض العقد ولا سيما المتصلة بموقف النائب وليد جنبلاط، الذي حاول إقناع قوى الأكثرية بأن يؤجل موضوع الحكومة الى ما بعد جلاء الصورة في مخيم نهر البارد.
ولعلّ الموقف الذي أبلغه النائب غطاس خوري لقناة «المنار» جاء معبراً عن مزاج جنبلاط أكثر مما كان معبراً عن موقف النائب سعد الحريري حيث أعلن أن «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، مؤكداً أن النقاش حول التعديل الحكومي مؤجل إلى حين حسم معركة نهر البارد «لان معركة البارد هي معركة مصير الوطن».
وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن لقاء باريس سيكون مفتوحاً أمام «الاطراف السياسية الممثلة في البرلمان اللبناني» و«ممثلين عن المجتمع المدني». وقال المتحدث باسم الوزراة جان باتيست ماتيي «إننا في مرحلة تشاور»، وان الاجتماع غير الرسمي «لا يهدف الى حسم المسائل الاكثر حساسية من الناحية السياسية». يذكر أن «حزب الله» أبلغ كوسران موافقته على المشاركة في اللقاء.
الى ذلك، شهد اليوم الرابع والعشرين من معارك مخيم نهر البارد تطورين بارزين:
الأول، تمثّل باتخاذ المعارك منحى ميدانياً مختلفاً عن كل الأيام السابقة، بحيث تم اعتماد تكتيكات قتالية جديدة، (المغاوير والمجوقل بالتناغم مع فتح محور الواجهة البحرية الخلفية)، وصح القول في يوم الثلاثاء بأنه كان «يوم المدافع» التي لم تهدأ، والتي أفسحت أمام اختراقات نوعية رفعت معنويات العسكريين بحيث تمكن الجيش من الإمساك بجميع محاور المخيم البرية والبحرية التي أصبحت بكاملها تحت السيطرة النارية للجيش اللبناني.
أما التطور الثاني، فتمثّل باستهداف «المعبر الآمن» في المدخل الجنوبي للمخيم مما تسبب بإقفاله فترة طويلة نهار أمس وللمرة الأولى منذ عشرين يوماً عندما تم اعتماد هذا المدخل لإدخال المؤن والمساعدات الإنسانية والطبية إلى المخيم وكذلك لإجلاء أكثر من عشرين ألفاً من سكان المخيم، إلا أن ذلك لم يمنع نحو مئتي شخص من المخاطرة بالخروج هرباً من جحيم المعارك.
وقالت مصادر عسكرية لبنانية بارزة إن الجيش تمكن بعد ظهر امس، من الإمساك بمبنى «النورس» وأكمل باتجاه «الوحش» ودخلت إحدى مجموعاته ملعب كرة القدم في المخيم والذي كان يعتبر معسكر تدريب لعناصر «فتح الاسلام»، وبذلك أصبح العسكريون على بعد مئات الأمتار من مبنى «صامد» ومسجد القدس، وصار معظم مقاتلي «فتح الاسلام» محصورين في حي المدارس قرب مركز «الاونروا».
وكشف شهود عيان في المخيم «أن عناصر فتح الإسلام عملوا على مدى اليومين الماضيين على استحداث تحصينات قريبة من الشاطئ وأخرى على الطرقات والمفارق التي تؤدي إلى المخيم القديم». في حين أوضح عدد من الذين تمكنوا من الخروج بعد الظهر برغم ما تعرّض له المدخل الجنوبي «أن عناصر الحركة اتخذوا تدابير أمنية لم تكن معهودة في السابق، حيث يحرصون على التحرك في فترات الليل ويختفون بشكل كامل في النهار». ولم يستبعد الشهود أن يكون عناصر الحركة قد قرروا اتباع تكتيك جديد في قتالهم بوجه الجيش اللبناني.
ولم يتمكن وفد رابطة علماء فلسطين من متابعة ما أنجزه أمس الأول الشيخ محمد الحاج في لقائه مع عدد من قيادات «فتح الإسلام» ومن أبرزهم شاهين شاهين، وذلك بسبب التطورات الميدانية المتسارعة.
وكان الحاج قد نجح «في تحريك الجمود الذي كان موجوداً عند قيادات «فتح الإسلام»، وفتح باب الحوار والنقاش الذي شمل مسائل عدة لم يتم التطرق إليها سابقاً»، على حد تعبيره. وعلم أنه تم التوافق بين الحاج وشاهين على نقطتين من خمس نقاط مطروحة، وأن النقاط الباقية مترابطة ببعضها، وحلّ أي منها يفتح الباب أمام حلّ باقي النقاط.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد