الجيش يلتزم في الكاستيلو وخلاف حول تصنيف إرهابيي«أحرار الشام»
أنجز الجيش السوري ما عليه في اتفاق حلب، انسحب من نقطة الكاستيلو ونقطتين أخريين «ليسلم بذلك المعبر المتفق عليه لإدخال مساعدات إلى أحياء حلب الشرقية إلى الحليف الروسي»، بحسب ما أكد مصدر عسكري سوري.
خطوة الجيش لم تكن كافية للأمم المتحدة كي تسمح لقوافل المساعدات بدخول المدينة مباشرة، بل احتاجت ساعات من المباحثات التي رافقتها تصريحات واتهامات متبادلة بين دمشق والامم المتحدة، فاعتبرت الاخيرة أن الحكومة السورية تماطل في إعطاء التصاريح التي تسمح لقوافل المساعدات بالوصول إلى مقصدها، في وقت ارتفعت النبرة الروسية المشككة في التزام واشنطن بما عليها من الاتفاق، خاصة في ظل استمرار «أحرار الشام» بخرق الهدنة، وعدم انسحاب الفصائل المسلحة من محيط الكاستيلو.
التفاصيل المتأخرة لضبط إيقاع الاتفاق وضمان مراقبة مضمون المساعدات إلى مسلحي حلب كانت النقطة الشائكة التي سعت موسكو إلى ضبطها، في وقت كانت 20 شاحنة مساعدات تعبر الحدود التركية إلى الأراضي السورية، وانتظرت ساعات عدة حتى اتفاق الأطراف على هذه التفاصيل.
إصرار دمشق على مطلبها في تلقي ضمانات ومراقبة المساعدات قوبل بتصريحات عالية النبرة من المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، إذ اتهم الحكومة السورية بعرقلة وصول قوافل المساعدات إلى مقصدها بعدما امتنعت عن تقديم التصاريح اللازمة لذلك، معتبرا أن «المساعدات الموجهة الى أحياء شرق حلب لا تحتاج الى تصاريح عبور من الحكومة السورية لأنها تتمتع بوضع خاص بموجب الاتفاق الروسي الاميركي».
بدورها، رفضت دمشق كلام دي ميستورا وأصرت على ضمان نوعية المساعدات وعدم السماح بإدخال مواد من دون مراقبة، وهو ما أكد عليه مستشار الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة يان إيغلاند، بالقول: «سبب عدم وجودنا في شرق حلب هو النقاشات الصعبة والتفصيلية للغاية بشأن المراقبة الأمنية وعبور الحواجز التابعة لكل من المعارضة والحكومة.»
تفاصيل أخرى دخلت حيز النقاش الدقيق، وهي تمثلت بتعهدات واشنطن بعزل المسلحين «المعتدلين» عن الفصائل «الجهادية»، حيث تشكل «حركة أحرار الشام» نقطة مفصلية بسبب إصرار واشنطن على عدم إدراجها ضمن الجماعات الارهابية، في وقت لا تلتزم فيه «الحركة» بالهدنة.
وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أمس «أن الولايات المتحدة تستخدم ستاراً من التصريحات لإخفاء عدم رغبتها في الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، بما في ذلك الفصل بين جماعات المعارضة المعتدلة والجماعات الإرهابية».
وقال الممثل الخاص لوزارة الدفاع الروسية الجنرال إيغور كوناشينكوف إن «روسيا تنفذ التزاماتها حول ضمان نظام وقف الاعمال القتالية في أراضي الجمهورية العربية السورية من الدقائق الأولى»، معربا عن استغرابه لتصريحات مختلف ممثلي وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين حول آفاق تنفيذ روسيا الاتفاق الذي تم التوصل إليه.
بدوره، أعلن النائب الأول لرئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة الروسية فيكتور بوزنيخير، أن الولايات المتحدة لم تقدم حتى الآن لروسيا معطيات دقيقة حول «المعارضة المعتدلة» في سوريا، موضحاً أن عدم دقة المعطيات عن «المعارضة» يصعب من محاربة الإرهاب.
وأشار خلال كلمة له في «المركز الوطني لإدارة الدفاع الروسي»، إلى أن «المواد المقدمة من قبل الجانب الأميركي تتضمن فقط قائمة الفصائل الخاضعة له، ولا حديث فيها عن المناطق التي تنشط فيها هذه الفصائل ولا تعداد أفرادها ولا أسماء قادتها الميدانيين».
وشدد بوزنيخير على أن هذا المسلك من جانب الأميركيين لا يعرقل محاربة المسلحين المتشددين من «جبهة النصرة» فقط، بل ويهدد عملية نقل المساعدات الإنسانية أيضاً.
إلى ذلك، ذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها أن عدد الخروقات ارتفع منذ بداية تطبيق الهدنة إلى 60 خرقا، معظمها من قبل «حركة أحرار الشام». يأتي ذلك بعدما تعرض ضابط روسي لإطلاق نار خلال اتصال مباشر مع القيادة الروسية في موسكو لوضعها في تطورات الأحداث، كما تعرض صحافي روسي لإطلاق نار أيضا خلال تواجده في منطقة الكاستيلو شرق حلب.
وفي هذا الإطار، أعلنت موسكو تركيب ثلاث كاميرات، اثنتان منها على الأرض وثالثة من طائرة من دون طيار، لرصد نقاط التفتيش في منطقة الكاستيلو لنقل مجريات الأحداث بشكل مباشر عبر موقع وزارة الدفاع الروسية.
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر إن اتفاق وقف الأعمال القتالية «متماسك بشكل عام وإن كان غير مثالي»، موضحاً أن تقييم واشنطن وموسكو في هذا الاطار هو «استمرار وقف الأعمال القتالية».
بدوره، علق المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بيتر كوك على انسحاب الجيش السوري من طريق الكاستيلو بالقول إنه ليست لديه «معلومات استخبارية أو حقائق» تشير إلى ذلك.
وبانتظار الانتهاء من التفاصيل الأخيرة لاتفاق حلب وإتمام إدخال المساعدات على دفعات، تنظر القوى الإقليمية الفاعلة إلى حلب على أنها بوابة الدخول في محادثات سياسية جدية.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف إن جولة جديدة من المحادثات بين «المعارضة» السورية والحكومة قد تجري في نهاية أيلول، كذلك أعلن دي ميستورا أن «جلسة مجلس الأمن في 21 أيلول ستعيد العملية السياسية في سوريا».
وفي هذا الإطار، قال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين إن روسيا تبذل جهودا حثيثة من أجل أن يتبنى مجلس الأمن الدولي مشروع قرار لدعم اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا.
تجربة التهدئة في حلب، تمثل من وجهة نظر القوى الإقليمية «نقلة نوعية» في مسيرة الحرب السورية، وقاعدة يمكن بناء محادثات سياسية جدية عليها، إلا أن عدم ضبط الفصائل المسلحة، وعدم وفاء واشنطن بتعهداتها بفصل المسلحين «المعتدلين» عن الفصائل الإرهابية، أمران لا يزالان يشكلان «عقدة» يُنتظر حلها للتعويل فعليا على تلك المحادثات.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد