الحقوق الرقمية تصطدم بالصراع العربي - الإسرائيلي
أدّت مواقع الإعلام الإلكتروني الجديد دوراً بارزاً في تمكين جيل الكومبيوتر في العالم العربي، من السعي لنيل حريته والتعبير عن آرائه. وتبدّى ذلك جلياً في الدور الذي أدّته وسائل الإتصالات الرقمية وشبكاتها في إشعال الثورات العربية الأخيرة ونجاحها. وشكّلت هذه المواقع ميادين ومنتديات سياسية افتراضية، يلتقي فيها نشطاء السياسة الشباب بعيداً من سيطرة الحكومات الأمنية. وبذا، تمكن الشباب من التحاور والتنسيق وحشد التأييد محلياً وعالمياً لثوراتهم، إضافة إلى فضح الممارسات القمعية لحكوماتهم. وكانت شركة «غوغل» طوّرت طريقة سمحت للمصريين ببث رسائل نصيّة قصيرة عِبر موقع «تويتر» Twitter من طريق الهاتف الأرضي، بعد أن قطعت السلطات المصرية شبكات الخليوي والانترنت. وفي سياق مُشابه، طوّرت مجموعة «تيليكوميكس» Telecommics السويدية المتخصصة بالدفاع عن الحريات الرقمية طريقة تسمح للمصريين بالاتصال مع الانترنت عبر الهاتف الثابت. وفي سابقة مشابهة، هدّدت «غوغل» في مطلع السنة الفائتة، بمغادرة الصين بسبب تقييدها حرية الانترنت. واخترعت نظاماً يتيح للصينيين الإلتفاف على رقابة السلطات عن طريق محرك بحث فى هونغ كونغ.
الحقوق الرقمية والصراعات الإقليمية
تأثرت القضية الفلسطينية كثيراً بـ«الربيع العربي» مع ما حمله من نسمات مفعمة بالحرية والكرامة والعدالة. واقتداء بنظرائهم في تونس ومصر، عمد شباب فلسطينيون إلى استخدام أدوات المقاومة الالكترونية لمواصلة الكفاح من أجل حقوقهم الوطنية. وتحديداً، استعمل هؤلاء الشباب مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت للدعوة إلى مسيرات مليونية في 15 آيار (مايو) الفائت الموافق للذكرى الـ 63 للنكبة. وقد أطلق على هذا الحراك الإلكتروني إسم «الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة». وأعلنوا العزم على إطلاق مسيرات شعبية من 30 نقطة على حدود مصر والأردن ولبنان وسورية مع فلسطين.
وسرعان ما ظهر أن للإنترنت وجهاً آخر في التعامل مع السياسة ومعطياتها عربياً. وعمدت شركات عملاقة في المعلوماتية لإتخاذ خطوات أدّت إلى منع العودة الإفتراضية للفلسطينيين إلى وطنهم. وتداولت وسائل الإعلام أخباراً مفادها أن ضغوطاً إسرائيلية أدت إلى حذف صفحة الإنتفاضة الثالثة من موقع «فايسبوك»، بعد أن زاد عدد المشاركين فيها عن 400 ألف فرد. وأطلق ذلك نقاشاً لم ينته بعد، عن حرية الرأي على الإنترنت. وسأل البعض إذا ما كانت الحرية الهائلة للإنترنت لها حدود غير مرئية، يرسمها نفوذ الدول وسطواتها؟ كيف تأتلِف صورة الحرية الإلكترونية مع قدرة أصحاب النفوذ على فرض القيود على الإنترنت، التي يفترض أنها تستطيع أن تعلي صوت الأفراد والمهمشين والأقل شأناً وقوة، في وجه السلطات الآسرة والقوى الأكثر هيمنة وسيطرة؟
أدى هذا الوضع المتشابك إلى استثارة غضب أنصار فلسطين. واتهموا مسؤولي «فايسبوك» بالنفاق والتحيّز والتخلى عن قيم الحرية، عندما يتعلق الأمر بالحقوق الفلسطينية. وكذلك اتهموهم بالتلاعب في عدد أعضاء صفحة الإنتفاضة الفلسطينية الإلكترونية.
وفي سيناريو مُشابِه، عمد موقع «يوتيوب» Youtube لحذف شريط فيديو باللغة الإنكليزية يشرح للمجتمع الغربي المسألة الفلسطينية، داعياً إلى إنتفاضة إلكترونية لتأييد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطييني. وتضمّن هذا الشريط نبذة تاريخية عن القضية الفلسطينية، ووثائق عن بعض جرائم الإحتلال، ومشاهد من الإنتفاضتين الأولى والثانية مع ما رافقهما من قمع مفرط بحق الأطفال والشيوخ والنساء. كما احتوى الشريط وقائع إستشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدُرّة.
وسرعان ما تكرّر سيناريو القمع على الإنترنت. إذ ازالت شركة «آبل» Apple أخيراً تطبيقاً رقمياً عن الإنتفاضة الثالثة من موقعها المشهور «آي تيونز» iTunes، الذي يحتوي التطبيقات القابلة للإستعمال على أجهزة «آي فون» iPhone و»آي باد» iPad. مثّلت هذه الخطوة استجابة لطلب من مجموعة حقوقية يهودية والسلطات الاسرائيلية، زعمت أن محتوى هذا التطبيق ي حضّ على الكراهية والعنف.
وثمة من يسأل عن سبب تخلي «غوغل» عند معابر فلسطين، عن مبادئها الداعية الى حياد الانترنت وانفتاح المجتماعت إلكترونياً ودعم الحقوق الرقمية.
وتُقرّ قرارات الأمم المتحدة والواقع الديمغرافي والإتفاقات الدولية ووقائع التاريخ القديم والمعاصر، بأن الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان هي مناطق محتلة. وعلى رغم ذلك، بدت «غوغل» وكأنها غيّرت الجغرافيا افتراضياً، وضمت هذه المناطق الى خريطة إسرائيل.
الإستثناء الإسرائيلي يعترض الحرية
من المعلوم أن موقع «غوغل إيرث» Google Earth يقدّم خرائط تفصيلية مقرّبَة بصور الأقمار الإصطناعية للكرة الأرضية، لكنه يستثني إسرائيل. وقد أيّد الكونغرس هذا الإستثناء بقانون منع نشر خرائط تفصيلية عن إسرائيل على الإنترنت، مُكلّفاً وِحدة من «مكتب المباحث الفيدرالية» بمتابعة تنفيذ هذا الأمر.
وفي وقت غير بعيد، أثار برنامج عن أحوال الطقس، كان متوافراً على موقع «آي تيونز»، غضب الإسرائيليين بسبب تقسيمه القدس الى شرقية وغربية. وإستجابت شركة «ياهوو» Yahoo، صاحبة هذا البرنامج، للضغوط الاسرائيلية. وعدّلته. وصار يشير إلى قدس وحيدة.
وترك الصراع العربي - الاسرائيلي آثاره على موقع «ويكيمابيا» Wikimapia، المتصل بالموسوعة الرقمية المفتوحة «ويكيبيديا» Wikipedia. والمعلوم أن هذا الموقع يستخدم خرائط «غوغل إيرث»، كي يضيف إليها أسماء الأماكن وشروحات عنها. ولم تستطع «ويكيبيديا» الحفاظ على موضوعيتها في هذا الخصوص. فقد أنشأ المُدوّن الإلكتروني السوري خلود محمد شنتوت صفحة «مسيرة العودة» على «ويكيبيديا» في 22 آذار (مارس) الفائت لتوثيق فعاليات الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة. ونجح الاسرئيليون في تغيير إسم الصفحة ومحتواها لتصبح «مسيرات حدود إسرائيل 2011». وقد عدّل شنتوت هذه الصفحة 56 مرة لحدّ الآن، بهدف منع الاسرائيليين من السيطرة على محتواها.
ومما يذكر أن شنتوت حائز على جائزة «الويكيبيدى المثابر» لإنشأئه 57 مقالاً على تلك الموسوعة، أشهرها صفحات أحمد علي صالح، و «ثورة 17 فبراير» و «حركة 20 فبراير» وغيرها.
مقاومة من الـ «هاكرز» العرب
لم يقف شباب الكومبيوتر العرب مكتوفي الأيدي أمام هذه الصراعات من أجل الحرية في الفضاء الإفتراضي للإنترنت. فقد طوروا موقعاً يعتمد على برنامج «غوغل إيرث» حمل اسم «ذاكرة فلسطين». ويعرض هذا الموقع معالم المدن والقرى الفلسطينية، مع شروحات تفصيلية عنها، بما فيها الحوادث المتصلة بتدميرها وتهجير أهلها.
وعلى غرار ذلك، أنشأت مجموعة من الشباب العرب المقيمين في الولايات المتحدة، موقع يشبه «فايسبوك»، سمّوه «قدس مون» Qods Moon (ترجمتها حرفياً «قمر القدس»)، لدعم الإنتفاضة الإلكترونية الثالثة. كما تمكّن مسؤولو صفحات الإنتفاضة الثالثة من كشف عناوين الانترنت التي تستخدمها بعض المجموعات المؤيّدة لإسرائيل، ومعظمها تابع لشركات إسرائيلية. ونشروا هذه العناوين، داعين الـ «هاكرز» العرب لإيقاف نشاطاتها المعادية للحقوق العربية.
وكانت جماعة من «هاكرز» المغرب تسمي نفسها «فريق الشر»، قد اخترقت أكثر من 750 موقعاً إسرائيلياً عشية حربها على غزة عام 2009. واخترقت جماعة تسمى «خبراء الكومبيوتر العرب» عشرات الموافع الإسرائيلية، أهمها البنك المركزي.
وفي سياق متّصل، لم يستطع الفريق المسؤول عن تحرير صفحات إسرائيل وفلسطين باللغة الانكليزية على موقع «ويكيبيديا»، السيطرة على محتوى هذه الصفحات. واضطر الى طلب متطوعين جدد لمواجهة نشاطات الشباب العربي المؤيد للقضية الفلسطينية.
وتحت ضغط النشطاء العرب، تُجري «غوغل» راهناً استطلاعاً حول تسمية هذه المنطقة على خرائطها فلسطين أو إسرائيل أو الأرض المحتلة.
ويُتوقع أن تشتعل حرباً الكترونية ثانية بين إسرائيل وتركيا، في سياق التحرك المزمع لـ «قافلة الحرية الثانية» نحو غزة، وإستعداد الجيش الاسرائيلى للتصدي لها، إذ إشتعلت حرب إلكترونية شرسة بين هذين الطرفين بعد إعتداء إسرائيل على القافلة الأولى. وحينها، اخترقت مجموعة من الـ «هاكرز» الأتراك تسمى «الأطفال الكبار» OldChildz بيانات 120 ألف إسرائيلي، جامعين معلومات عن بطاقاتهم الإئتمانية وبريدهم الإلكتروني. ورداً على ذلك، اخترق «هاكرز» إسرائيليون ما يزيد على 60 موقعاً حكومياً تركياً.
وإضافة الى الربيع العربي، يزدحم المشهد الفلسطيني حاضراً بالأحداث الساخنة التى تشعل المقاومة الإلكترونية، خصوصاً ما يتصل بحوادث سياسية مثل حصار غزة، وقضية شاليط، وأسطول الحرية رقم 2، والمصالحة الفلسطينية، ودعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة الى التصويت على الاعترف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 في أيلول (سبتمبر) المقبل. والخلاصة، أن هجمات القراصنة العرب والأتراك والإيرنييين والمسلمين، توقع خسائر في البنية الإلكترونية التحتية في إسرائيل، وتسعى لتفكيك مفاصلها الافتراضية. وقد أدت هذه الهجمات المتتالية الى فقدان إسرائيل لتفوقها إعلامياً في الفضاء الإفتراضي للإنترنت. ولعلها بداية.
عبد الناصر عبد العال
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد