السياسة الإقتصادية في سورية: أخطاء ...أم كوارث!
تواجه سورية مجموعة من الظروف العسكرية والسياسية والاقتصادية المتداخلة والصعبة جدا ا, ينتج عنها الكثير من الضغوط والأزمات المعيشية , وكما هو معروف عبر التاريخ إن الحالة العدائية ممن يسمون أنفسهم " المجتمع الدولي " تتجلى بصور كثيرة إحداها , العقوبات والحصار , ها هو قانون قيصر .... الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على الشعب السوري بحجة حمايته ليشكل سابقة كأغرب طريقة حماية بالتاريخ!!!! والسؤال الأساسي، كيف سنواجه تلك العقوبات؟؟؟؟ هل تمت مراجعة سياسات التجارة الخارجية كخطوة ضرورية تسبق تشجيع وحماية الإنتاج المحلي ؟؟؟؟ هل اعتمدت سياسات اقتصادية ومالية ونقدية تحفز العملية الإنتاجية ؟؟؟ هل تمت مراجعة المشاكل التي سببت تحول المنتجين إلى مستوردين؟؟؟؟
اليوم بعد سنوات عشر من بدء الحرب على سورية، مازلنا نستورد الكماليات والسلع غير الأساسية، من السعودية وتركيا والدول الآسيوية وغيرها، حتى السيارات التي تم منع استيرادها، تم الالتفاف على القرار بما سمي “السيارات المجمعة محليا " , و بدلا عن المراجعة الشاملة لسياساتنا التجارية تم اعتماد سياسات ترقيعية ومتناقضة أحيانا , وفق مبدأ " إطفاء الحرائق " والحلول الإسعافية , المطلوب ليس مجرد مراجعة سياسات و اتفاقيات التجارة الخارجية لتشجيع الإنتاج المحلي، بل بناء اتفاقيات تبادل تجاري بديلة مثل استئناف عملية الانضمام إلى اتفاقية الاتحاد الجمركي الذي يتألف من ( روسيا , بيلاروسيا , كازاخستان , أرمينيا ).
حتى تكون سورية قادرة على التبادل التجاري مع دول أخرى يجب تشجيع الإنتاج المحلي الزراعي والصناعي بشكل خاص، فهل صدور القرار المتعلق بوقف منح القروض والتسهيلات الائتمانية على تشجيع وزيادة الإنتاج المحلي؟؟؟؟ طبعا لا , بالعكس كان القرار محبطا للوسط التجاري والصناعي و لمجمل الحياة الاقتصادية في سورية بما فبها المصارف العامة التي ستكون مهددة فعلا بالإفلاس , وكان مثل هذا القرار قد صدر في 2012 , تماما في شهر 6 , حيث طلبت وزارة المالية من كافة مديري المصارف العامة وقف القروض بكافة أشكالها لدى المصارف العامة يسري هذا القرار على القروض الجديدة ويستمر العمل بالتسهيلات الائتمانية القائمة أو تلك التي تم صرف جزء منها, ثم عادت المصارف لمنح القروض الإنتاجية الصناعية والزراعية في عام 2017 , أي أن القروض توقفت لخمس سنوات بسبب الحرب , فأدى هذا التوقف إلى تعطل الإنتاج وبالتالي انكماش الناتج المحلي الإجمالي .
المتابعون للشأن الاقتصادي السوري يلخصون أهم الأخطاء في السياسة النقدية والاقتصادية التي ارتكبت في السنوات الماضية، أدت إلى استنزاف احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية ومنها على سبيل المثال:
1- بيع مبالغ دولارية للمواطنين بأقل من سعر السوق في 2011 و2012. وعودة البنك لمطالبة الناس الذين حصلوا على المبالغ الأجنبية بمراجعته، ليتراجع عن هذه المطالبة بالمراجعة لاحقا.
2- إعطاء تسهيلات ائتمانية للتجار مقابل ايداعاتهم بالعملات الأجنبية التي استمرت حتى عام 2015.
3- تسعير دولار الحوالات الأجنبية بأقل من السوق السوداء أو الموازية بكثير، هذا أدى إلى خسارة مصادر دولار وعملات أجنبية لصالح السوق السوداء أو لبنان، ومازالت هذه السياسة متبعة ولم يدرك أحد الحكمة منها حتى الآن.
4- إعطاء قروض للصناعيين من قبل بعض البنوك العامة بمبالغ كبيرة جدا، لم يجر استثمارها في تطوير مصانعهم وزيادة الإنتاج بل استغلها الكثيرون في عملية المضاربة وتحويلها إلى نقد أجنبي، هذا خلق طلب على النقد الأجنبي وعرض كبير لليرة السورية ساهم بضعفها وتراجعها.
5- السماح بصناعة تجميع السيارات، لبعض رجال الأعمال في محاولة للالتفاف على قانون منع استيراد السيارات والنتيجة هي كما صرح وزير الصناعة باستنزاف القطع الأجنبي.
6- تمويل المستوردات التي استنزفت الكثير من القطع الأجنبي ولم تنعكس على أسعار السلع الممولة بل بقي التجار الممولون يسعرون بضائعهم بسعر دولار السوق السوداء، عملية التمويل ساهمت بزيادة ثروة المستوردين ولم تنعكس إيجابا على المستوى المعيشي للناس.
7- اعتماد معدل فائدة منخفض في ظل تضخم كبير وغير مستقر، الأمر الذي شجع البعض على استجرار القروض من المصارف العامة بمعدل فائدة منخفض , لاستخدام أموال القروض في مجال المضاربة على سعر الصرف وتحقيق أرباح كبيرة ، مما جعل المصرف المركزي يتخذ قرارا بإيقاف منح القروض والتسهيلات الائتمانية بكل أشكالها , هذا القرار كان بمثابة تدمير البيت الذي تصدعت أحد جدرانه ..... الحل هو بمراقبة المشاريع التي استجرت القروض لتمويلها وجعل القروض على دفعات , وعقوبات شديدة جدا إذا ثبت إساءة استخدام القرض .
كل تلك السياسات الآنفة الذكر وغيرها، سببت تآكل القدرة الشرائية لعملتنا المحلية، وأدخلتنا في دوامة الفقر الذي يؤدي أيضا إلى فقر أشد وأصبحت سورية تصنف كأفقر دولة بين عشرين دولة بينهم دول الجوار!
د. لمياء عاصي: المشهد
إضافة تعليق جديد