من جوكوف إلى بوتين.. الطريقة الروسية في حماية الأمن القومي
“يعرف باقي العالم أنّ غزو روسيا أمر لا يمكن تصوّره. يمكن للروس تصوّر ذلك. يتذكّرون أنَّ ألمانيا كانت مشلولة في العام 1932. بحلول العام 1938، كانت قوية للغاية. 6 سنوات ليست طويلة جداً. وفي حين أنَّ مثل هذا التطور غير مرجّح الآن، من وجهة النظر الروسية، ولكن يجب أن يُؤخذ على محمل الجد على المدى الطويل – التخطيط للأسوأ والأمل في الأفضل
في 11 أيار/مايو 1939، هاجم اليابانيون المواقع الحدودية المنغولية قرب نهر خالخين غول. النزاع الحدودي كان من الأسباب المباشرة للهجوم، إذ كانت اليابان تصرّ على أنَّ الحدود بين منغوليا ودولة مانتشو-قوه، التي أنشأتها الإدارة العسكرية اليابانية في العام 1932 في أراضي منشوريا، يجب أن تمر عبر النهر، في حين تمسك الجانب المنغولي بأن الحدود يجب أن تمتد من 20 إلى 25 كم شرق النهر.
بعد ذلك بأيام، في 14 أيار/مايو، كان الجيش الياباني قد احتلَّ كامل الأراضي “المتنازع عليها”، نظراً إلى أن منغوليا لم تكن تمتلك قوات قادرة على دعم حقها في الأراضي، وأعلن أنها تنتمي إلى مانتشو-قوه، أي اليابان الفعلية، لكن، ووفقاً لاتفاقية “المساعدة المتبادلة” الموقعة في 12 آذار/مارس 1936 بين الاتحاد السوفياتي وجمهورية منغوليا الشعبية، قام السوفيات بنقل أجزاء من الفيلق الخاص الـ57 إلى منطقة خالخين غول. تواصلت المعارك بين القوات السوفياتية والمنغولية من جهة والقوات اليابانية من جهة، وانتهت في أيلول/سبتمبر 1939 بانسحاب القوات اليابانية تماماً من الأراضي المنغولية.
قائد تلك المعركة من الجهة السوفياتية كان غيورغي جوكوف.
الأثر
بانتصاره في معركة “خالخين غول”، أرغم جوكوف اليابان على الانسحاب من منغوليا، وأسقط أيضاً أيَّ خطة أو فكرة يابانية مستقبلية للهجوم على الاتحاد السوفياتي انطلاقاً من تلك الجبهة، كما كان هتلر يطلب دائماً من القيادة اليابانية أن تكون عاملاً مساعداً له في هجومه من الجهة الأخرى على موسكو بدءاً من دول الشرق الأوروبي.
الهزيمة اليابانية في معركة “خالخين غول” التي قادها جوكوف شكلت رادعاً لأي تحرك للقوات اليابانية الحليفة لهتلر من الشرق في حزيران/يونيو 1941، بالتزامن مع بدء عملية “بربروسا”. حينها، كانت المدن الروسية الكبرى ستتعرض لخطر حقيقي في عدم القدرة على الصمود خلال الفترة الأخيرة للحرب، وذلك في مواجهة هجمات كاسحة من جبهتين (اليابان وألمانيا)، ولا سيما أنَّ السوفيات تعرضوا لنكسة في الجبهة الغربية في بداية الهجوم النازي، مع انهيار الخطوط الدفاعية الأولى للاتحاد السوفياتي، وتقدم القوات النازية نحو موسكو ومدنٍ أخرى، مثل ستالينغراد ولينينغراد.
ولكن جوكوف تدخل أيضاً وقاد الجبهة الاحتياطية في معركة “يلنيا”، وتمكن من إيقاف هجوم الجيش النازي على موسكو وتوجيه ضربة مضادة. وفي وقت لاحق، دحر القوات الألمانية وطردها من مشارف العاصمة إلى مسافة تزيد على 200 كيلومتر، وتمكَّن من إيقاف التقدم النازي نحو لينينغراد.
وفي العام 1943، كان جوكوف يحقق النصر في معركة ستالينغراد، كما أشرف على تحرير مدينة كييف الأوكرانية وبيلاروسيا وجزء كبير من بولندا من قبضة النازيين، ليترأس في المرحلة الأخيرة من الحرب القوات السوفياتية التي اقتحمت برلين في العام 1945.
“الفترة الأولى للحرب”
رغم أنّ جوكوف، وفي مرحلة لاحقة، استغلّ عوامل القوة السوفياتية في التحشيد والتنظيم والمبادرة، واستطاع عند خطوط الدفاع الأخيرة صد الهجمات، ومن ثم الزحف نحو برلين، فإنَّ المراحل الأولى لأيِّ حرب ظلّت تشكل هاجساً بالنسبة إلى قادة الاتحاد السوفياتي.
لذا، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان تركيز الاتحاد السوفياتي، ضمن المستويات السياسية والأمنية والعسكرية، ينصبّ على تجنّب أي هجوم مفاجئ في أي مرحلة أولية من حرب محتملة. الاهتمام المكثَّف بهذه الاستراتيجية التي عملت عليها مصادر القرار السوفياتية، مردّه إلى التجربة الكارثية التي أحدثتها عملية “بربروسا” النازية ضدّ الاتحاد ابتداءً من العام 1941، وتحديداً في مراحلها الأولى.
بناءً عليه، إن “الفترة الأولى للحرب” أخذت اهتماماً واسعاً لدى السوفيات بعد الحرب العالمية الثانية، باعتبارها المرحلة التي يجب تفادي فيها أي هجوم كاسح. وكانت الدراسة التي أجراها الجنرال إس. ب. إيفانوف حول هذا الموضوع، والتي نُشرت في العام 1974، جزءاً من اهتمام أوسع داخل المؤسسة العسكرية السوفياتية بمشكلة تقييم التهديد وتجنّب الهجوم المفاجئ، إذ تحدثت تلك الدراسة وغيرها عن نقاط القوة والضعف في السلوك السوفياتي في الحملات العسكرية على المستويين العملياتي والتشغيلي – الاستراتيجي في الفترة المبكرة من الحرب وما بعدها.
ووفقاً للتحليل التاريخي السوفياتي للحرب الوطنية العظمى، وخلال مرحلتها الأولى والمتوسطة، أُجبرت القوات السوفياتية على القتال في دفاع استراتيجي أو تضييق مساحة عملياتها الهجومية الاستراتيجية ضمن الهجمات المضادة على القطاعات الرئيسية. وفي الفترة الثالثة من الحرب (1944-1945)، وعندما حصلت القوات السوفياتية على المبادرة والتجمعات اللازمة للقوة، بدأ هجوم بعدة عمليات استراتيجية نُفذت على التوالي على قطاعات مختلفة، ما زاد حجم العمليات الاستراتيجية تبعاً لذلك.
وكان المطلوب من القوات المنتشرة في المناطق العسكرية الحدودية خوض المراحل الأولى من المعركة الدفاعية بمهمة محددة، هي إحداث استنزاف لقوات العدو وتأخير تقدمها، حتى تقوم قوات الصف الثاني السوفياتي بشن هجوم مضاد، لكنَّ المحللين العسكريين السوفيات عزوا الإخفاقات في الجبهة الغربية لروسيا مع بداية الهجوم النازي إلى الفشل في تقييم المعلومات الاستخبارية التحذيرية، وإحجام القيادة السياسية عن اتخاذ تدابير تحضيرية معقولة في مناطق الحدود الغربية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، وافتقار المدافعين السوفيات إلى أدنى مستوى من المعايير المناسبة للاستعداد.
الثقافة الاستراتيجية الروسية: الجغرافيا الأوسع
استناداً إلى ما قدَّمته التجربة السوفياتية في الحرب العالمية الثانية وما بعدها على صعيد النجاحات والإخفاقات، يظهر أنّ مفهوم الدفاع عن المجال الحيوي للدولة يلزمه الاستعداد الكامل للمواجهة. هذا الاستعداد تتحدَّد صلابته بإمكانية الملاحظة السريعة والعملية للتغيرات الجيوسياسية المحيطة به، والتي يمكن أن تشكّل خطراً في المستقبل، ولو كان خطرها الآني غير ظاهر.
يمكن القول إنَّ مهمّات متشابكة ومتعدّدة كانت في انتظار بوتين في حال وصوله إلى السلطة في روسيا، فقد كانت تركة يلتسين من الانحطاط الاقتصادي للدولة تفرض عليه مهمّات مستعجلة لحلّ هذا الملف. وفي الوقت نفسه، كانت المؤسَّسة العسكرية في أسوأ حالاتها، مع تراجع الانضباط والمخصّصات المالية لعناصر الجيش. كانت رؤية بوتين تقوم على تخصيص المردود الاقتصادي الناجم عن الإصلاحات لاستنهاض المؤسسة العسكرية من جديد، فكان دفع الرواتب في موعدها للجنود هو المهمة رقم 1.
بعد فترة وجيزة من توليه الرئاسة، أصدر الرئيس الروسي بالإنابة فلاديمير بوتين مرسوماً في 10 كانون الثاني/يناير 2000 يتبنى فيه “مفهوم الأمن القومي الجديد للاتحاد الروسي”. وبعد أقلّ من شهر من انتخابه رئيساً للبلاد، وقع بوتين في 21 نيسان/أبريل من العام ذاته مرسوماً يتبنى فيه “العقيدة العسكرية للاتحاد الروسي”. الوثيقتان المهمتان اللتان تلخّصان الإطار الأمني العام والاستراتيجي وتفكير الدولة، استبدل بهما مفهوم الأمن القومي السابق الصادر في 17 كانون الأول/ديسمبر 1997 والعقيدة العسكرية في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1993، وهما تعكسان تطور الفكر الاستراتيجي لروسيا في الاستجابة للبيئة الجيوسياسية والجيو-استراتيجية المتغيرة.
يذكر معهد “كارينغي”، خلال دراسته للثقافة الاستراتيجية الروسية، أن مجال دراسات الأمن القومي يقدم تعريفات متعددة للثقافة الاستراتيجية، ولم يتفق بعد على تعريف مقبول عالمياً لدى العلماء والممارسين السياسيين. ومع ذلك، فإنَّ معظم التعريفات تتفق على أنَّ الثقافة الاستراتيجية هي نتاج جغرافيا الدولة وتاريخها ورواياتها المشتركة التي تشكل النظرة العالمية السائدة لمؤسسة الأمن القومي فيها، والتي توجّه بدورها استجاباتها للتحديات والتهديدات.
إضافةً إلى ذلك، يمكن القول إنَّ بوتين أضاف إلى هذا الموروث من الدفاع الاستراتيجي، ومن ذلك مقارنته السياسة الخارجية بلعبة الجودو في أكثر من مناسبة، لأنّ من المهم أن تعرف متى تتلقى الضربات وتصبر، ومتى تتنفَّس، ومتى تهجم.
إنّ مفاهيم بوتين حول الأمن القومي الروسي تنطلق من نظرته إلى “جغرافيا روسيا وتاريخها”، وهو ما يفسّر نظرته إلى الاتحاد السوفياتي على أنه كان ضرورة تاريخية حتمية. لذلك، علّق على انهياره بالقول إنه كان “نهاية روسيا التاريخية تحت اسم الاتحاد السوفياتي” (نتاج 1000 عام)، و”أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”، و”مأساة”. هذه التصريحات لا تحمل في مضامينها تمنيات فحسب أو رغبة في العودة إلى الماضي، حيث لا “يوجد من يحطم الاتحاد السوفياتي من الداخل”، كما قال، فنظرة بوتين إلى ماضي الاتحاد السوفياتي ليست نظرة عاطفية، بل نظرة واقعية يحاول تطبيق مفاهيمها الأمنية بشكل مباشر.
ويتحدّث معهد “كارينغي” عن هذا الأمر بكونه نتيجة الإحساس بظلم “الغرب الأوروبي” لروسيا، كسِمة بارزة لوجهة النظر التي تشترك فيها مؤسّسة الأمن القومي الروسية على نطاق واسع. وبوتين هو ممثل نموذجي لهذه المؤسسة التي يترأس العديد من أعضائها حالياً الدفاع والسياسة الخارجية، كما يترأسون أيضاً السياسة الداخلية والاقتصاد. وفي هذا السياق، ليس من الصعب، وفق المعهد، فهم “حنين الرئيس الروسي إلى الاتحاد السوفياتي”.
من نهر “خالخين غول” إلى البحر الأسود
على بعد أمتار من قصر الكرملين، يقف غورغي جوكوف على حصانه في تمثالٍ شيّد له. يشكّل القائد السوفياتي الذي وضع خطة لم يعمل بها لـ”سحق” (ذكرت عبارة “سحق” في الوثيقة التي رفعت إلى ستالين) الجيش النازي في أماكن تجمعه، قبل أن يتحرّك باتجاه موسكو، مصدر إلهام لسيّد القصر. هذا ما تتحدث عنه الوقائع السياسية والأمنية والعسكرية للاستراتيجية الروسية المتبعة في المجال الحيوي من البلقان إلى القوقاز وآسيا الوسطى. تلك السياسة هي تصورات “الثقافة الاستراتيجية” التي أرساها بوتين منذ لحظة وصوله إلى الحكم، من خلال مسارات سياسية وقانونية تتداخل فيها السياسة والأمن في المجال الحيوي السوفياتي السابق.
ضمن المجال الحيوي لروسيا التاريخية، أي دول ومناطق الاتحاد السوفياتي سابقاً، يتحرك الرئيس الروسي فارضاً على خصومه مخاوف لا بدّ منها لردعهم. وفي نظرة سريعة إلى ما حصل في كازاخستان أخيراً، وهي أكبر دول آسيا الوسطى، فإنَّ تحرك القوات الروسية جاء في لحظةٍ حاسمة استخدم فيها بوتين مفهوم “الأمن الوقائي” لمنع خصومه الغربيين من التفكير في استغلال تلك المنطقة ضمن استراتيجية محاصرة روسيا.
وقبل ذلك، أرسلت موسكو عشرات الآلاف من جنودها غرباً، في رسالة تحذيرية إلى “الناتو” وتحركاته على الجبهة الأوكرانية. هذا الأمر يُضاف إلى استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم كمنطقة استراتيجية تعتبر منفذاً إلى البحر الأسود لا يمكن التفريط فيها لمصلحة نظام موالٍ للغرب. وفي القوقاز، أدت روسيا دورها الفاعل في إيقاف الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وفي توقيت ذلك، ووفق مصالحها. صحيح أنَّ الاستقرار في القوقاز مهم لروسيا، لكن الأهم هو إغلاق أيّ ثغرة يستطيع الأميركي أن يستغلها للحضور أمنياً وعسكرياً في تلك المنطقة.
ما حصل في بيلاروسيا والقوقاز وأوكرانيا وكازاخستان دليل واضح على أن موسكو جادة في حماية الاتحاد الروسي، وفي حماية المجالين الأمني والسياسي للاتحاد السوفياتي أيضاً، في إطاره الجغرافي الذي كان قائماً، ولا سيما أن هذه المساحة الجغرافية تشكَّلت روابطها المتداخلة اقتصادياً وثقافياً قبل ولادة الاتحاد السوفياتي نفسه. التحركات الروسية هذه جاءت بفعل التنبّه إلى ضرورة تفعيل المبادرة العسكرية سريعاً، لمنع أيّ تسلل غربي نحو حدودها، كما فعل جوكوف مع اليابان في “خالخين غول”.
ورغم سقوط الردع في أوكرانيا بلحظة معينة، وانهيار خطوط دفاع أولى نتيجة “ثورة ملونة” (جزء من تغيّر أدوات الحرب)، فإن روسيا استعادت زمام المبادرة من خلال ضم شبه جزيرة القرم وما رافق ذلك في السنوات الأخيرة، ما مكّنها من الحضور العسكري في البحر الأسود، لتفريغ المخاطر العسكرية الغربية من الكثير من مضامينها وجديتها في التهديد، وهذا شبيه بقوة وتنظيم جوكوف في صده للهجمات عن موسكو ولينينغراد وستالينغراد بعد انهيار الجبهة الغربية للاتحاد السوفياتي.
في واحدة من تصريحات بوتين اللافتة، كان قد لام غورباتشوف، الرئيس الأخير للاتحاد السوفياتي، على توسع الناتو شرقاً وجنوباً، ولا سيما أن الناتو اندفع إلى توقيع اتفاقيات “الشراكة من أجل السلام” مع الفضاء السوفياتي القديم تطويقاً لروسيا، إذ مهدت تلك الاتفاقيات لانضمام جمهوريات سوفياتية لـ”الناتو” من ضمنها دول البلطيق الـ3 (لاتفيا وإستونيا وليتوانيا)، وما يجري اليوم في أوكرانيا هو استكمال لهذه السياسة بالتحديد.
خطوط الطول ودوائر العرض التي ترسمها روسيا
تشي التحركات العسكرية الروسية ضمن حدود الاتحاد السوفياتي سابقاً، والمستندة إلى تقييم فعّال للمعلومات الاستخبارية، بأن موسكو تولي أهمية كبيرة لمرحلة “الفترة الأولى من الحرب”، ضمن إطار التحرك لمنع خطر وشيك أو عملية تحصين الدفاعات التي لم تعد تقتصر على تواجد القوات الروسية ضمن حدود روسيا، بل حضورها العملي في أي جبهة تتوقَّع أن تكون ثغرة لأعدائها، بتمكين قواتها في المرحلة الأولى والمتوسطة من أي حربٍ محتملة، وعدم المقامرة بالمرحلة الثالثة على أبواب موسكو وسان بطرسبرغ، أو بخللٍ داخلي يهدد دعائم الحكم.
أعاد بوتين خلال حكمه لروسيا رسم خطٍ وهمي حول البلاد ضمن النطاق الجغرافي السوفياتي، يشبه في عمله دوائر العرض وخطوط الطول. هذا الخط غير موجود عملياً، لكن له أهمية بالغة في تحديد معالم النظام الدولي، بحيث يحدد حدود المخاطر التي لا يعدّ بعدها كما قبلها، فتعرض النظام في كازاخستان لخطر “الثورات الملونة” يعني تواجداً عسكرياً، وكذلك في بيلاروسيا (هنا، تبرز أهمية اتفاقيات الدفاع المشتركة كتلك التي أبرمت مع منغوليا في العام 1936!). اندلاع حرب بين أرمينيا وأذربيجان يعني قوات روسية ستتواجد لفضِّ الاشتباك وفق ما يحفظ مصالحها في القوقاز. أمّا انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى “الناتو”، فيعني الحرب!
الردع المسبق والأمن الوقائي من قبل موسكو في المجال السوفياتي الجغرافي السابق يهدفان إلى تعطيل أي خططٍ هجومية من قبل الخصوم. ولعلّ التطورات الأخيرة في أوكرانيا وكازاخستان أدخلت روسيا فعلاً في مرحلة “الفترة الأولى من الحرب”. وفي هذه المرحلة، تبدو الدفاعات الروسية على الجبهة الغربية متماسكة ومستعدة، وكذلك الحال في آسيا الوسطى.
لم يعد المطلوب هو الزحف نحو برلين لردع الخطر (وإن كان “نورد ستريم 2” الذي يصل إلى ألمانيا غير بعيد عن مفهوم الردع الروسي)، لكن سيبقى مبدأ الزحف نحو مصدر الخطر قائماً وفق عقيدة الكرملين الحالية، فالعقيدة الأمنية في عهد بوتين قائمة على إعادة مفهوم الأمن في المجال الحيوي كما كان قائماً وقت الاتحاد السوفياتي، مع معالجة أخطاء “الفترة الأولى للحرب”.
هذا الأمر لا يتطلَّب “وحدة اشتراكية” بقدر ما يتطلَّب تعاوناً حيوياً بين روسيا والدول المحيطة فيها، والتي كانت سابقاً جزءاً منها، وهو ما تخشاه واشنطن وحلفاؤها، إذ تتخوف من أنّ موسكو لن تتسامح أبداً مع وجود أنظمة حكم في مجالها الحيوي معادية لها وموالية لـ”الناتو”. وهنا، الخوف من الحرب مبرر لدى سلطات الحكم في كييف ومن يدعمها إذا ما استمرَّت بسياساتها، وهذا ما لا تنفيه موسكو ولا تخفيه!
الميادين- عباس الزين
إضافة تعليق جديد