السينما الأميركيّة في بلاد العجائب
النظرة الأولى إلى حال السينما العالمية في العام الماضي، قد تبعث على التفاؤل. لكن سرعان ما نكتشف أن الأمور ليست كذلك تماماً. نعم، هناك أفلام جيدة، بل ممتازة. لكن عند الأخذ في الاعتبار الظروف التي يمر بها العالم حالياً من أزمات سياسية ومالية واجتماعية، نلاحظ أن السينما العالمية لم توفّق في تناول هذه المواضيع بطريقة مؤثرة. من أعمال تعالج هذه القضايا بسطحية أحياناً، إلى غياب النظرة النقدية الاجتماعية عموماً. وبالطبع، السينما الأميركية كانت أبرز من أخفق في تناول هذه الجوانب.
المراقب لحالة السينما الأميركية في السنوات الأخيرة سيلاحظ أنها تعيش نوعاً من الأزمة الفكرية. وأبرز من عبّر عنها كان الناقد الأميركي الاشتراكي ديفيد والش، مشيراً إلى وجود تغييب للعالم والافتقار إلى البعد النفسي في السينما الأميركية خلال الفترة الأخيرة. وعزا ذلك إلى الأزمة التي يعانيها المثقف الأميركي عموماً، والارتباك السياسي الأخلاقي في البلاد. هذا الفشل يبدو واضحاً إذا نظرنا إلى أهم الأفلام الأميركية في 2010، لنلحظ غياب أعمال سينمائية روائية تتناول بجدية الأزمة الاقتصادية المتنامية، والحروب في أفغانستان والعراق. ونلحظ أيضاً كما في العام الماضي نوعاً من النوستالجيا إلى الأفلام السياسية التي ازدهرت في السبعينيات مثل «الأميركي». ويبدو حقل الأفلام الوثائقية أكثر نشاطاً، متجهاً الى المواضيع الاجتماعية والسياسية، مثل Inside Job الذي يتناول الأزمة الاقتصادية بصورة جدية، وCollapse، وno impact man، وrestropo وغيرها.
لكن تبقى اتجاهات سينمائية أميركية ملحوظة تجارياً مثل الإقبال على استخدام تكنولوجيا الأبعاد الثلاثة بعد النجاح الذي حققه «أفاتار» في العام السابق. هكذا، شاهدنا خلال العام المنصرم أفلاماً أُنجزت بتقنية الـ 3D مثل «أليس في بلاد العجائب» لتيم بورتون، والجزء السابع من Saw وغيرهما. كذلك شهدت أفلام الأنيميشن نجاحاً تجارياً مثل الجزء الثالث من «قصة لعبة»، والاقتباسات الهوليوودية لقصص الكوميكس.
إذاً اللعبة الهوليوودية لم تتغير: تبقى التجارة همّها الأكبر ـــ وسط ميل أسطوري، منهجي إلى تسطيح العالم، واختزال الصراعات والعلاقات والقضايا لضرورات الاستعراض. ونلاحظ في هذا السياق استمرار تمويل المشاريع الكبيرة رغم الأزمة المالية، ما يبين أيضاً أولويّات هذه الآلة الضخمة التي ينبغي أن تواصل دورها تجاريّاً وأيديولوجيّاً.
أوروبياً، قد تبدو الحالة السينمائية أفضل، وقوائم النقاد تحوي في معظمها أفلاماً أوروبية، رغم أنّ الأزمة المالية قد أثرت بقوة على التمويل، كما خُفض الإنفاق في معظم المهرجانات. في إيطاليا، تظاهر الفنانون في افتتاح «مهرجان روما السينمائي» احتجاجاً على خطط حكومة بيرلوسكوني لخفض ميزانيّة الدولة في مجال الفنون، كذلك قُلِّصت الميزانيّات الخاصة بالفنّ السابع في هنغاريا وأيسلندا وإيرلندا وهولندا وإسبانيا.
أما في بريطانيا، فقد عمّ نوعٌ من الخوف والفوضى بعد إعلان الحكومة البريطانية الجديدة نيتها لقطع التمويل عن «المجلس السينمائي البريطاني» تمهيداً لإغلاقه. علماً بأنّ هذا المجلس يمثّل العمود الفقري للسينما في بريطانيا.
لكن «المعهد البريطاني للسينما» أعلن أخيراً أنه أصبح الهيئة المخولة التي تحكم سياسات السينما في بريطانيا، ما أنقذ الوضع إلى حد ما. في فرنسا، نوت الحكومة الفرنسية استخدام أرباح الهيئة الوطنية للسينما CNC للإسهام في تغطية ثُغر أخرى في الميزانيّة. لكن التوقّعات الفرنسية عموماً هي أن الوضع السينمائي في البلاد لن يتأثر كثيراً. وفي ألمانيا الأقل تأثراً بالأزمة، فإن الصناعة السينمائية في ازدهار، بتوفير الدعم الحكومي وبتكاليف إنتاج منخفضة، مع تقديم الإغراءات لمخرجين عالميين للتصوير في برلين وما حولها.
وبين أبرز الأفلام التي انتجت في عام 2010، نذكر في أميركا فيلم «الشبكة الاجتماعية» لديفيد فينشر الذي تناول للمرة الأولى سيرة مؤسّس موقع «فايسبوك»، وInside Job لتشارلز فيرغسون، وWinter’s Bone لديبرا غرانيك، و«الأطفال بخير» لليزا تشولودينكو، و«البجعة السوداء» لدارين أرونوفسكي.
ونتوقّف عند «العم بونمي يتذكّر حيواته السابقة» الفيلم التايلاندي المميز الذي نال سعفة «كان» الذهبية، والوثائقي البريطاني «مخرج عبر متجر الهدايا» لفنان الغرافيتي بانكسي، و«الكاتب الشبح» لرومان بولانسكي، و«عام آخر» لمايك لي، و«خطاب الملك» لتوم هوبر.
صعود التنين الآسيوي
بعكس نظيرتيها الهوليووديّة والأوروبيّة، بدت عوالم النهضة على السينما الآسيويّة، ما جعلها نجمة العام تقريباً. في كوريا الجنوبية، لا تزال الصناعة السينمائية في تحسن مستمر، نتيجة الدعم الحكومي المتزايد، بميزانيات معقولة وإنتاج جيد وحضور جماهيري واسع. فوز التايلاندي أبيشاتبونغ ويراسيثاكول بالسعفة الذهبيّة لمهرجان «كان» عن شريطه «العم بونمي يتذكر حيواته السابقة»، جاء ليكرّس الحضور الآسيوي على الساحة العالميّة. في الصين، لا تزال الإيرادات السينمائية تتزايد، إلا أن الإقبال الجماهيري في اليابان يشهد انخفاضاً مستمراً. وبينما حافظت الإنتاجات البوليوودية على انتشارها، لا تزال باكستان تعاني أزمة إنتاج شديدة. بإنتاج تسعة أفلام فقط خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تبدو المنافسة مع الهند مستحيلة، ما دفع بالحكومة الباكستانيّة إلى فرض ضرائب على الأفلام الأجنبية.
يزن أشقر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد