الصحافي الفرنسي باتريس بارات: الإعلام الأميركي يفرض نموذجه على العالم
وفي حوار مع جريدة الشرق الأوسط تحدث الصحافي الفرنسي باتريس بارات عن ما لا يحترمه أبداً لدى بعض الصحافيين الأمريكيين، وعن تولي الإعلام الأمريكي عملية تنميط العالم، كما تعرض للمشكلة الإعلام العربي التي تكمن في الممنوعات السياسية وليس في التمويل،
الجمل اقتطفت أجزاء من هذا الحوار مع صحفي بدأ مسيرته المهنية الإعلامية منذ عام 1976، تنقل بين الصحف والاذاعة والتلفزيون، عمل في تغطية الحروب التي شهدتها المناطق الساخنة، في فيتنام والجزائر وبيروت وكوسوفو وساراييفو وغيرها. قبل أن يتحول الى مخرج ومنفذ للافلام الوثائقية:
> من خلال طرحك يبدو انك تعكس نموذجا للصراع بين المدرسة الاروربية، والفرنسية تحديدا بقيمها وعراقتها، والمدرسة الاميركية الطاغية على الاعلام ؟
ـ انا ابن الثقافة الفرنسية. الامر صحيح، لكنه لا يقتصر على هذا الموروث فأنا تجولت كصحافي في انحاء العالم واطلعت على ثقافات متعددة. ربما في داخلي تتصارع الافكار المتولدة من مرحلة ستينات وسبعينات القرن الماضي. ولكني احترم كثيرا الثقافة الاميركية التي تعرفت اليها في تلك المرحلة. لكن ما لا احترمه ابدا لدى بعض الصحافيين الاميركيين هو فرض ما ترافق مع التطور الفكري الاميركي وموجة العولمة على الشعوب الاخرى. سواء لجهة المنطق القائم على حرية السوق والرؤية الاميركية للعالم وتولي مسؤولية انقاذ الكوكب. لا يمكن سوق الشعوب بعصا واحدة، واعتبار ان الثقافة الاميركية متفوقة على غيرها ليس مقبولا لانه يسبب ازمات وصراعات. الصحافة الاميركية تفرض نموذجها الاقتصادي المتعدد الجنسيات والقائم على الاعلانات والبترول على العالم بأسره. بحيث بات يصعب طرح بعض الملفات التي تؤثر على مصالح المتولين الذين يملكون وسائل الاعلام. لذا بالنسبة الي لا يقتصر الامر على خلفيتي الثقافية وانما على ما اشهده من ازمة ضمير.
> هل تشعر بان النموذج الاعلامي الاميركي يهدد مهنتك وقيمك؟
ـ دور الاعلام في جميع انحاء العالم وبنسبة كبيرة هو سحق الثقافات واحداث الانقسام بين الشعوب. لا أحب هذه الوظيفة للاعلام. لا سيما عندما يتولى الاعلام الاميركي عملية تنميط الفكر البشري ليصير استنساخاً من دون خصوصية. لا أجد وسيلة اعلامية محلية او عالمية تعمل على تأسيس عميق. مثلا في لبنان هناك نسخ لما يقدمه الاعلام العالمي من برامج سوقية لا تناسب القيم والافكار اللبنانية، ما يدفع اي انسان لديه وعيه واقتناعاته الى الشعور بالحرج من الانتاج اللبناني التلفزيوني، باستثناء البرامج الحوارية السياسية. والامر مقلق لان وسائل الاعلام تهمل كل ما له علاقة بالثقافة المحلية للبلد الذي تنتمي اليه. الى جانب هذا نلاحظ نشوء مشاريع اعلامية تعود الى اصحاب النفوذ وبالتالي بعد عدة اعوام سيكون لدينا من وسائل اعلام مبتذلة من جهة. ومن جهة ثانية وسائل اعلام مستزلمة، وظيفتها ترويج اصحابها، ولن يعود لدينا اعلام ديموقراطي متوازن ومنفتح. هذا ما يخيفني. واحد من المشاريع التي اسعى اليها هو وسيلة اعلامية عالمية منفتحة لتواجه الاعلام المستزلم.
> عملت في لبنان خلال الاجتياح الاسرائيلي وفي حرب البلقان في ساراييفو وفي رام الله وحرب الخليج، الى اي حد مسموح للصحافي بمعايشة الخطر في سبيل مهنته، لا سيما بعد سقوط العديد من الصحافيين في ساحات الصراع؟
ـ هذه نقطة صعبة. انا اطرح الامر كل مرة اقترب فيها من الخطر، لا اريد ان القى مصير بعض اصدقائي. اعرف ان الامر مثير اكثر من الغرق في الحياة العادية وروتينها. لكن في المقابل هناك تعقيدات تبرز خلال معايشة الخطر ومشاركة الذين يعيشون تحت رحمة الحرب. كنت اشعر كأني اقدم لهم الدعم والمساندة والمواساة وارفع معنوياتهم. للامر تداعياته الاخلاقية الايجابية وكذلك المهنية، لأن وسائل الاعلام تفضل التغطية الميدانية. ولكن الغريب اني عندما اغادر بلدا عاش الحرب، اذا حدث فيه اضطراب مرة ثانية، اسأل نفسي هل استطيع العودة ام لا؟ انا لا استطيع، ليس بسبب التخاذل، وانما لاحساسي بأني لا استطيع ان اقدم شيئاً جديدا على الصعيد نفسه. فأنا افضل ان ابحث عن مواضيع جديدة بعيدا عن التكرار.
> ما هي هذه المواضيع التي ترغب في طرحها بعد معايشتك لأهم احداث العالم؟
ـ حلمي على صعيد التلفزيون ان أقنع الفضائيات العربية بانتاج افلام وثائقية. هناك نقص كبير في هذا المجال حتى على القنوات الاخبارية، على رغم وجود كفاءات جيدة في العالم العربي. لا اعرف لماذا تهمل هذه القضية. فالعمل الوثائقي هو وسيلة عميقة للتعريف بالمجتمعات العربية وبصورة افضل مما تفعله برامج مثل «ستار اكاديمي» وغيرها من البرامج التي تسحق الثقافة المحلية. والعلة لا ترتبط بالتمويل وانما بالممنوعات السياسية.
عن الشرق الأوسط بتصرف
إضافة تعليق جديد