الصراع السني- الشيعي في أجندة الاحتلال الأمريكي
الجمل: تحدثت وسائل الإعلام الأمريكية والغربية عن (مغادرة) مقتدى الصدر للعراق، وعن (هروبه)، وفي كل مرة كان الزعيم الشيعي الشاب يظهر أمام أنصاره في جنوب العراق، ويقول شهود العيان من مراسلي وصحفيي الإعلام الغربي نفسه بأن التجمعات الجماهيرية التي كانت تحتشد وتلتف حول مقتدى الصدر كان حجمها يكبر ويزداد باستمرار.
• شيعة العراق والوطنية العراقية:
التنوع الوطني الشيعي- السني، ليس حالة عراقية، بل هو ظاهرة اجتماعية مذهبية إسلامية تنتشر في معظم دول المشرق العربي، وإن كان انتشارها متفاوت الدرجة والشدة.
التطور الوطني العراقي لم يكن تطوراً تنفرد فيه فئة أو طائفة على الأخرى، فقد كان السنة والشيعة والأكراد العراقيون مع بعضهم البعض في مجرى التطور الوطني السياسي العراقي، في فترة النضال التحرري ضد الاستعمار البريطاني.
أما على الصعيد الاجتماعي فإن العلاقات البينية الشيعية- السنية- الكردية لم تكن علاقات بينية وحيدة الاتجاه تقوم على أساس اعتبارات البرامج والشعارات الوطنية، وإنما كانت علاقات تمضي في اتجاه عملية التكامل الوطني الاندماجي، وذلك على النحو الذي أبرز الكثير من الشواهد والأمثلة الحقيقية للتفاعل الإنساني- الحضاري الذي كان يجري على الواقع الميداني العراقي، بحيث أصبح هناك أكراد سنة وأكراد شيعة، مثلما هناك عرب سنة وعرب شيعة. وتقول الجغرافيا الإقليمية العراقية بوجود الكثير من المناطق المختلطة: مناطق عربية- كردية، مناطق شيعية- سنية... وهلم جرا.
ولم يتوقف الاندماج والاختلاط على أساس اعتبارات الخطوط الشكلية الوصفية، بل أصبحت هناك الكثير من العائلات والأسر العراقية، المختلطة والتي لا تنتمي لغير الهوية الوطنية العراقية.
برغم عمليات الاختلاط والتعبئة المحلية والحراك البيني- العراقي، ظل السكان العراقيون الشيعة يمثلون حوالي 65% من إجمال الشعب العراقي، وهي حقيقة اجتماعية وظاهرة اجتماعية لها جذورها التاريخية المرتبطة بتكوين العراق وتداخل جنوب العراق، ليس مع إيران الشيعية، وإنما مع بلدان الخليج العربي التي يمثل السكان الشيعة جزءاً كبيراً من تكوينها الديمغرافي.
لم يحدث أن طالب الشيعة العراقيون بدولة شيعية منفصلة، ولم يكن لديهم أي مشروع شيعي انفصالي، وظلوا ومازالوا أكثر تمسكاً بمشاعر وروح الانتماء الوطني العراقي.
• التكامل الوطني الاندماجي العراقي وإشكالية التنميط الأمريكي:
لم يخطئ الشعب العراقي، فالشعوب لا تخطئ، ولكن أخطأت الأنظمة العراقية كثيراً، عندما عمدت إلى تسييس الهياكل الاجتماعية العراقية، وإسقاط عمليات التسييس الطائفي والإثني على الصراعات حول السلطة والثروة بين القوى الحاكمة والقوى المعارضة، وعلى سبيل المثال عندما دارت الخلافات بين نظام الرئيس الراحل صدام حسين وإيران حول خط تقسيم الحدود المائية بمنطقة شط العرب المتنازع عليها عمد نظام صدام حسين إلى توجيه (ضربة وقائية) ضد شيعة جنوب العراق، وعندما انفجرت الثورة الإسلامية الإيرانية التي استأصلت الوجود الأمريكي والإسرائيلي من إيران، عمد صدام حسين إلى توجيه (ضربة وقائية) مرة ثانية ضد شيعة جنوب العراق، وبرغم كل تلك (الضربات الوقائية) ظل شيعة جنوب العراق يقفون على الخطوط الأمامية في الدفاع عن العراق في الحرب العراقية الإيرانية. وتقول المعلومات بأن حزب البعث العراقي خلال فترة حكم صدام حسين كان أكثر من 65% من أعضائه من الشيعة، وبأن الجيش العراقي في فترة صدام حسين كان حوالي 68% من عناصره من الشيعة.. وبرغم ذلك تزايدت حدة التنميط والتنميط المضاد بعد الغزو والاحتلال الأمريكي، بحيث أصبح متطرفو الشيعة يصفون نظام صدام بأنه سني وحزب البعث بأنه سني، والجيش العراقي السابق بأنه سني، دون الانتباه للتساؤل القائل: كيف تكون كل تلك الأجهزة سنية وفي الوقت نفسه يغلب على عناصرها الطابع الشيعي.. أو بكلمات أخرى: هل بنى صدام حسين نظام سني بعناصر شيعية!؟
وحالياً تزايدت تداعيات التنميط والتنميط المضاد، فأصبح الشيعة العراقيون يحملون السنة تبعات وأخطاء النظام السابق، وبالمقابل أصبح السنة العراقيون يحملون الشيعة تبعات وأخطاء دعم قوات الاحتلال الأمريكي، وبعد أن أكمل البنتاغون مشروع الحرب النفسية داخل العراق، أصبحت الإدارة الأمريكية أكثر اهتماماً بنقل عدوى معطيات الصراع السني – الشيعي عبر الحدود إلى منطقة الجوار الإقليمي، وذلك عن طريق نوعين من التبعية:
- اتهام سورية والسعودية بدعم السنة العراقيين.
- اتهام إيران بدعم الشيعة العراقيين.
- تجميع الدول العربية السنية في تحالف ضد إيران وشيعة العراق.
- محاولة التفريق بين سورية وإيران.
وعلى الجانب الآخر، واصلت الإدارة الأمريكية والبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، العمل من أجل حشد وتعبئة الأكراد العراقيين (أي الأكراد السنة والأكراد الشيعة) من أجل المضي قدماً في السيطرة على مناطق النفط، واتخاذ الخطوات التي تمهد لانفصال إقليم كردستان.
• الحرب النفسية الأمريكية- الإسرائيلية والتغذية العكسية الشيعية العراقية:
المقاومة البطولية التي خاضها حزب الله اللبناني كانت تداعياتها غير محدودة حصراً ضمن دائرة الصراع اللبناني- الإسرائيلي، وإنما امتدت إلى جنوب العراق، وكان الأمريكيون يظنون أن تحالفهم آنذاك مع الحركات الشيعية العراقية سوف يجعل حزب الله الشيعي اللبناني يقف منفرداً ومنعزلاً في مواجهة الجيش الإسرائيلي، ولكن جاءت المفاجأة، عندما أدركت استخبارات الأمريكية –في وقت متأخر- أن شيعة جنوب العراق يقفون تماماً إلى جانب شيعة جنوب لبنان، وكانت هذه الواقعة أول شرخ في جدران استراتيجية الإدارة الأمريكية في العراق.
التطور الثاني تمثل في تراجع حدة الصراع الشيعي- السني، وفشل سيناريو الحرب الشيعية- السنية، وظهور بدايات الانسجام والتوافق السني- الشيعي حول ضرورة خروج أمريكا من العراق، وبروز الزعيم مقتدى الصدر كصوت يطالب بالتمسك بوحدة العراق والعراقيين، وإعلان استعداده لتكوين وحدات مقاومة مسلحة سنية- شيعية تعمل جنباً إلى جنب في مقاومة الاحتلال، وأيضاَ المساعدة في الدفاع عن أراضي شمال العراق إذا تعرضت للغزو والاحتلال التركي.
• المقاومة العراقية والانعطافة الجديدة في التكامل الوطني الاندماجي:
فشل مشروع الجنرال بتراوس قائد القوات الأمريكي الحالي في العراق، أصبح أكثر من واضح، وقد بدأت الكثير من مراكز الدراسات الحديث عن موضوع الانسحاب الأمريكي من العراق.
تقول المعلومات: إن أبرز مؤشرات استئناف عملية التكامل الوطني العراقي لمسيرتها التاريخية تتمثل في الآتي:
- رفض العراقيون لإجازة وتمرير قانون النفط العراقي.
- تخلي الكثير من العراقيين عن العملية السياسية التي أطلقتها سلطات الاحتلال الأمريكي.
- تزايد معدلات الصراع المسلح بين الشيعة العراقيين والقوات الأمريكية.
- تزايد الخلافات بين الأطراف الكردية بحيث أصبحت هناك أغلبية شيعية كردية ترفض مشروع الانفصال وتطالب بالاكتفاء بمنطقة الحكم الإقليمي، وذلك على أساس اعتبارات أن الحقوق التي ظل أكراد العراق يطالبون بها هي حقوق ثقافية بالدرجة الأولى وليست حقوقاً اثنية عنصرية انفصالية.
وعموماً: إن اندماج المقاومة العراقية ووحدتها هي أمر قادم لا محالة، مهما طال أمد الاحتلال العسكري الأمريكي، وهو ما تؤكده خبرة مقاومة الشعوب للحكم الأجنبي، وكل ما يجري الآن هو المراحل الختامية التي تسبق سيناريو وحدة المقاومة. وبالنسبة لجنوب العراق ماتزال الخلافات بين التيار الصدري التابع لمقتدى الصدر، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية التابع لعبد العزيز الحكمي تؤثر على وحدة الشيعة العراقيين، والشيء نفسه بالنسبة لحركات المقاومة السنية العراقية الموجودة في وسط العراق. أما بالنسبة للحركات الكردية، فإن الضغوط القادمة التي تتمثل في التدخل التركي المدعوم إيرانياً، والمصحوب بتخلي أمريكا وإدارة ظهرها لمحور البرازاني- الطالباني، سوف تؤدي في النهاية إلى تعزيز الإدراك في الأوساط الشعبية الكردية بضرورة وحدة وسلامة أمن واستقرار العراق العربي أولاً وقبل كل شيء.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد