الصراع على تركيا
الجمل: على خلفية الصراع التركي – التركي حول السلطة، بين أنصار حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، وأنصار حزب الشعب الجمهوري التركي العلماني المعارض وحلفاءه، بدأت تصعد إلى السطح الكثير من التساؤلات التي لم تعد تكتفي بمحاولة التكهن حول من من القوى السياسية التركية سيصعد إلى السلطة، وإنما بإثارة المزيد من التساؤلات حول مستقبل تركيا الاستراتيجي في النظام الدولي الجديد الذي بدأ أكثر اضطراباً بسبب خلافات القوى الكبرى وتزايد الشكوك واللايقين حول مدى قدرة الولايات المتحدة في فرض سيطرتها على النظام الدولي.
* تركيا على بوابة الخيارات الاستراتيجية:
من الواضح الآن أن الساحة التركية تشهد تجاذباً بين طرف يسعى من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وطرف آخر يسعى إلى إدماج تركيا ضمن بيئتها الإقليمية الشق أوسطية، هذا والفرق بين خيار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وخيار الاندماج في البيئة الشرق أوسطية هو مثل الفرق بين الحلم والواقع خاصةً وأن حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ما زالت مفوضية الاتحاد الأوروبي تدفع باتجاه تبديده وجعله صعباً إن لم يكن مستحيلاً بعكس دول الشرقين الأوسط والأدنى، والتي تعمل باتجاه مساعدة الأتراك باتجاه القبول بالأمر الواقع والحقيقة الموضوعية الجيو-سياسية القائلة بأن تركيا ستظل إلى الأبد جارة لسوريا والعراق وإيران وليس لألمانيا والسويد والنرويج.
* المنظور لمستقبل تركيا:
يتميز المنظور الأوروبي لمستقبل تركيا بالازدواجية فعلى الصعيد المعلن تبدي النخب الحاكمة الأوروبية ومفوضية الاتحاد الأوروبي مشاعر القبول من حيث المبدأ لانضمام تركيا إلى الاتحاد، ولكن على الصعيد غير المعلن تقوم هذه النخب بابتكار المزيد من العراقيل التي تمنع هذا الانضمام. الرفض لعضوية تركيا في الاتحاد سببه وجود الكثير من العوامل والمحفزات التي يأتي في مقدمتها:
• تأثير العامل اليوناني الذي يستخدم ملف انضمام تركيا كوسيلة لتصفية الخلافات التركية - اليونانية.
• تأثير العامل الديني الذي يستخدم وجود الأغلبية السكانية الإسلامية التركية كذريعة إثارة مزاعم أن إدماج الشعب التركي ضمن الشعوب الأوروبية المسيحية سيترتتب عليه المزيد من الاضطرابات وعدم استقرار العلاقات المجتمعية البينية الأوروبية.
• تأثير العامل الإثنو-ثقافي الذي يستخدم الموقف النفسي – السيكولوجي التعبوي القائم على نزعة المركزية الأوروبية والتفوق الغربي.
• تأثير العامل الإسرائيلي الذي يعمل من تحت السطح لمنع تركيا من الانضمام للاتحاد الأوروبي وذلك لمنع حدوث أي تعايش حقيقي بين المسلمين والمسيحيين في الساحة الأوروبية، خاصةً أن مثل هذا التعايش سيؤدي إلى تقويض الأساس الزائف للعلاقات اليهودية – المسيحية التي ظل اليهود يمارسون عن طريقها الضغط على العقل المسيحي الأوروبي بشقيه الكاثوليكي الأوروبي الجنوبي والبروتستانتي – الأنجليكاني الأوروبي الأوسط والشمالي.
* منظورات الأطراف الثالثة:
بسبب أهمية موقعه تركيا في حالة تصاعد الحرب الباردة مرة أخرى بين روسيا وأمريكا، فإنها تمثل قاعدة هامة المزايا الجيو-سياسية لمكن يستطيع السيطرة عليها.
• المنظور الأمريكي: يرى الأمريكيون بأن تركيا تتميز بالمزايا الآتية:
- القيام بدور المستضيف للقواعد العسكرية الأمريكية.
- القيام بدور الحليف الذي يقدم العناصر البشرية ويتيح المرور لمناطق الشرقين الأوسط والأدنى وآسيا الوسطى والقوقاز والخليج العربي.
- القوة الإقليمية القادرة على ردع تمدد النفوذ الإيراني.
- بوابة الحصار التي يمكن أن تخنق روسيا.
- المنفذ الإقليمي الوحيد الآمن أمام الإسرائيليين.
وعلى هذه الخلفية يعمل الأمريكيون على الاحتفاظ بتحالف أنقرة – واشنطن، ومحاولة ربطه بتحالف واشنطن – تل أبيب وفي الوقت نفسه تستخدم الولايات المتحدة استراتيجية المسارين إزاء تركيا:
-على الصعيد المعلن تؤكد واشنطن عن دعمها وتأييدها لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
- على الصعيد غير المعلن وتحديداً نافذة علاقات عبر الأطلنطي تقف الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين على عرقلة انضمام تركيا إلى الاتحاد.
وعلى خلفية هذا الخطاب الأمريكي المتضارب والمتعاكس إزاء تركيا تحاول الولايات المتحدة تعليق انضمام تركيا بما يجعل تركيا في حاجة ماسة للدعم الأمريكي الأمر الذي يسهل ابتزازها من قبل واشنطن وتل أبيب.
• المنظور الروسي: تدرك موسكو أن إبعاد أنقرة عن واشنطن سيؤدي إلى قلب ميزان القوى العالمي، إضافة إلى أنه سيكون بمثابة الإعلان الواضح عن انتهاء الهيمنة الأمريكية وحالياً تحاول روسيا إقناع أنقرة بما يؤدي إلى دفعها لإعادة النظر في توجهاتها إزاء واشنطن. هذا ومن أبرز وسائل موسكو الهادفة إلى إغراء تركيا نجد الآتي:
- إن مصلحة تركيا تتمثل في أن تقوم بدور المنصة الرئيسية التي تقوم بتصدير النفط والغاز في العالم ولن يتحقق ذلك إلا إذا قررت موسكو وحلفائها في آسيا الوسطى والقوقاز تمديد خطوط أنابيب النفط والغاز عبر الأراضي التركية.
- إن مصلحة تركيا تتمثل في أن تقوم بدور الميناء الذي يربط دول آسيا الوسطى والشرق الأدنى بالبحر المتوسط وهذا لن يتحقق إلا إذا دخلت تركيا في علاقات شراكة حقيقية مع إيران ودول آسيا الوسطى والقوقاز وروسيا.
المفارقة التحليلية بين المنظورين الأمريكي والروسي لمستقبل تركيا تشير بوضوح إلى أن المصالح التركية ستكون أكبر في حالة الاندماج في بيئتها الشرق أوسطية بينما في حالة المنظور الأمريكي فإن مصالح تركيا سوف لن تتحقق لأنها في هذه الحالة ستكون مضطرة إلى إدماج نفسها ضمن دائرة جدول أعمال السياسة الخارجية الأمريكية القائم على الأجندة الإسرائيلية وبالتالي ستكون تركيا قد اختارت لنفسها أن تكون ممراً للتوجهات العدوانية الإسرائيلية – الأمريكية وهو أمر لن يجلب لتركيا سوى القطيعة والعداوة والعزلة الإقليمية وفي نهاية الأمر سوف لن تحصل تركيا لا على عضوية الاتحاد الأوروبي ولا على إدماج نفسها ضمن بيئتها الإقليمية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد