الصراع على موريتانيا
الجمل: شهدت الساحة السياسية الموريتانية المزيد من الخلافات والصراعات السياسية خلال الفترة الماضية، ومن المعروف أن موريتانيا ظلت لفترة طويلة من أكثر البلدان العربية استقراراً من الناحية السياسية، فهل يا ترى دخلت موريتانيا دائرة الاضطراب السياسي.. أم أن الأمر هو مجرد عاصفة سياسية مؤقتة في طريقها للهدوء!؟
• معالم الصراع السياسي الموريتاني: ماذا تقول المعلومات؟
تفيد معطيات خبرة الصراع السياسي الموريتاني إلى تميز النظام السياسي الموريتاني بسمات وخصائص وضع الـ (استاتيكو) السياسي، ويتضح ذلك من خلال رصد عمليات تداول السلطة السياسية في موريتانيا:
- فترة حكم الرئيس ولد دادا: استغرقت 18 عاماً (1960- 1978م).
- فترة الحكم العسكري الأول: الانقلاب الأول بقيادة العقيد مصطفى ولد سالك، والانقلاب الثاني بقيادة العقيد محمد خونا ولد حايدالا ، واستغرقت هذه الفترة 6 أعوام (1978- 1984م).
- فترة حكم الرئيس ولد طايع: استغرقت 11 عاماً (1984- 2005م).
- فترة الحكم العسكري الثانية: استغرقت عامين (2005-2007م) تحت قيادة العقيد علي ولد محمد فال.
- فترة حكم الرئيس سيدي ولد شيخ عبد الله: استغرقت عاماً واحداً (2007م).
- فترة الحكم العسكري الثالثة: استغرقت عاماً واحداً (2008م) تحت قيادة العميد محمد ولد عبد العزيز.
بإلقاء نظرة تحليلية على عمليات تداول السلطة، نلاحظ وجود ثلاث فترات حكم عسكري استغرقت حوالي 6 سنوات، مقابل فترات حكم مدني استغرقت حوالي 40 عاماً، وبعملية حسابية بسيطة نتوصل إلى أن فترة الـ 49 عاماً الماضية، كان نصيب الحكومات المدنية 40 عاماً والعسكرية 9 أعوام، وهذا معناه أن 80% من إجمالي فترة الحكم كانت من نصيب المدنيين مقابل 10% تقريباً للعسكريين، وإضافة لذلك نلاحظ أيضاً أن فترة الـ 45 عاماً الممتدة من عام 1960 وحتى عام 2005م، قد شهدت قيام ثلاث حكومات موريتانية، بينما شهدت فترة الـ4 سنوات الممتدة من عام 2005م وحتى عام 2009 الحالي قيام ثلاث حكومات... وهذا معناه أن النظام السياسي الموريتاني قد بدأ الدخول عملياً في مرحلة الاضطرابات السياسية قبل أربع سنوات بدأ من عام 2005م الماضي
• الأزمة السياسية الموريتانية الحالية:
• بدأت هذه الأزمة بانقلاب عام 2008م، الذي نظمه وقاده العميد محمد ولد عبد العزيز، قائد قوات الحرس الوطني، ورئيس الأركان السابق للجيش الموريتاني، وتقول المعلومات بأن أسباب هذا الانقلاب تحمل من الطابع الشخصي أكثر من السياسي، وذلك لأن العميد محمد ولد عبد العزيز قد نفذ انقلابه في معرض رد الفعل الفوري لقرار الرئيس الموريتاني سيدي ولد شيخ عبد الله، بإقالة العميد محمد ولد عبد العزيز من منصبه العسكري..
واجهت الحكومة العسكرية العديد من المشاكل، وذلك بسبب الضغوط الفرنسية والأوروبية، إضافة إلى المعارضة السياسية الداخلية، وتحت تأثير الضغوط المتزايدة، أعلنت الحكومة العسكرية عن رغبتها في عقد انتخابات عامة موريتانية لاختيار الحكومة الجديد.
تم عقد الانتخابات العامة في 18 تموز (يوليو) 2009م الماضي، حيث جرت الجولة الأولى بحضور 200 مراقب دولي، والتي استطاع فيها العميد محمد ولد عبد العزيز أن يحقق الفوز بأغلبية بسيطة على بقية المرشحين..
هذا، وبسبب حصول المرشح العميد محمد ولد عبد العزيز على 52،58% (أي أكثر من 50% من الأصوات)، فإن جولة الانتخابات الثانية لم يتم عقدها طالما أن نسبة الأصوات التي حصل عليها الفائز في الجولة الأولى (52،58%) قد جعلت منها عملياً بلا معنى.
تزايد احتجاجات المرشحين المهزومين والقوى السياسية الداعمة لهم، وتقول المعلومات، بأن هذه الأطراف قد سعت إلى شن حملة واسعة تحت مزاعم عدم نزاهة عمليات فرز الأصوات وتباينت مواقف هذه الأطراف بين من يطالب بإعادة الانتخابات ومن يطالب بإعادة فرز الأصوات.
• سيناريو الأداء السلوكي المتوقع للأزمة الموريتانية: إلى أين؟
تبلغ مساحة موريتانيا مليون كيلومتر مربع، يعد إجمالي السكان حوالي 3.5 مليون نسمة، ويبلغ حجم الاقتصاد حوالي 6.3 مليار دولار، ويبلغ معدل دخل الفرد حوالي ألف دولار سنوياً، هذا، وعلى أساس الاعتبارات الاجتماعية، يتميز الشعب الموريتاني بقوة المشاعر الإسلامية والعربية، إضافة إلى عمق النزعة القبلية- العشائرية.
الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بالأساس موجودة في موريتانيا، ولكن الإضافة الجديدة لمسلسل الأزمات، تمثلت في الأزمة السياسية والتي سوف تنضم إلى سابقاتها مكونة مثلث الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية- السياسية، وذلك على النحو الذي سوف يشهد قريباً تكامل هذه الأزمات ضمن مجرى الأزمة الموريتانية العامة القادمة.. والتي بلا شك سوف تكون "أزمة موحدة القوام"..
• المعطيات الجديدة في خارطة طريق الأزمة الموريتانية يمكن ملاحظتها في الوقائع الآتية:
- تزايد حالة الانقسام السياسي، بين النخب السياسية الموريتانية.
- تزايد حالة الاستقطاب السياسي في أوساط الرأي العام الموريتاني.
- تزايد عمليات التعبئة السياسية الفاعلة السلبية في أوساط الفئات والشرائح الاجتماعية الموريتانية.
- تزايد تدخلات القوى الخارجية وعلى وجه الخصوص التدخل الفرنسي- التدخل الإسرائيلي- التدخل الأمريكي، لجهة توظيف الموقع الجيوستراتيجي الهام لموريتانيا، إضافة إلى السيطرة على الموارد النفطية والمعدنية الموريتانية.
- تزايد تواطؤ النظام الملكي المغربي لجهة السعي لإضعاف موريتانيا وعدم السماح لها ببناء قدراتها الوطنية على النحو الذي يفوق استراتيجية النظام الملكي الرامية إلى ضم الصحراء الغربية وفرض التبعية على موريتانيا..
بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، وتولي الرئيس محمد ولد عبد العزيز رسمياً السلطة، شهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط انفجاراً قوياً استهدف السفارة الفرنسية.. وبعد ذلك مباشرة أعلن أبو مصعب عبد الودود زعيم تنظيم القاعدة في المغرب العربي مسؤولية القاعدة عن الانفجار.
عندما نفذ العميد محمد ولد عبد العزيز انقلابه في عام 2008م، ضد الرئيس السابق سيدي ولد شيخ عبد الله، أعلن تنظيم القاعدة في المغرب العربي، مطالباً بضرورة استهداف الحكومة العسكرية الموريتانية الجديدة، وتشير التوقعات إلى أن تنظيم القاعدة في المغرب العربي سوف يحصل على المزيد من الدعم الشعبي في موريتانيا، وذلك بسبب عمق المشاعر الدينية، إضافة إلى تزايد مشاعر العداء الشيعي الموريتاني لفرنسا.. باعتبارها المسئولة عن تدهور الأوضاع الموريتانية، إضافة إلى قيام باريس بتقديم المساعدة للنظام الملكي المغربي فيما يتعلق بملف أزمة الصحراء الغربية.
من الصعب على نظام الرئيس الجديد محمد ولد عبد العزيز القيام بتقديم التنازلات لفرنسا وللنظام الملكي المغربي لأنه سوف يصطدم بالمعارضة الشعبية، وفي الوقت نفسه من الصعب على هذا النظام التخلي عن الروابط مع المغرب وفرنسا.. وذلك لأن مصير التنمية الاقتصادية وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشرة وغير المباشرة تأتي عبر نافذة محور الرباط- باريس.. وهي النافذة ذاتها التي سبق وأن تسللت عبرها إسرائيل إلى الساحة السياسية الموريتانية.. مما أتاح لتل أبيب إقامة سفارتها في العاصمة الموريتانية نواكشوط.
الجمل: قسم الترجمة والدراسات
إضافة تعليق جديد