الصهر الضال: جاريد كوشنر وصعود المحافظين الجدد في إدارة ترامب
الجمل- بقلم: Whitney Webb- ترجمة: وصال صالح:
على الرغم من وعود ترامب بعدم التدخل أو في تغيير "النظام" في سورية، يبدو ان كوشنر حقاً هو "الباب الخلفي للمحافظين الجدد" في إدارة ترامب.
في أعقاب التصعيد الجذري للتورط الأميركي في سورية مؤخراً، تساءل العديد من مؤيدي الرئيس المهرولين لدعمه، لماذا -الرئيس الأميركي الذي عارض مرة التدخل في سورية –اتخذ قراراً كان يليق أكثر بمنافسته هيلاري كلينتون، وبعد فترة وجيزة، بدأت التقارير تتحدث عن تأثير ابنته إيفانكا التي أقنعت والدها بإطلاق 59 صاروخاً على سورية بعد الهجوم الكيميائي المزعوم وانها شعرت "بالحزن" و"الغضب" بعد هجوم الغاز –الحدث الذي لم يتم تأكيده بعد من قبل محققين مستقلين لا ينتمون للمعارضة "المتمردة".
لناخذ الرواية على علاتها، فرضية أن يقصف رئيس دولة ذات سيادة بسبب ردود الفعل العاطفية لابنته تجاه الصور المأساوية غير المؤكدة، يبدو أمراً سخيفاً –لكن أن تكون إيفانكا أقنعت والدها بشن هجوم على سورية فهذا من المحتمل أن يكون صحيحاً بسبب العلاقة القوية لها ولزوجها جاريد كوشنر مع حكومة أجنبية هي إسرائيل، التي تدعم بقوة تغيير"النظام" في سورية.
من المثير للاهتمام أنه في الأيام والأسابيع القليلة التي سبقت الهجوم الأميركي على سورية، ظهرت الكثير من المؤشرات على مشاركة كوشنر في تحديد المناصب والتعيينات في إدارة ترامب بهدف إجراء تغييرات جذرية في سياسته في الشرق الأوسط، وكان بارزاً زيارة كوشنر للعراق في مطلع نيسان بدعوة من رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد، حيث التقى بالقادة العراقيين وكبار المستشارين الأميركيين، وقام بزيارة القوات الأميركية في الميدان للإطلاع على عمليات مكافحة داعش في العراق وسورية.
وقتذاك أشار الكثيرون إلى أن كوشنر زار العراق قبل وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ما دعا البعض لتسمية كوشنر ب"دبلوماسي الظل". أيضاً من الجدير بالاهتمام الإطاحة المثيرة للجدل بكبار مستشاري ترامب الاستراتيجيين ستيف بانون من منصبه في مجلس الأمن القومي (NSC ) حتى بعد أيام قليلة من الانقلاب الكبير في موقف إدارة ترامب تجاه سورية، بالمناسبة، بعد اسبوع فقط من إبعاد بانون من الأمن القومي شاع أن ذلك يعود لخلاف شديد بينه وبين كوشنر، ما يثبت أن تأثير كوشنر –صهر ترامب- على الإدارة أكثر بكثير مما كان يُعتقد سابقاً، وبينما الأمر لا يزال غير معروفاً بالضبط لماذا اختلف كوشنر مع بانون، يبدو هذا من خلال التغيير الجذري في سياسة "الأمن القومي" وقد حدث في وقت لاحق ما يؤكد ذلك.
بينما كان بانون معارضاً للحرب ومعادياً لإسرائيل، يبدو التزام كوشنر بالصهيونية المتطرفة وأفكار المحافظين الجدد وهذا جعله على خلاف مع بانون –الذي يعتبر نفسه "شعبي" بخلاف كوشنر، في الواقع كان كوشنر -حتى عام 2012- مؤيداً أساسياً للديمقراطيين، مثل والده، الفاسد المعروف تشارلز كوشنر، وتبرع بآلاف الدولارات للديمقراطيين أمثال هيلاري كلينتون وتشارلز شومر.
إسرائيل أولاً
مع ذلك، لا مشكلة لدى كوشنر في تغيير الأحزاب نظراً لميوله السياسية التي أظهرها فيما يتعلق بقضية واحدة فقط –إسرائيل- ، في عام 2012 كان كوشنر يدعم بقوة إسرائيل، بشكل خاص اليمين المتطرف الإسرائيلي، وهذا ادى به في نهاية المطاف إلى رفض الحزب الديمقراطي ودعم ترشيح ميت رومني. دعم كوشنر لإسرائيل لا يتزعزع وهو واضح، حيث تكشف خلفيته، باعتباره نشأ لعائلة صهيونية ثرية والتقى بسياسيين إسرائيليين كبار من بينهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما كان في سن المراهقة، آنذاك أشرف كوشنر على تمويل عائلته لمؤسسة "خيرية"و تبرع بالآلاف للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، بالإضافة إلى آلاف أخرى ل "قوات الدفاع الإسرائيلية". من بين تلك التبرعات 20 ألف دولار في عام 2013 من أصدقاء أميركا بيت إل شيفا التي تدعم واحدة من أكثر المستوطنات الغير قانونية والأكثر تطرفاً في الضفة الغربية، رئيس هذه المنظمة هو ديفيد فريدمان الذي كان محامي عقارات ترامب على مدى السنوات الماضية وتم اختياره من قبل إدارة ترامب ليكون سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل، ومن الملاحظ أن فريدمان معارض لحل الدولتين، ويشاركه كوشنر الرأي، هذا وفقاً للصحفي روبرت باري وآخرون.
مع عقلية كوشنر "إسرائيل أولاً" من الواضح التزامه بالصهيونية، لذلك من غير المستغرب أن يدفع كوشنر وزوجته إيفانكا لنهج مختلف في سورية بما يخالف وعود ترامب خلال انتخابات 2016، قبل أسابيع فقط من القصف الأميركي لسورية، انتهكت إسرائيل مرة أخرى المجال الجوي السوري وقصفت أهدافاً على الأراضي السورية، وتم إسقاط طائرة إسرائيلية من قبل قوات الدفاع الجوي السورية، على الرغم من كون إسرائيل الطرف المعتدي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي آفيغدور ليبرمان لإذاعة إسرائيلية في 19 آذار أنه "في المرة القادمة، إذا ما رد جهاز الدفاع الجوي السوري ضد طائراتنا، سندمره، لن نتردد، أمن إسرائيل فوق كل شيء آخر، لن يكون هناك حل وسط".
تغيير "النظام" في سورية
في حين لا يزال من غير الواضح لماذا يشكل دفاع سورية عن مجالها الجوي الخاص تهديداً لأمن إسرائيل، إلا أنه جدير القول أن الدولة السورية حققت في الآونة الأخيرة مكاسب ضد المعارضة "المتمردة" بشكل خاص أولئك المدعومين من قبل إسرائيل والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، الذي شجع تلك الدول الأجنبية للعمل من أجل حماية استثماراتها بعدة ملايين الدولارات في المتمردين وأجندة تغيير الدولة السورية التي وضعتها تلك الدول.
من المؤكد أن هذا يفسر ردة الفعل السريعة والعنيفة لكل من الحكومتين الأميركية والإسرائيلية والإصرار على هجوم الغاز المزعوم في إدلب حتى أن بعض زعماء العالم دعوه بالهجوم الزائف، بسبب التناقضات والحسابات المشكوك بها للحدث، على سبيل المثال، رئيس الاتحاد الصهيوني إسحاق هيرزوغ –رئيس المعارضة- الإسرائيلية غرد على تويتر"ما حدث في سورية يعد جريمة ضد الإنسانية، يجب على أميركا والعالم قيادة سياسة عدوانية لحماية الأبرياء، إن إضفاء الشرعية على الدولة السورية يعني دعم نظام قاتل" أيضاً ردد كل من وزير التعليم الإسرائيلي وزعيم البيت اليهودي نفتالي بينيت صدى تغريدة هرتسوغ "الأطفال اختنقوا حتى الموت على العالم أن يتصرف ضد مجزرة الكيماوي في سورية، أدعو الرئيس ترامب لقيادة هذه الجهود" سياسيون آخرون من الولايات المتحدة، إسرائيل، وأماكن أخرى أيضاً بدأوا بالدعوة لتغيير الحكومة السورية.
من غير المرجح أن تكون ردة الفعل العنيفة الأميركية والإسرائيلية هذه بسبب ضحايا الغاز المزعوم في إدلب، قبل شهر، نفذت الولايات المتحدة غارة جوية راح ضحيتها 240 مدنياً في العراق، بينما قتلت إسرائيل 1492 مدنياً فلسطينياً في عام 2014 وحده، إذاً ردة الفعل الإسرائيلية والأميركية تجاه مسرحية الغاز المزعوم ما هي في الحقيقة إلا تجديد للدعوات التي التزمت فيها هذه الدول لتغيير"النظام" في سورية والإطاحة بالرئيس الأسد.
إن تأثير كوشنرعلى إدارة ترامب لتغيير موقفها من سورية يحقق فائدة لإسرائيل أكثر مما قد يحققه ذلك لأميركا نفسها، هذا باعتراف ترامب نفسه الذي قال بأن تورط أميركا في سورية سيؤدي فقط إلى المزيد من الديون بالنسبة لأميركا، بينما ترتكب أميركا الآن سلسلة أخرى من الأخطاء الفادحة في السياسة الخارجية. فإن إسرائيل تنتظر الوصول إلى احتياطيات النفط الضخمة في هضبة الجولان السوري، التي احتلتها في الثمانينات وتعهدت بعدم إعادة المنطقة للسيطرة السورية وهي ستعمل رسمياً على ضمها في حالة الإطاحة بالأسد.
على الرغم من وعود ترامب بعدم التدخل في سورية أو تغيير الحكومة، يبدو حقاً أن كوشنر هو "الباب الخلفي للمحافظين الجدد" لإدارة ترامب –الدفع بالحرب لصالح مصالح سياسية واقتصادية معينة، وليس للشعب.
عن: Mint Press
الجمل
إضافة تعليق جديد