الغرب بوصفه محركا لصراع الحضارات ومستثمرا له
الجمل ـ توني كارتالوتشي ـ ترجمة رندة القاسم: في فرنسا، حيث زج أناس في السجن لإنكارهم الهولوكوست و اعتبر الأمر قانونيا جريمة كره دينية، يبدو من الغريب أن رسوما كاريكاتورية قذرة، ظهرت في توقيت مناسب لأجل الإهانة و تأجيج الكره ضد و بين المسلمين في العالم، يتم الدفاع عنها بقوة من قبل سياسيين فرنسيين قالوا ل Christian Science Monitor بأن حرية الصحافة يجب الا تنتهك.
و مع وقوف المحافظين الجدد المولعين بالحرب وراء الفيلم الاستفزازي الجديد (براءة المسلمين)، وقيام نظرائهم من المتطرفين المتعصبين الراديكاليين بقيادة احتجاجات عنيفة عبر الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، يبدو بأن نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة في الصحيفة الفرنسية Charlie Hebdo جزءا من إستراتيجية أوسع تهدف الى خلق صراع ملفق بين الاسلام و الغرب، مؤسسا لعمليات عسكرية أكثر صراحة تتولى أمر عمليات سرية متداعية في سورية و وراءها.
في الحقيقة فرنسا نفسها كانت راعية للإرهاب من ليبيا إلى سورية، بالتسليح و التمويل و الدعم السياسي لكل مجموعة نزلت إلى الشوراع و أحرقت قنصليات غربية و قتلت على حد سواء أشخاصا لا علاقة لهم بالأمر و دبلوماسيين و قوات أمن. و في العام الماضي قدمت فرنسا السلاح و التدريب و المال و الدعم الجوي لمجموعة صنفتها الأمم المتحدة إرهابية و هي الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، و ذلك لأجل إسقاط حكومة معمر القذافي.
و وفقا لتقرير صدر عام 2007 عن مركز مكافحة الإرهاب التابع لأكاديمية ويست بوينت العسكرية الأميركية ، ورد أن الجماعة الإسلامية مرتبطة بشكل رسمي بالقاعدة ، و ذلك قبل وقت طويل من قيام فرنسا عمدا بدعم و تحريض أولئك الإرهابيين في سعي لإسقاط ليبيا و اجتياحها. و حاليا تقوم الحكومة الفرنسية بتمويل و تسليح الإرهابيين ذاتهم، الذين يقومون فورا بنقل السلاح و الأموال و المقاتلين إلى سورية للبدء بعمليات إرهابية هناك.
و يقول التقرير الذي يحمل عنوان"مقاتلو القاعدة الأجانب في العراق" : ( ربما ترتبط الموجة الواضحة من المجندين الليبيين المسافرين إلى العراق بالتعاون المتزايد بين الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة و القاعدة، الذي بلغ ذروته بانضمام الجماعة بشكل رسمي الى القاعدة في الثالث من تشرين الثاني 2007).
و حديثا أعربت فرنسا عن نيتها بالتسليح العلني لتلك المجموعات الإرهابية العاملة في سورية، و التي كشفت Human Rights Watch قيامها بفظاعات منظمة و منتشرة ضد الشعب السوري.
في مقالة نشرتها صحيفة The Hindu الهندية تحت عنوان (فرنسا ستمون المعارضة في سورية) جاء:
(ذكرت رويتر على لسان مصدر دبلوماسي بأن فرنسا بدأت دعم أجزاء من سورية واقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة. و أشار التقرير ، بشكل مخيف، إلى أن باريس تضع في اعتبارها تزويد المقاتلين المعادين للحكومة بمدفعية ثقيلة ، و هي حركة قد تزيد من احتمال اندلاع حرب أهلية كاملة هناك).
و الآن تقوم فرنسا و عبر اعلامها و الدعم الضمني لسياسييها، بتزويد حلفائها الإرهابيين الجدد بشيء آخر ، انها حجة للمواجهة مع الغرب و لتزرع ثانية في الرأي العام العداء اللازم لقيادة تدخل عسكري مباشر حيث يبدو أن الدعم السري للجماعات الإرهابية قد فشل.
و من المفترض أن نصدق بأن فرنسا و الولايات المتحدة و المملكة المتحدة و دول أخرى ما هي سوى محبة للخير، و عن غير قصد ساعدت تلك المجموعات للوصول الى السلطة ، فتعرضت لخيانة المتطرفين.و في الواقع ، حقيقة تلك المجموعات المقاتلة معروفة سلفا منذ سنين، لقد اختيرت هذه المجموعات بشكل خاص لقيادة التدمير العنيف لأهداف غربية عبر العالم العربي، مع احتمال وقوع مذابح طائفية و إنفجارات عكسية يتم الاعتراف بها كمخاطر مقبولة.
عام 2007، نشرت مقالة بقلم سيمون هيرش في New Yorker بعنوان : (إعادة التوجيه) و فيه يكتب:
( لتقويض إيران، ذات الغالبية الشيعية، قررت إدارة بوش إعادة تشكيل أولوياتها في الشرق الأوسط. في لبنان، تعاونت الإدارة مع حكومة السعودية، السنية، في عمليات سرية تهدف لإضعاف حزب الله ، المنظمة الشيعية المدعومة من إيران.كما و شاركت الولايات المتحدة في عمليات سرية موجهة لإيران و حليفتها سوريه. و نتيجة هذه النشاطات كان دعم الجماعات المتطرفة السنية المعتنقة للرؤية القتالية للإسلام و المعادية لأميركا و المتعاطفة مع القاعدة).
و ورد أيضا في التقرير : (ستقوم الحكومة السعودية، و بموافقة واشنطن، بمنح الأموال و الدعم اللوجستي لإضعاف حكومة الرئيس بشار الأسد في سورية. و يؤمن الإسرائيليون أن وضع هكذا ضغوط على حكومة الأسد سيجعلها مسالمة أكثر و منفتحة للمفاوضات).
و من الواضح أن الغرب، بما فيه حكومتي نيكولاس ساركوزي و فرانسوا هولاند المشاركتين في الجرائم، يقوم عن علم بتمويل الإرهابيين.و يعترف تقرير هيرش بأن كل الأطراف المتورطة كانت تعلم جيدا منذ عام 2007 الخطر المحتمل الناتج عن تمويل مجموعات إرهابية و لكن تؤمن بأن هذه القوى يمكن السيطرة عليها: (أكد بندر و سعوديون آخرون للبيت الأبيض أنهم سيراقبون عن كثب المتشددين دينيا. و كانت رسالتهم لنا" لقد خلقنا هذه الحركة و يمكننا السيطرة عليها"، ليست المسألة أننا لا نريد من السلفيين إلقاء القنابل، و لكنها تتعلق بمن الذي ستلقى عليه، حزب الله،مقتدى الصدر، إيران و السوريين، ان استمروا بالعمل مع حزب الله و إيران).
بدء بخلق جبهة متطرفة طائفية لتقويض و تدمير الحكومتين السورية و الإيرانية عام 2007 تحت ادارة بوش، فسورية و ايران كانتا أهدافا خاصة للمحافظين الجدد أمثال دانييل بايبز الذين لم يتوقفوا عن تأييد الحرب ضدهما. و اليوم اعلان بايبز و رفاقه صعود هذه الجبهة الارهابية، التي ساعدوا هم أنفسهم على خلقها،ما هو سوى نتيجة للبروبوغندا الضخمة حول كون أوباما مؤيد للاسلام و المصصمة لأجل العقول الأسرع تأثرا.
في الواقع منح أوباما الغطاء لأجندة تقودها مصالح شركات التمويل، حددت منذ عقود، و هي جزء من نماذج و افكار مكررة تحدد ماضي و حاضر الإمبراطورية.
يبدو أن الرأي العام يزداد ادراكا بأن الولايات المتحدة سلمت دولة ليبيا الى متطرفين طائفيين و تدعم ألوية تضم نفس الإرهابيين تعمل الآن في سورية, حيث يبدو أن العملية وصلت الى مأزق، مع المزيد من التسليح و الدعم لقوات ارهابية تبدو منظورة أكثر فأكثر و هو خيار يتعذر قبوله سياسيا.
و يبدو أن الخطة البديلة تكمن في قلب السيناريو مرة ثانية ، بتحويل القاعدة التي بدأت كمقاتلي حرية يحاربون السوفييت في جبال أفغانستان إلى إرهابيين ملعونين يشنون حربا امتدت لعقد على أميركا في العراق و أفغانستان الى مقاتلي حرية يسعون الى التخلص من القذافي و الرئيس بشار الأسد، الى سفاحين ملعونين ، مهاجمي سفارة و قتلة سفير.
و مع الالتزام الكامل بالتلميح الى "صراع الحضارات"، يبدو أن الأرضية جاهزة تماما لهجمات يتهم بها طرف آخر و تحضر الرأي العام لأجل تدخل عسكري مباشر في أماكن مثل سورية و ايران.
ان فوز اوباما عام 2012 يعني استمرار الغرب بتمويل الارهابيين بعلنية أكثر ضد حكومات سورية و ايران بل و حتى روسيا و الصين، ملقين اللوم في هذا كله على "اوباما المؤيد للاسلام".أما انتصار رومني فيسمح بتدخل عسكري مباشر أكثر عدائية . في كلا الحالتين، فان دولا مثل سورية و ايران و روسيا و الصين ستجد نفسها في خط الجبهة مع اعتداء عسكري سري أو علني.
الأجندة العامة هي هيمنة شركات التمويل العالمية، دمار الدولة القومية، و منح الأولوية للقانون الدولي الذي وضعته وول ستريت و لندن من أجل "نظام دولي" "يخدم احتياجات الولايات المتحدة و حلفائها الذين وضعوه"
و ما بوش و أوباما و رومني سوى رجال في واجهة هذه الأجنده، و عندما ندرك أن مصالح شركات التمويل ، لا السياسيين هو ما يحرك هذه الأجندات المسيطرة الشنيعة ، عندها يمكننا أن نصوغ الحلول بناءا على تقويض قوتها و تأثيرها و استبدالهما، عوضا عن الاستغراق في معارك سياسية قصيرة المدى تؤدي في نهاية المطاف فقط الى تغيير الرجل الذي في الواجهة لا الأجنده نفسها.
*بقلم توني كارتالوتشي
تُرجم عن: Land Destroyer
الجمل: فسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد