الفاتيكان ونظرية داروين.. صفحة جديدة بلغة المنطق والعقل

12-10-2008

الفاتيكان ونظرية داروين.. صفحة جديدة بلغة المنطق والعقل

يستعد الفاتيكان لفتح صفحة جديدة في العلاقة مع نظرية التطور والارتقاء التي جاء بها الطبيب البريطاني تشارلز داروين (1809-1882) وظلت موضع جدل في الأوساط الدينية بصفة عامة وخاصة في بيئتها المسيحية.

وبدأت معالم هذا التوجه في موقف الفاتيكان من نظرية داروين بإعلان الكنيسة الكاثوليكية عن عزمها تنظيم مؤتمر عالمي احتفالا بالذكرى الـ150 لنظرية التطور ليكون فرصة للحوار بين العلماء ورجال الدين بشأن أصل الكون.

وأثناء إطلاع وسائل الإعلام على التحضيرات لذلك الملتقى الذي سينعقد في إحدى الجامعات الدينية بالعاصمة الإيطالية في مارس/آذار المقبل، قال رئيس المجمع البابوي للثقافة جيانفرانكو رافاسي إن نظرية داروين "لم تكن متضاربة" مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية والإنجيل.

وقد اعتبرت أوساط إعلامية كثيرة تلك التصريحات تحولا في موقف الفاتيكان من نظرية التطور، لكن متخصصا إيطاليا بارزا في شؤون الكنيسة الكاثوليكية يرى أنها لا تحمل جديدا، بيد أنها مهمة للغاية لأنها تمثل مؤشرا إضافيا على قبول نسبي لتلك النظرية.

وذكر خبير شؤون الفاتيكان دجانكارلو دزيدزولا أن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني سبق أن أبدى انفتاحا اتجاه نظرية التطور في خطاب أمام الأكاديمية البابوية للعلوم عام 1996.

وبالتالي فلا يرى دزيدولا أن هناك قطيعة في موقف الفاتيكان من نظرية داروين بين البابا الحالي بنديكت الـ16 وسلفه يوحنا بولس الثاني.

وعن دلالات مبادرة الفاتيكان للاحتفال بالذكرى الـ150 لنظرية داروين يقول دزيدزولا إن الأمر يعكس رغبة الفاتيكان في البحث عن سبل تكييف العقيدة المسيحية مع الثقافة العلمية السائدة في عصر التقنية الكونية.

وعبر خبير الشؤون الكنسية عن اعتقاده أن تلك الخطوة تعكس توجه البابا الحالي نحو دعم حوار محكم بين العقيدة والعقل، بين العقيدة والعلم وذلك بدل المجازفة بترك المجال مفتوحا أمام استعمال التحولات في المنظومة الدينية لأغراض سياسية آنية.

ومن الناحية الدينية الصرفة يعتبر دزيدزولا أن من شأن هذا القبول النسبي لنظرية داروين أن يعطي للثقافة الكاثوليكية دفعة جديدة للانفتاح على معطيات العصر والدخول معها في حوار مفتوح.

ويتوقع الخبير الإيطالي أن من شأن هذا الانفتاح أن يساعد على ظهور نقد ديني للتيارات الأصولية في مختلف الأديان وعلى بروز توجه فكري لا يستسلم لمقولات النظرية المادية وقادر على نقد الطابع الإطلاقي للبضائع.

وعلى الصعيد السياسي والاجتماعي لموقف الفاتيكان من نظرية داروين لا يتوقع دزيدزولا أن تكون له آثار في المدى القريب أو المتوسط لأن مفعول التحولات في المجال الديني -وإن كانت صغيرة- يظهر بشكل بطيء.
ويقول الفاتيكان إن الهدف من مؤتمر ماس/آذار المقبل الذي سيحضره علماء ورجال دين وفلاسفة من مختلف أنحاء العالم هو "التأكيد على احتمال الحوار وإبداء الرغبة المشتركة في تأويل الحقيقة ولو من وجهات نظر مختلفة".

لكن موقف الفاتيكان من نظرية داروين مهما كانت أهميته ودلالاته لا يحمل مؤشرات واضحة على استعداد الكنيسة الكاثوليكية للاعتذار لداروين على غرار ما قام به إنجليكاني رفيع المستوى.

وفي هذا السياق يقول الكاردينال جيانفرانكو رافاسي إن الكنيسة الكاثوليكية لم تدن داروين يوما، داعيا إلى التوقف عن "التفكير في التاريخ على أنه محكمة قانونية منعقدة بشكل دائم، والتركيز بدلا من ذلك على إجراء حوار أكثر فعالية بين وجهتي نظر تنظران إلى الحقيقة نفسها".

وهكذا فإذا كانت الكنيسة لم تحاكم داروين على غرار ما فعلت مع علماء آخرين (من قبيل غاليليو) في عصور سابقة فإن الفاتيكان يبدي استعدادا في القرن الـ21 لمحاورة تلك النظرية بلغة المنطق والعقل.

المحفوظ الكرطيط

المصدر: الجزيرة نت

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...