القصة القصيرة في أعمال رابطة الكتاب السوريـين

يقع كتاب «القصة القصيرة في أعمال رابطة الكتاب السوريين»، في 384 صفحة من القطع الكبير، صدر عن وزارة الثقافة -2005، للكاتب والناقد محمد شويحنه، وبذلك يكون أنقذ أعمال ونشاطات واصدارات رابطة الكتاب السوريين من الضياع فجمع  كل الوثائق الصادرة في عقد الخمسينيات من القرن العشرين، بما فيها المجموعات القصصية لأبرز القاصين السوريين.
وهذه الدراسة الغنية هي أول دراسة تحليلية موثقة في سورية، صب الكاتب جهداً كبيراً لجمع الوثائق والقصص وتحليلها نقدياً وإبراز معالمها ودلالاتها وتوجهاتها.
وقدم رؤية تحليلية للأدب الواقعي الاشتراكي من خلال قراءة أعمال «سليم خياطة- رئيف خوري- يوسف يزبك» الذين ساهموا في نشر الثقافة الوطنية والديمقراطية والفكر الثوري، والانفتاح على ثقافات العالم، والاندماج بحركة الفكر العالمي، ولم تقتصر المؤثرات على السوريين واللبنانيين فحسب، بل لعب المثقفون المصريون دوراً بارزاً أيضاً في نشر الفكر الاشتراكي.
ولم تكن المؤثرات الداخلية معزولة عن المؤثرات الخارجية باعتراف كتاب الرابطة أنفسهم وهم : (حسيب كيالي- عبد الرزاق جعفر- مراد السباعي- شوقي بغدادي- احسان سركيس- عبد المعين الملوحي- فاتح المدرس- عادل أبو شنب- صميم الشريف- ليان ديراني».
إن الهدف من تأسيس الرابطة، توحيد الكلمة، وحول ذلك قال سعيد حورانية: (بينما كنا ندور في حلقات مفرغة من ثرثرات الفن للفن، ونقرأ بنهم شعر نزار قباني الذي تعرف علينا وسعى ليضمنا تحت لوائه.. انتزعتنا دكتاتورية الشيشكلي السوداء لتعلمنا درسنا السياسي الأول).
ولم تظهر الرابطة فجأة دون مقدمات لتجمعات أدبية صغيرة، تشكلت قبلها، ومن أبرزها (عصبة الساخرين المؤلفة من اثني عشر عضواً في العام 1948، من مختلف التوجهات الثقافية ثم تشكلت رابطة الأرض - أهل القصة- رابطة الكتاب الشباب - رابطة الأدب الجديد- جمعية الأدباء العرب)، وكلها تأسست في دمشق، أما في المدن السورية الأخرى فتشكلت: ( أسرة الأصدقاء في حلب- رابطة الأدب السوري الجديد في اللاذقية- أسرة الكواكبي في دير الزور).
وكان الهدف من تأسيس رابطة الكتاب السورين، هو التغيير ورسم الطريق الصحيح في الفكر والأدب، وكانت الخيوط الأولى لهذه الفكرة قد بدأت في العام 1951، في منزل «الكياليين» على أساس تشكيل رابطة تقدمية، وكان الاجتماع الأول في تموز /1951/، ضم ثمانية أشخاص هم : (شوقي بغدادي- سعيد حورانية- مواهب وحسيب كيالي- شحادة الخوري- حنا مينة- ليان ديراني- صلاح دهني)، ووقع بيان التأسيس أحد عشر أديباً، وصدرت أول مجموعة قصصية في الاجتماع الثاني، يتصدرها بيان التأسيس في أيار /1952/، وأصبحت تعرف باسم«رابطة الكتاب العرب» عام 1954، وبلغ عدد الأعضاء أكثر من ثلاثين أديباً.
تعرضت الرابطة منذ تأسيسها لاتهامات شتى، منها أنها تعمل تحت إرادة حزب سياسي، فصودرت كتبها وأثاثها، وأغلق مقرها في عهد الوحدة عام 1958، وهذا ما أجبرها على العمل السري.
وأشار البيان التأسيسي الى مجموعة أفكار رئيسة، أولها: ان فكرة التكتل الاجتماعي تهدف الى ايقاظ الحركة الثقافية والايمان بالعمل الجماعي، وثانيها: انحياز الرابطة الى الفكر التقدمي التعددي لتحقيق الحرية والسلام، وثالثها: ان الموقف الأدبي هو موقف ملتزم تجاوز مفهوم الفن للفن.
وفي القسم الثاني من الكتاب«التطبيقي» ينتقل الكاتب شويحنه الى التحليل للمضمون وللاتجاهات الأدبية، وأجرى تقويماً فنياً للمجموعات القصصية المنشورة في تلك الفترة (الفردية الجماعية) وأكد على «النظرة المتفحصة لتجربة الرصد الاجتماعي ولمستوى فهم القصة للواقع وعلاقتها الفنية به».
وبين الكاتب ان كتاب الرابطة لم يتأثروا بالكتاب السابقين «النجار - الشايب - الديراني»، حيث لم يكن لهم أي تأثير في جيل الخمسينيات.
أرى ان هذا الرأي مبالغ فيه لدرجة كبيرة لأن كتاب عقد الثلاثينيات والاربعينيات قد مهدوا الطريق وحددوا الأرصفة والاتجاهات، وجاء بعدهم من عبّده في مرحلة جديدة لها خصائصها وسماتها، ما يثبت صحة هذا الرأي ان الكاتب أعادنا في دراسته الى ثلاثينيات القرن العشرين، وتوقف عند القصة الاجتماعية لعلي خلقي «ربيع وخريف» الصادرة عام 1931 الذي نقل القصة من الرومانسية الباكية الى الواقعية ، وكشف عن حياة الناس، وبين دور البرجوازية المتحكمة بمصائرهم، وبرأي شويحنه ان محمد النجار ألمح في مجموعته «في قصور دمشق»، الى التعرية الاجتماعية، أما فؤاد الشايب فأهمل الوظيفة الاجتماعية، وأدخل القصة في زمنها الفني، ويمثل ديراني نهاية الفترة الرومانسية في الأدب والقصة السورية، وأعلن عن موقفه: «إني أؤمن بالاشتراكية العلمية والواقعية الاشتراكية ، وبالفن لخدمة الانسان والمجتمع والحياة»، وقدم شويحنه دراسة وافية في قصص الرابطة «درب الى القمة» التي عبرت عن شعار «الفن في سبيل الحياة»، من خلال مفهومين: الأول: الوقائعية وأشكال ظهورها، والثاني: إعلاء شأن المضمون الفكري مع عدم القدرة على الاقناع الفني، مما أدخل القصة في شكل المقالة الاجتماعية والصورة التسجيلية، وتحت عناوين متمايزة خصها الكاتب لقصص «الكياليين» (مقاطع من حياة الريف والمدينة لمواهب كيالي، والصورة الوقائعية لوصفي البني، ووقائع التجربة الذاتية لليان ديراني.... ). 
وقدم الكاتب خمسة نماذج بعنوان القصة الفنية والواقع الاجتماعي وبدأ بحسيب كيالي «السلوكية الظاهرة» وكشفت عدسته النقدية ما رصده الكيالي من ظواهر خارجية متحركة للوصول إلى الحقائق أطلق عليها هذا المصطلح بينما كان عماد قصص سعيد حورانية دراسة التجربة الاجتماعية للإنسان، وتصويرها والتعبير عن العلاقات القائمة والأخرى المتغيرة بين الفرد والجماعة ووضع لها عنواناً «ثنائية الضعف البشري والقوة الانسانية».
وكان حورانية الصوت الأبرز والأكثر صدامية وحسماً في العمل التنظيمي والابداعي، وما يميز تجربة شوقي بغدادي، هو المواءمة بين الشكل الفني والمضمون الفكري، وهو الذي قام بارساء قيم لون أدبي جديد، يقول:«إننا لا نكتب أدباً فحسب، وانما نضع تاريخاً وتقاليد لمن يجيء بعدنا، كمن يرسي بناءه على أساس».
وأبرز القضايا الاجتماعية التي شغلت «بغدادي» قضية انسان المدينة الصغير بينما هناك أزمة في الذات والموضوع في قصص عادل أبو شنب، فقد عالج المشكلات الغنية الفردية وصور الأزمة في مقارنة مع وعي الشخصية القصصية، وفي ربط الأزمة بعواملها وإلقاء الضوء على الخلل في البنية المتهالكة للواقع والتركيز في بداية القصة على اللحظة المأزومة في حياة البطل، وينحو في قصص الحب الى التحليل النفسي المتعمق، وتطغى على بعض قصصه المبالغة في المواقف، وشكلت تجربته تياراً خاصاً، وانفتحت على نزعات الأدب الغربي الحديث في بُعده الوجودي والعبثي واللا معقول.
أما قصص الفنان فاتح المدرس فجاءت وحدة متكاملة، متناغمة، فالطبيعة تدخل في نسيج الحدث، فاعلة ومنفعلة مؤنسنة، وفي نسيج الجو القصصي التعبيري تضاء اللحظة الهامة بشتى الرؤى والأصوات والحركات، وللصراع في قصصه طابع الشمول، وشكل النمذجة الحية في الصور، أو التشكيل التعبيري الحار الأخاذ الذي يستمد حرارته من تركيزه على إبراز الطابع المحلي الخاص، والتركيز أيضاً على الصراع الانساني، ومأساة القهر البشري.
يقول المدرس: «أنا حساس جداً تجاه آلام الناس، فكل تفكيري متجه منذ كنت طفلاً نحو هذا العالم الحزين الذي أنا منه وفيه، إلا ان تحسسي بجمال الحياة في دقائقها يجعلني شديد التفاؤل، فبهذين المعيارين أحكم على الاشياء وأقيمها».
إن كتاب محمد شويحنه، يتميز بدقته وتفاصيله المفيدة للقارىء، وهو حصيلة دراسة متأنية قام بها الكاتب، بقسميها الوثائقي والتطبيقي، بما يخدم هذا الفن الأصيل، وما يحقق الفائدة للثقافة الوطنية.

باسم عبدو

المصدر: البعث