اللحظات الأخيرة لمبارك وبن علي
اللحـظات الأخيـرة لبـن علـي: رفض الصعود إلى الطائرة... وتلقى الشتائم!
«رفض الصعود إلى الطائرة. على مدرج المطار في تونس، وقف يتلوّى، يشدّ يده على حقيبته السوداء الصغيرة، حقيبته الوحيدة، يحاول جاهداً العودة إلى سيارته المرسيدس التي ترجّل منها قبل دقائق».
اللحظات الأخيرة في البلاد، عاشها الرئيس المخلوع في حالة من الخوف والصدمة. لم يكن مصدقاً أنه كان حتى البارحة رئيس البلاد وصاحب السلطة، وهو نفسه يفرّ اليوم، مخلوعاً وذليلاً كما يفرّ اللصوص.
في هذه اللحظات بالذات، ظهر بن علي على حقيقته. تجرّد من قناع القوة الذي حكم به طيلة 24 عاماً، وبدا رجلاً منهاراً ضعيفاً يتلقى الأوامر من زوجته ليلى الطرابلسي ومن قائد الأمن الرئاسي، رجل الظل، علي السرياطي.
أوردت مجلة «لو نوفل أوبسرفاتور» في عددها الأخير الصادر الخميس الماضي تحقيقاً حول «القصة السريّة لهروب بن علي» استنادا الى شهادات تلقّتها مبعوثة المجلة الى تونس، سارة دانيال، من مصادر كانت «مقرّبة» من قصر قرطاج ومن بن علي وعائلته، وحضرت الأيام الأخيرة لحكمه خاصة اليوم الأخير المعروف بـ «يوم الهروب».
هي حكاية فرار رئيس مخلوع، لعب بطولتها زين العابدين بن علي وتولّت إخراجها زوجته ليلى. هذه الأخيرة، تصفها دانيال بأنها «المرأة المكيافيلية» التي كانت السبب، كما الشعب التونسي، في دفع بن علي إلى المنفى.
نعود إلى المشهد «المؤثر» في مطار تونس، يوم الجمعة في 14 كانون الثاني الساعة الخامسة مساء. وبينما التظاهرات تعم شوارع تونس منادية باسقاط الرئيس، كان بن علي يصرخ راجياً من حوله: « دعوني، لا أريد أن أذهب، أريد ان أموت هنا في بلدي». كان يرتجف في قميصه الأزرق الرقيق، فهو أجبرعلى ترك المنزل دون أن يتسنى له إحضار سترته.
ارتفع صوت علي السرياطي، الذي استمر في حراسة بن علي طيلة ثلاثين عاماً، شاتماً: «سحقاً! اصعد يا ...»، ثم هرع إليه يجبره على صعود درج الطائرة. لم يجرؤ أحد من المجموعة المرافقة لبن علي، المؤلّفة من زوجته ليلى وابنهما محمد ومن ابنتها حليمة وخطيبها كما من خادمتين فيليبنيتين، على الاقتراب منه. صرخت ليلى بلغتها المنمّقة، فأربكت زوجها الذي يئن من فقدان السلطة: «اصعد أيها الأحمق... قضيت عمري كله في تحمّل حماقاتك». في هذه الأثناء ارتفع صوت حليمة التي كانت تقف على سلّم الطائرة، يهدّد أمها والسرياطي:« اتركوا أبي، وإلا نزلت وقتلتكم جميعا».
في المطار، كان يقف موكب مرافق صغير يتابع السيناريو عن كثب، إنهم المقربون من ليلى. عائلتها، التي لا تفترق عنها أبداً.
في هذه الأثناء، اقترب مسؤول عسكري أعلم الجميع آنذاك ـ على مرأى ومسمع من بن علي وزوجته ـ أن السعودية «لا ترغب» في استقبال عائلة ليلى (عماد وبلحسن) وطمأنهم (وطمأن ليلى) بأن طائرة أخرى في الطريق آنذاك الى المطار لنقلهم الى روما وليون... وقد تم نقلهم في مرحلة أولى الى القاعة الشرفية بالمطار، وركب بن علي وزوجته وابناه وخطيب ابنته الطائرة التي ستقلّهم الى السعودية وبعد ان أقلعت الطائرة الرئاسية (وهي من نوع بوينغ) تم اقتياد افراد عائلة ليلى الطرابلسي من قاعة التشريفات الى الثكنة العسكرية، واتضح ان «رواية» الطائرة التي ستقلّهم الى روما وليون ما هي الا خطّة لاقناعها بعدم التمسّك بنقلهم معها الى السعودية، وبالتالي القبض عليهم.
بعد مرور أسبوعين على تلك الحادثة، كان الطيّار، الرفيع المستوى في الطيران الحربي، والذي استدعي ليقل بن علي من مطار تونس، يبكي مستذكراً تلك اللحظة التاريخية «التراجيدية والغريبة» في آن. فهو ما زال، على الرغم مما جرى، يكنّ بعض المودة لرئيسه.
تنقل دانيال عن قائد الطائرة تفاصيل ما حصل بعد اقلاع هذه الاخيرة المقلة لبن علي وعائلته... حيث كانت الوجهة في البداية نحو الاجواء الليبية بحسب ما تم ابلاغه وهو الذي كان يجهل، حتى لحظة تشغيل المحركات، الوجهة التي سيقصدها قبل أن يتّصل به مسؤول عسكري من الوزن الثقيل (قائد أركان الجيش بحسب ما ورد بالتحقيق) ليعلمه بمخطط الرحلة، وقد تضمن المخطط أن طائرتين حربيتين (مقاتلتين) ستنضمّان الى جانب الطائرة على مستوى الجوّ ثم تكون الوجهة مالطا (للتزود بالوقود على ما يبدو) وبعد ذلك يتم الاتجاه الى مطار جدة.
خلال الرحلة، يروي الطيار، كان بن علي ينهض كل عشر دقائق متجهاً نحو مقصورة القيادة، يضع يده على كتف الطيار ويكرر الجملة نفسها دون كلل:« بنيّ، ستعيدني إلى تونس لاحقاً، أليس كذلك؟». يختار قائد الطائرة، متأثراً، أن يكذب على الرجل: «طبعا سيدي الرئيس، تلقّيت تعليمات بذلك...».
وبحسب ما ذكرت كاتبة التحقيق، فقد بدا بن علي داخل الطائرة منهارا فعلا، مستسلما للأمر الواقع وللضغوط التي مُورست عليه من زوجته ومن السرياطي اللذين، بحسب بعض أفراد عائلة طرابلسي، كانا يديران جزءاً كبيراً من شؤون البلاد دون العودة إليه.
وبالعودة إلى صباح «يوم الهروب»، كان بن علي وعائلته وعلي السرياطي في القصر الرئاسي بالحمامات (وليس في قصر قرطاج كما اعتقد البعض)... في ذلك اليوم، استمع بعض من كان حاضرا في قصر الحمامات الى «صراخ» السرياطي وهو يتحدث الى بن علي ويحاول اقناعه بضرورة «الهروب» حتى يتسنّى تنفيذ المخطط المتفق عليه... مخطط يقتضي، وفق ما ورد بالتحقيق المذكور، أن يتولّى السرياطي والميليشيا التابعة له الاطاحة بالدولة، وعندئذ يكون الاقتناع لدى الجميع بضرورة دعوة بن علي مجددا لانقاذ البلاد من الأزمة: أي أنه بحسب المخطط، فإن خروج بن علي سيكون «وقتيا» وسيتكرّر بالتالي سيناريو 1984... على حد ما ردّد السرياطي على مسمعه، عندما استنجد آنذاك بورقيبة ببن علي (وكان سفيرا في بولندا) لإنقاذ البلاد من الأزمة وأعاده الى البلاد وعيّنه مديرا عاما للأمن الوطني في مرحلة أولى ثم وزير داخلية ووزيرا أوّل، غير أن التحقيق أشار أيضا الى أن قائد أركان جيش البرّ الجنرال رشيد عمّار حذّر من مغبّة انقلاب الجيش على بن علي إن هو أصرّ على رفض مغادرة البلاد.
هذا ما دار في القصر صبيحة يوم الجمعة، كما جاء في التحقيق الذي أكد وفق مصادر مقرّبة من القصر، ان الرئيس لم يكن ليمتثل إلى ما قاله هؤلاء الرجلان لو لم يحصل على وعد قاطع بان خروجه من البلاد سيكون موقتاً.
وأكدت مصادر من داخل القصر الرئاسي في التحقيق أن بن علي سلّم السلطة الفعليّة لزوجته ليلى في العام 2009 بعد ان أصيب بسرطان البروستات. حوادث وأخبار كثيرة ينقلها التحقيق عن عاملين في القصر، وعن طبيب القصر وغيرهم من المقربين من عائلة بن علي تؤكد ان ليلى كانت الآمرة الناهية في القصر.
لقد حرم محمد بوعزيزي ليلى من تنفيذ مخططاتها. فهي أيضاً، كما أورد التحقيق، كانت تحلم بالتخلص من بن علي.
ليلى (54 عاماً) المولودة في عائلة مؤلفة من 11 ولداً، عاشت طفولتها في فقر مدقع. وعندما التقت ببن علي كان متزوجاً من نعيمة كافي. لذا سكنت ليلى في فيلا بعيدة في تونس. وعندما كانت حاملا، أتت إحدى بنات بن علي تأخذ الصبي لتربيه عائلة والده. ومن يومها تكن ليلى كرهاً لبنات بن علي من زوجته السابقة.
لم تمل ليلى، بعدما استقرّت في القصر الملكي في العام 1992، من تكرار رغبتها بالانتقام من البورجوازيين في تونس مرددة انها ستسحق كل من تجرأ ونظر إليها باحتقار. وهي كانت تضع اللمسات الاخيرة على فرصتها الذهبيّة بالانتقام من كل من استعلى عليها في السابق (الشيخة موزة والملكة رانيا كانتا ترفضان الالتقاء بها) نتيجة فقرها وارتباطها غير الشرعي في البداية ببن علي. كانت تستعد، قبل ان يحرق البوعزيزي نفسه، للانقلاب على السلطة مستحضرة ما فعله زوجها في عهد بورقيبة.هذا السيناريو، ترى الكاتبة، انه يفسر سبب الصراخ الحاقد لليلى في المطار: «اصعد أيها الأحمق... قضيت عمري كله في تحمل حماقاتك».
لقد تحوّل حلم ليلى إلى كابوس على شكل رجل مسن بشعر مصبوغ تتعيّن عليها مشاركته المنفى إلى الأبد.
روايات عن اللحظات الأخيرة لرحيل مبارك ويومه الأول كرئيس مخلوع في شرم الشيخ
اين الرئيس المخلوع حسني مبارك؟ ماذا يفعل في الوقت الذي تعيش فيه مصر فترة انتقالية حساسة؟ ماذا عن تفاصيل هروبه من القصر الرئاسي؟ وأي لحظات رافقت مبارك في يوم الرحيل في 11 شباط 2011؟ تحاول صحف متابعة الأخبار المتعلقة بـ«مصير» الرئيس السابق عن كثب، من لحظة سقوطه الى لحظة «اختفائه».
وذكرت صحيفة «الشروق» المصرية أن مبارك يعيش حياة رئاسية في شرم الشيخ. ونقلت الصحيفة عن مصادر خاصة قولها إن الرئيس «استيقظ صباح (السبت) في مقر إقامته المفضل على البحر الاحمر، ومعه كل أفراد أسرته بعد أن كان بعضهم قد غادر البلاد لفترات متقطعة وإلى عواصم مختلفة خلال الثمانية عشر يوما الماضية»، مضيفة ان مبارك لا يزال يلقى معاملة رئيس الجمهورية «بدون أي تغيير»، فما زالت تقدم له الدرجة نفسها من الحراسة فضلا عن طاقم واسع من المعاونين والإدرايين والفنيين. وأضافت الصحيفة أن «زكريا عزمي ومحمد الشافعي وأحمد فايز وسليمان عواد ما زالوا يقومون بأدوارهم المقررة في متابعة أمور مبارك وموافاته بما يطلبه من معلومات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ملفات إدارة الدولة قد أصبحت فعلياً خارج نطاق مباشرته وبعيداً عن اطلاع جمال مبارك، النجل الأصغر الذي كان يحصل على نسخة من كل الاوراق التي تدخل أو تخرج من مكتب الرئيس خلال الســنوات السبع الماضية».
واشار مصدر في المؤسسة الرئاسية للصحيفة الى أن بعض هؤلاء سيغادر مصر «بالتأكيد وبسرعة» فور مغادرة مبارك لمصر لرحلة استجمام وراحة متوقعة تبدأ «على الأرجح» فى سلطنة عمان، حيث أن «السلـطان قابــوس بن سعيد اتصل بمبارك شخصيــاً وأبلغــه أن هناك قصراً في انتــظاره وانه على استعــداد لأن يرسل له ولأسرته طائرات تحملهم الى السلطنة أو إلى أى مكان آخر».
وأضافت المصادر أن «الرئيس أراد وأصر ـ رغم نصائح البعض بالعكس ـ أن يكون في مصر وقت إعلان عمر سليمان انه تنازل عن مهام منصبه». وأردفت «قال لهم (لمن حوله ومن معه من المرافقين) مش عايز ييجي يوم يتقال إن حسني مبارك طلع يجري زي بن علي (في إشارة إلى الرئيس التونسى)». وذكرت المصادر ان مبارك يستمع من دون إجابات كثيرة ويهز رأسه بأسف وأسى ويعض على شفتيه بحزن بالغ، والشخص الأقرب لمواساة مبارك هو نجله الأكبر علاء. «الكل في حالة ذهول وما فيش حد من الناس اللي حواليهم مصدق بالضبط اللي بيحصل. اما الرئيس فما كانش عارف كويس تفاصيل حاجات كتير في الفترة اللي فاتت لأن بعضاً من معاونيه (وبعض المحيطين به بصورة مباشرة) كان بيطلب عدم عرض بعض الامور لتفادي إزعاج الرئيس».
في الوقت نفسه، تشير مصادر في القاهرة إلى أن بعضاً من رجال الرئيس قد غادر مصر بالفعل إلى فرنسا، «فإن رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف قد غادر مصر لمرافقة زوجته التى تتلقى علاجاً منذ فترة طويلة فى باريس، في حين أن رئيس مجلس الشعب فتحي سرور ما زال في منزله في غاردن سيتي في القاهرة، وقد تلقى اتصالا هاتفيا من مبارك قبل 48 ساعة من إعلان مبارك تفويض نائبه».
وعن عمر سليمان، النائب المفوض لمدة 24 ساعة، تقول مصادر الصحيفة المصرية إنه لا يبدو في حالة مزاجية جيدة خصوصاً انه من كان يدير الامور في الأيام الصعبة وأنه هو «الذي رفض اقتراحا من المجلس العسكري الأعلى الى الرئيس مبارك بنقل السلطات للمجلس، وأنه من تفاوض لمدة تزيد على أربع ساعات ليكون التفويض للنائب وليس للمجلس».
وفي خبر آخر نشرته صحيفة «اليوم السابع» المصرية الالكترونية، نفى مصدر مسؤول في دائرة وزارة الطيران المدني في دولة الإمارات هبوط طائرة مبارك في مطار الشارقة، وقال «الرئيس المصري السابق لم يأت إلى الشارقة وذلك نفياً لبعض الأخبار التي تناقلتها بعض وسائل الاعلام حول وجود الرئيس مبارك في الإمارات».
وعن تفاصيل يوم رحيل مبارك، كشفت مصادر مطلعة لـ«القبس» الكويتية ان سجالا حادا جرى بينه وبين كل من عقيلته سوزان ونجله جمال، محملا إياهما المسؤولية عن مجمل حالة التدهور الحاصلة في وضعه. وأوضحت مصادر الصحيفة ان الأسرة كاملة (بمن فيهم زوجتا ابني الرئيس وأحفاده) التـــقوا لتــــناول طعام الفطور صباح الجمعة، وعلى الفور اشرفت زوجة الرئيس على جمع اغراض زوجها الشخصية، وكلــفت خادمتــين خاصتين بها، بالتعجــيل في جمع المقتنــيات التي تضــم هدايا في ثماــني حقــائب. وحدث خلاف شديد بين مبارك وجمال، إذ قال الرئيــس «أنت ورّطني، أنت وأمك، لقد قضيــتما على تاريخي في مصر». وأضافت المصــادر أن مبارك كان في حالة نفسية يرثى لها، وبعدها اجتمعت الاسرة بأكملها وغادروا القصر في ثلاث سيارات، متوجهين إلى مطار ألماظة القريب من القصر، حيث استقلوا الطائرة الرئاسية وتوجّهوا إلى شرم الشيخ.
اما موقع حزب «الوفد» المصري، فنشر رواية اخرى عن شن علاء مبارك، الابن الأكبر للرئيس المخلوع، هجومًا شديدًا على أخيه الأصغر جمال. ونشب خلاف حاد الخميس الماضي داخل القصر الرئاسي بين نجلي مبارك عقب تسجيل الرئيس المخلوع لخطابه، «حيث احتد علاء على شقيقه جمال واتهمه بأنه كان السبب الرئيسي لما جرى في مصر من أحداث أجبرت والدهما على أن يظهر في تلك الصورة والنهاية المخزية، واشتدت حدة الخلاف بينهما وتدخلت بعض الشخصيات الكبرى في الدولة التي كانت حاضرة أثناء تسجيل الرئيس لخطابه». وقال علاء لجمال «لقد أفسدت البلد عندما فتحت الطريق أمام أصحابك، وهذه هي النتيجة بدلاً من أن يتم تكريم أبيك في نهاية حياته ساعدت على تشويه صورته على هذا النحو».
وكاد يحدث اشتباك بينهما بالأيدي بعدما زاد انفعال علاء اثناء استماعه لكلمة والده إلى الشعب «أثناء تسجيلها» خصوصا أن الرئيس مبارك كان قد أشار في تسجيله الأول الذي لم يذع، إلى أنه سوف ينقل سلطاته المدنية إلى نائبه وسلطاته العسكرية إلى القوات المسلحة، وهذا ما كانت تعلمه الإدارة الأميركية لكن جرى إعادة تسجيل كلمة الرئيس ثانية.
المصدر: السفير
إقرأ أيضاً:
إضافة تعليق جديد