اللوبي الإسرائيلي واللعبة المزدوجة في استثمار مذبحة الأرمن
الجمل: يركز الإسرائيليون واليهود في سائر أنحاء العالم، على استخدام ما يطلقون عليه تسمية الـ(هولوكوست) من أجل كسب تعاطف الرأي العام العالمي، وعلى وجه الخصوص الرأي العام الأوروبي والأمريكية وبرغم أن عمليات القتل الجماعي كانت سمة ملازمة للحروب الكبيرة التي وقعت في كافة أنحاء العالم، وفي كافة مراحل التاريخ، فإن اليهود والإسرائيليون يحاولون من جهة تنميط الـ(هولوكوست)، أو محرقة اليهود في ألمانيا النازية باعتبارها ظاهرة تاريخية فريدة من نوعها، ومن الجهة الأخرى يحاولون توظيف المذابح الأخرى بما يخدم توجهات السياسة الخارجية الإسرائيلية، وإخفاء الطابع الاستثنائي للتاريخ اليهودي في العالم.
• مذبحة الأرمن: المغالطات التركية- الأرمينية:
المزاعم الأرمينية: يقول الأرمن بأنه في فترة عامي 1915م و1916م، إضافة إلى عامي 1922م، 1923م، قامت الحكومة التركية بتنفيذ مذبحة ضد الأرمن أدت إلى مقتل 1.5 مليون أرمني، من إجمالي 2.5 مليون أرمني كانوا يعيشون ضمن أراضي الإمبراطورية العثمانية.
وحالياً يحتفل الأرمن في سائر أنحاء العالم في يوم 24 نيسان (إبريل) من كل عام بالذكرى السنوية لمذبحة الأرمن، وتوجد الكثير من المنظمات والجمعيات والحركات الناشطة من أجل تخليد ذكرى مذبحة الأرمن، إضافة إلى جهود الحكومة الأرمينية والكثير من المنظمات والجمعيات لحث المجتمع الدولي ودول العالم الكبرى والصغرى على الاعتراف رسمياً بمذبحة الأرمن.
المزاعم التركية: يقول الأتراك بأنه في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1914م، دخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى، وعندها قام وزير الحرب العثماني إسماعيل إنفير بشن حملة عسكرية كبرى ضد القوات الروسية في منظمة القوقاز، وذلك بهدف الاستيلاء على مدينة باك (عاصمة أذربيجان حالياً) الإستراتيجية المطلة على بحر قزوين، وفي معركة ساريكاميز تعرضت القوات العثمانية للهزيمة، وفي طريق العودة عبر الأرمن الأراضي الأرمينية تعرض عشرات الآلاف من الجنود الأتراك إلى القتل على يد جماعات الأرمن والمسيحيين (الارثوذكس) المسلحة التي كانت تتعاطف مع الروس (المسيحيين الأرثوذكس) ضد الأتراك (المسلمين السنة)، وقد أدى هذا الأمر إلى إثارة الغضب في تركيا آنذاك، وبسبب ذلك قامت الحكومة العثمانية بتحميل الأرمن مسؤولية عمليات القتل الواسعة النطاق التي تعرض إليها جنودها العائدين إلى بلادهم.
ويقول الأتراك بأن السلطات التركية العثمانية، أصدرت قراراً بترحيل الأرمن عن المنطقة، وذلك من أجل تأمين سلامة جيوشها وجنودها الذين يقاتلون في مناطق القفقاس، خاصة وأن ثمة تحالفاً قد نشأ بين الزعماء السياسيين الأرمن والروس، بهدف فصل ارمينيا عن تركيا وإقامة دولة مستقلة.
ويقول الأتراك بأن القوات التركية التي تم تكليفها بالإشراف على عملية ترحيل الأرمن من المنطقة، واجهت المقاومة ولما كان قوام هذه القوات يتكون من الجنود الأكراد (تحديداً الألوية الكردية التابعة للجيش العثماني التركي)، فقد دارت معارك كبيرة في المناطق الأرمينية، وقع نتيجة لها الكثير من الضحايا، وذلك بسبب مقاومة الأرمن المدعومين بواسطة روسيا والكنيسة الأرثوذكسية من جهة، ورغبة الجنود الأكراد في ترحيلهم عن المنطقة من الجهة الأخرى.
• مذبحة الأرمن واللعبة الإسرائيلية المزدوجة:
ظل الإسرائيليون يلعبون على أربعة خطوط رئيسية في التعامل مع مذبحة الأرمن:
- خط اليهود الأرمن: اللوبي الإسرائيلي الأرمني (أي اليهود الأرمن) الذين ظلوا يتشددون في مطالبة العالم (بالاعتراف بمذابح الأرمن)، إضافة إلى تحريضهم للكنائس الأرثوذكسية الأرمينية والسياسيين الأرمن والرأي العام الأرمني بضرورة العمل من أجل الحصول على (اعتراف دولي) بمذابح الأرمن، على النحو الذي يتم فيه تحميل (المسلمين) الأتراك المسؤولية، ويدفع المنظمات الدولية إلى التعامل مع التاريخ الأرمني بنفس الطريقة التي يتم بها التعامل مع التاريخ اليهودي من حيث توفير الحماية القانونية، على غرار قانون العداء للسامية وغير ذلك من القوانين والتشريعات التي يقوم اليهود حالياً بتوظيفها واستغلالها لحمايتهم وتغطية جرائمهم.
- خط اليهود الأتراك: اللوبي الإسرائيلي التركي (أي أن اليهود الأتراك) ظلوا يتشددون في مطالبة العالم (بعدم الاعتراف بمذابح الأرمن). وذلك على أساس اعتبارات أن العثمانيين هم الذين قاموا باستضافة وحماية اليهود عندما تعرضوا للقتل والاضطهاد على يد الكاثوليك في إسبانيا.
- خط اللوبي الإسرائيلي في أمريكا: اللوبي الإسرائيلي الأمريكي (أي اليهود الأمريكيين) ظلوا يعرقلون محاولات الجماعات الأرمينية (التي يتزعمها أعضاء الكونغرس الأمريكي ذوي الأصول الأرمينية)، والجماعات اليونانية (أي التي يتزعمها أعضاء الكونغرس الأمريكي ذوي الأصول اليونانية) الهادفة إلى دفع الكونغرس الأمريكي إلى الاعتراف بمذابح الأرمن.
- خط إسرائيل: ظلت الحكومات الإسرائيلية تقدم الدعم والمساندة للجماعات اليهودية الأرمينية (اللوبي الإسرائيلي الأرمني)، وفي نفس الوقت للجماعات اليهودية التركية (اللوبي الإسرائيلي التركي)، وذلك على النحو الذي يتيح لإسرائيل الآتي:
. تشدد اللوبي الإسرائيلي الأرمني في المطالبة بالاعتراف بمذابح الأرمن، وتبني ملف المذبحة داخل وخارج أرمينيا سوف يؤدي إلى إضفاء الطابع الوطني على عناصر اللوبي الإسرائيلي الارمني (اليهود الأرمن)، بشكل يتيح لها من جهة التغلغل في أجهزة الدولة الأرمينية، ويجعل المجتمع الأرمني المسيحي المتشدد أرثوذكسياً أكثر انفتاحاً لقبول واستيعاب اليهود، وفي نفس الوقت من الجهة الأخرى يتيح لإسرائيل تعزيز روابطها مع أرمينيا.
. تشدد اللوبي الإسرائيلي التركي في المطالبة بعدم الاعتراف بمذابح الأرمن، وتبني ملف إنكار المذبحة داخل وخارج تركيا والدفاع عن الإمبراطورية العثمانية (الإسلامية السنية) والكمالية، سوف يؤدي إلى إضفاء الطابع الوطني على عناصر اللوبي الإسرائيلي التركي واليهود الأتراك، بشكل يتيح لها من جهة التغلغل في أجهزة الدولة التركية، ويجعل من المجتمع التركي الإسلامي السني أكثر انفتاحاً لقبول واستيعاب اليهود، ومن الجهة الأخرى يتيح لإسرائيل تعزيز روابطها مع تركيا.
أما موقف اللوبي الإسرائيلي الأمريكي القائم على أساس عرقلة الاعتراف بمذابح الأرمن فهو يهدف إلى حفظ توازن العلاقات الإسرائيلية- الأرمينية، والعلاقات الإسرائيلية- التركية.
هذا وتقول المعلومات بأنه طالما أن إسرائيل، واللوبي الإسرائيلي اليهودي الأمريكي، واللوبي الإسرائيلي التركي، واللوبي الإسرائيلي الأرمني، تمثل جميعها شيئاً واحداً في نهاية الأمر، فإن هناك إجماعاً بين هذه الأطراف على ضرورة الإبقاء على النزاع بين تركيا وأرمينيا حول مذابح الأرمن معلقاً، وذلك من أجل:
• عدم السماح ببروز (مذبحة الأرمن) كظاهرة دولية تتنافس مع ظاهرة (الهولوكوست) التي يستند عليها الإسرائيليين واليهود، ويستفيدون من مزاياها في استدرار عطف الآخرين، وابتزاز وحلب مساعداتهم.
• رفع وتائر الكراهية بين الأرمن (المسيحيين الأرثوذكس) والأتراك (المسلمين السنة) على النحو الذي تنتقل عدواه إلى نشر الكراهية بشكل عام في الفترات القادمة بين المسيحيين الأرثوذكس والمسلمين السنة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد