المطاوعة تقمع العشاق في حدائق دمشق
أطلقت صفحة «أخبار الهاون بدمشق» على «فايسبوك» حملة بعنوان «كمشتك» لنشر صور شبّانٍ وشابّات في «وضعياتٍ مخلّة بالآداب» (بحسب ما تصفها الصفحة). المُراد من الحملة ردع كلّ من تُسوّل له نفسه أن «يعشق في شوارع وحدائق العاصمة السوريّة».
تموّه الصفحة وجوه الفتيات قبل نشر الصور، فالهدف من الحملة، ليس فضحهنّ بل «ردعهنّ عن سلوكيات مماثلة»، إذ لا يصحّ نشر الغرام أمام المارّة وطلّاب المدارس، بحسب الصفحة.
لم يعرف أحد من منح الصّفحة حقّ التشهير بالنّاس، ومن عيّنها شرطة أخلاقيّة تبتّ بحلال الفعل وحرامه. لكنّها واصلت بكلّ «جرأة» مطاردة العُشّاق «الآثمين»، ونهرهم عن «الفحشاء». يبدو الأمر أقرب إلى معادلٍ سوري لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر في السعودية، وكأنّ سوريا لم تكتفِ بما جرّته إليها الحرب من «هيئاتٍ شرعية»، حتّى تأتي الصفحة وتلعب دور المطوِّع.
الحملة التي أطلقتها الصفحة عبر وسم «] كمشتك» حظيت بردود فعل متباينة، بين من أيّدها «علّها تشكّل ردعاً للشباب والبنات»، ومن رفض التشهير بالناس، والاعتداء على خصوصيّاتهم بذلك الشكل الفاضح. ذلك ما دفع صفحة «أخبار الهاون بدمشق» إلى إطلاق «استفتاء» سألت فيه متابعيها (238 ألف تقريباً): «هل نكمل بحملة كمشتك، نعم أم لا، سننفذ قرار الأغلبية». بعض المعلّقين رأوا أنّ الشرع يحضّ على «ستر الموبقات»، وآخرون رفضوا منطق الفضيحة داعين الشرطة إلى «تولّي الأمر»، بحسب تعبيرهم. في حين أثنى بعض المعلّقين بشدّة على عمل الصفحة، «لأنّ هذه الشام وليست بيت دعارة للوافدين والمهجّرين».
أحد المعلّقين نصح صاحب الصفحة بأنّ يستمرّ بحملة «كمشتك»، ولكن «ليس على خصوصيّة الناس، بل على حراميّة البلد والتشليح والسرقة على الحواجز». اقتراح يبدو أنّه حظي باستحسان صاحب الفكرة، فأنشأ صفحة «فايسبوك» خاصّة بعنوان «كمشتك»، وأعلن نقل الحملة إليها تحت شعار «لفضح الفساد الأخلاقي والحكومي وكل الفاسدين، لا يوجد لدينا أيّ خطّ أحمر». حصدت صفحة «كمشتك» 12 ألف متابعة خلال ساعات، لكنّها قوبلت بحملة تبليغات ضخمة، أدّت إلى حذف بعض الصور التشهيريّة.
رغم الاعتراض عليها، وحملة التبليغ الواسعة ضدّ منشوراتها، من الواضح أنّ حملة «كمشتك» تحظى بتأييد جزء لا بأس به من المتابعين، وهذا جوهر المشكلة، بل إنّه جوهر الحرب السوريّة كلّها. فالفكر المُنغلق المتأهّب للانقضاض على كلّ مَن يخالفه بحجّة «الإساءة للآداب العامّة» ليس مُحدَثاً، كما أنّ تنظيم «داعش» لم يولد من الغيم، فنواته تشكّلت بفضل هذا النموذج من الحملات الترهيبية، والتي قادت المجتمع نحو دركٍ فيه الكثير من التزمّت والجهل.
رامي كوسا
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد