المطاوعة يمنعون نصير شمّة من دخول السعودية
لماذا ألغيت حفلة نصير شمّة في السعودية؟ حتى الساعة يبدو الجواب غامضاً، وإن كان قسم كبير من سكّان المملكة قد بدأوا حملة استنكار إلكترونية ضدّ ما وصفوه بـ«مصادرة الفرح في السعودية». وكانت شركة «أرامكو» قد أعلنت إلغاء حفلة الموسيقي العراقي الشهير، التي كان مقرراً إقامتها في ثاني أيام عيد الفطر، بمشاركة العازف الإسباني كارلوس بينانا. ولم تعلن الشركة سبب هذا الإلغاء، رغم إرجاع السبب إلى تأخرالحصول على تأشيرة الدخول إلى المملكة لتحويل الأنظار عن السبب الحقيقي.
بعد إلغاء الأمسية، وصلت رسالة إلى هواتف سكّان المملكة وأجهزتهم الـ«بلاكبيري» تقول: «بفضل من الله تعالى ثم جهودكم، تمّ الغاء فقرة الموسيقى والمعازف في مهرجان أرامكو والعيد». وفي وقت سابق، أكّدت مصادر من منطقة الظهران (شرق المملكة) حيث كان مقرّراً إقامة الحفلة، أنّ المنظّمين تعرضوا لضغوط كبيرة من قبل المحتسبين (المطاوعة) الذين رأوا أن هذا الحدث الفني «مخالف لشرع الله، ويفسد الناس ويحرّض على الاختلاط»! إذاً ألغيت حفلة نصير شمّة (راجع المقال أدناه)، فانطلقت حملة افتراضية رافضة «لهذه التصرّفات التي لا تليق بالسعودية». وتساءل ناشطون في الحملة عن «الفرق بين حفلة نصير شمة ومحمد عبده؟ لماذا يمنع الأول من الغناء ويسمح للثاني؟ وماذا عن الغناء في مهرجان الجنادرية؟ لماذا كل هذا التناقض والازدواجية؟». وأشار هؤلاء إلى إقامة نشاطات فنية وحفلات عدّة في الرياض وجدة، «لكن صوت المحتسبين في المنطقة الشرقية كان الأعلى». «الشعوب تحرر بلادها من الطواغيت ونحن نحرر بلادنا من الطرب»، كتب مدوّن سعودي غاضب، مضيفاً «لماذا هذا الإصرار على اغتيال الجمال؟ العيد انتهى باكراً ومرّ كئيباً»، فيما تقول الناشطة السعودية منال الشريف : «لا مكان للفن هنا. وصلتك الدعوة بالخطأ يا نصير. عذراً إنهم يسرقون البسمة منا». وانتقدت الشريف عدداً من الفاعليات في المنطقة الشرقية على القبول بهذا القرار، خصوصاً «أن مدناً سعودية أخرى شهدت حفلات مماثلة لفنانين عرب من دون أن يطالها مقصّ المحتسب». وكانت بعض الصحف الخليجية، بينها جريدة «الأنباء» الكويتية، قد كتبت أن بعض «اللجان الاحتسابية قد عقدت اجتماعاً في أول أيام عيد الفطر (الثلاثاء الماضي) لرفع خطاب إلى الجهات المسؤولة بهدف إيقاف الحفلة». وفي حال صحّت هذه المعلومات وتبيّن أن موقف المحتسبين هو الذي أدّى إلى إلغاء حفلة نصير شمّة الأولى في السعودية، فإنّ هذه الحادثة لن تكون الأولى من نوعها، إذ إنّ الجميع يذكرون ما حصل في معرض الكتاب في الرياض في آذار (مارس) الماضي، حين أجهض المحتسبون أبرز فعاليات المعرض. كذلك، فإن بعض المتشدّدين حاولوا اقتحام حفلة غنائية للمتخرّج في «ستار أكاديمي 8» السعودي محمد عبد الله، بحجة «عدم جواز الاحتفال بأهل الرقص والغناء في الأراضي المقدسة».
وقال شمة رداً على إلغاء الحفل إن ما يحدث «مقدمة لمعركة حقيقيّة تجري الآن بين المثقفين السعوديّين والمتشدّدين الذي يسمّون اللجان «الاحتسابيّة»، وخصوصاً أنّ موضوع إلغاء أمسيتي دخل في اتجاهات عجيبة غريبة، إذ اجتمعت هيئة الأمر بالمعروف لمناقشة الأمسية. ثمّ سرعان ما احتفلوا بأنّهم حصلوا على أمر من أمير المنطقة الشرقيّة في السعودية بإلغاء الأمسية، واعتبروه نصراً لهم». وأضاف شمة: «كلّ المثقفين السعوديّين يخوضون حرباً ضدّ تدخّل المتشددين في الحياة. بل إنّ الكثير من المواقع الثقافيّة العربيّة والصحف السعوديّة كتبت عن الموضوع وناقشته بجدل واسع».
وعما إذا كان سيلبّي دعوة جديدة لإحياء أمسية في السعودية، أشار الى أنّ ما جرى ويجري هو «صراع بين الظلاميّين والتنويريّين، ومهمتنا في العالم العربيّ أن نوصل وجهة نظرنا الى الناس. والشعب السعودي يتابع دوماً حفلاتي وأمسياتي، وبالتالي هذا الفعل لن يقاس أو يؤخذ عليهم».
وعن تقويمه لموقف اللجان الاحتسابية وتدخلها في إلغاء أمسيته، قال «المتشدّدون لا وطن لهم. هم موجودون في كلّ مكان، يرون أنّ أهمّ ما في حياتهم هو فرض وجهة نظرهم، حتّى لو قاموا بتصفية الآخر. وهم السبب في خلق تنظيم «القاعدة» والقتل والتفجير بالسيارات المفخخة وكلّ سفك الدماء الذي نشهده في منطقتنا. هم لا يهمّهم سوى الانتصار لوجهة نظرهم وذواتهم، معتقدين أنّ الله منحهم الحقّ في تزكية الإنسان أو تكفيره». وليست هذه المرّة الأولى التي يُمنع فيها مثقف أو فنّان عربي من المشاركة في فعاليّات ثقافيّة وفنيّة تقام على أرض المملكة. إذ مُنعت «منشورات الجمل» التي يديرها الناشر والشاعر العراقيّ خالد المعالي، من المشاركة في «معرض الرياض الدوليّ للكتاب» في آذار (مارس) الماضي. يومها، أصدرت «الجمل» بياناً شديد اللهجة جاء فيه: «منعت إدارة المعرض الكثير من الإصدارات الجديدة والقديمة، من ضمنها روايات الكاتب عبده خال (...) وخلال هذا، نشطت الإدارة في نشر الشائعات واختلاق المشاكل في الصباح والمساء. وحينما كنّا (منشورات الجمل) نواجه هذه الإدارة بمفاهيم تقوم عليها السياسة المعلنة للمملكة مثل «مملكة الإنسانيّة» أو «حوار الأديان»، فإنّها كانت تبرطم كأنّها تريدنا أن نفهم بأنّ هذه الشعارات هي للتصدير وليست للاستهلاك المحليّ...».
عماد استيتو
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد