المقاومة اللبنانية تفضح شبكة «سي آي إيه» بالأسماء والأماكن
اهتز الأمن الوطني اللبناني عموما والأمن الجنوبي خصوصا، أمس، مع الاعتداء الآثم الذي تعرضت له دورية فرنسية، تعمل ضمن قوات «اليونيفيل» في الجنوب اللبناني، وذلك في استهداف واضح للشاهد الدولي «التاريخي» ولو «الصامت» على الاعتداءات والانتهاكات والمجازر الإسرائيلية في الجنوب منذ العام 1978 حتى الآن، والتي لم تستثن جنود «القبعات الزرق» أنفسهم، ولا المدنيين اللبنانيين الذين حاولوا الاحتماء بهم كما حصل في العامين 1996 و2006، لكن نيران الحقد الإسرائيلية لم ترحمهم.
وقد أوقع الاعتداء خمسة جرحى «صحتهم جيدة وليسوا بخطر» على حد تعبير السفير الفرنسي في لبنان دوني بييتون، الذي شدد، كما وزير خارجيته، على أن فرنسا لن ترضخ للاعتداء وبالتالي ستواصل عملها ضمن «اليونيفيل» لحماية الأمن والاستقرار في الجنوب اللبناني.
ولقي الحادث موجة من ردود الفعل المستنكرة لبنانيا، وأبرزها من مجلس الوزراء الذي انعقد، أمس، في السرايا الكبيرة، برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي شدد على أن الاعتداء لن يؤثر على مشاركة فرنسا في «اليونيفيل». ولوحظ أن حادث «اليونيفيل» فرض نفسه على جدول أعمال الحكومة، وجعل المناقشات الحكومية هادئة، بحيث لم يتم التطرق إلى موضوع الأجور، على الرغم من تفاعله نقابيا، حيث قرر الاتحاد العمالي العام دعوة مجلسه التنفيذي الى الاجتماع الاثنين المقبل لتدارس توصية بالإضراب رفضا للزيادة التي قررتها الحكومة، فيما تواصل هيئة التنسيق النقابية الاستعدادات لتنفيذ الإضراب الخميس المقبل.
في هذه الأثناء، وغداة انتهاء زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان إلى بيروت، وعلى مسافة اقل من أسبوعين من إقرار الأميركيين ولو بصورة غير رسمية بالنكسة الاستخباراتية الكبيرة التي تعرضت لها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في بيروت، مع كشف المقاومة عددا من الجواسيس اللبنانيين المرتبطين بها في الشهور الماضية، بادرت المقاومة، ومن خلال قناة «المنار»، ليل أمس، إلى توجيه ضربة جديدة، للأميركيين تمثلت في بث تقارير تعرض تفصيليا هيكلية الـ«سي آي إيه» في لبنان، بالأسماء وتواريخ الميلاد والأسماء الحركية وآلية العمل وأهداف التجنيد.
وبدا أن «حزب الله» ومن خلال هذه الخطوة أراد إيصال رسالة للأميركيين وربما لسفارات دول أخرى، تمارس الدور نفسه، أي العمل بصفة مخبر عند الإسرائيليين، بأن عين المقاومة ساهرة على الأمن الوطني، و«أن من توصل الى هذه «الداتا» من المعلومات قادر على بث معلومات أخرى، قد تكون أخطر بكثير، في التوقيت الذي يختاره، من ضمن الحرب الخفية أو الباردة المفتوحة بين المقاومة والأجهزة الاستخباراتية التي تعمل عند الاسرائيليين».
وإذا كانت التقارير التي بثتها المقاومة عبر «المنار»، تندرج في خانة تهشيم صورة الاستخبارات المركزية الأميركية، فإن الأكيد أن السفارة الأميركية لم يغمض لها جفن، ليل أمس، وربما تبادر الى اعادة تقييم جديد لعمل الفريق الاستخباراتي فيها والذي يستخدم الصفة واللوحة الدبلوماسية للسفارة، واجهة لحركته، مثلما صار واجبا على بعض اللبنانيين الذين ربما لم يكن بعضهم يعرف طبيعة عمل هؤلاء الجواسيس أن يعيدوا النظر أيضا في تواصلهم مع السفارة الأميركية وحتى مع غيرها من السفارات، من دون إغفال واجبات
الدولة اللبنانية، وتحديدا وجوب استدعاء السفيرة الأميركية رسميا، وهو الأمر الذي شدد عليه عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله خلال حلقة برنامج «حديث الساعة» التي بثتها «المنار» ليل أمس.
وكشفت المقاومة عبر «المنار» تفصيليا النشاط الاستخباري لجهاز الـ«سي آي إيه» انطلاقا من محطة متمركزة بشكل دائم في احد المباني التابعة للسفارة في عوكر، والتي «تتولى ادارة وتشغيل شبكات واسعة من المخبرين المنتشرين على الاراضي اللبنانية في قطاعات سياسية واجتماعية وتربوية وصحية وأمنية وإعلامية وعسكرية عدة».
ويحدد التقرير هيكلية تلك المحطة بدءًا برئيسها ضابط الاستخبارات دانيال باتريك ماكفيلي، Daniel Patrick Mcfeely مواليد 29/6/1966، الذي حل محل الرئيس السابق للمحطة «لويس كاهي» (Louis Kahi)، والذي ترك عمله في بداية العام 2009.
وبحسب التقرير، فإن ماكفيلي ينتحل صفة دبلوماسية في السفارة الاميركية ويعمل معه فريق يتولى ادارة العمل الاستخباري في لبنان يصل عدد أعضائه الى حوالى عشرة ضباط، مكلفين ادارة ومتابعة الشبكات الامنية التابعة للاستخبارات الاميركية في لبنان، ويخدمون بشكل ثابت في محطة بيروت لمدة ثلاث سنوات، وجميعهم يعملون بصفة دبلوماسيين في السفارة الاميركية، كما ان هناك ضباط مخابرات آخرين غير متفرغين في المحطة، يحضرون الى لبنان لفترات قصيرة (عدة اسابيع او عدة اشهر)، وغالبا ما يكون هؤلاء مكلفين بمهام محددة وبعد إنجازها يغادرون.
وسمى التقرير مجموعة من الضباط العاملين، وهم روسيندو سيدانو (Rosendo Cedano)، تشاك ليزنبي (Chuck Lisenbee)، سارة غيتر (Sarah Getter)، كما اشار الى أن ضباط الاستخبارات يستخدمون أسماء وهمية يقدمون أنفسهم بها، ومن هؤلاء: الضابط «نيك» (Nick)، الضابط «جيم» (Jim)، الضابط يوسف، الضابطة «ليزا» (Lisa) ـ الضابط «جون» (John).
وكشفت معلومات المقاومة برنامج إدارة العملاء ومن ضمنه أماكن عقد اللقاءات بين الضباط والعملاء في أماكن عامة مثل «ستارباكس»، «ماكدونالدز»، «بيتزا هات»، فضلا عن بعض اللقاءات التي تعقد داخل سيارة الضابط وهي تحمل لوحة سيارة دبلوماسية تابعة للسفارة الأميركية ويتم التجول بها في الشوارع الى حين الانتهاء من اللقاء.
ويلفت التقرير الانتباه الى ان محطة الاستخبارات الاميركية في لبنان تنفذ عمليات تجنيد تطال مختلف شرائح المجتمع اللبناني، ويسلط التقرير الضوء على بنك اهداف الـ«سي آي إيه» في لبنان، ولا سيما الاستطلاع والاستخبار عن كل ما يتعلق بأفراد «حزب الله» والمقاومة من العناصر والمسؤولين، أرقام هواتفهم، وعناوين أماكن سكنهم، عناوين المدارس التي يتعلم فيها أولادهم، مشاكلهم المالية، أسماء مسؤولي «حزب الله» في القرى، والأسلحة التي بحوزتهم، مخازن الصواريخ، البنى اللوجستية للمقاومة والكوادر المعروفين بأنهم مطاردون من قبل العدو الإسرائيلي بهدف اغتيالهم.
ويشير التقرير الى أنه خلال حرب تموز 2006، حركت المخابرات الأميركية مخبريها لمتابعة ورصد كل ما يتعلق بنشاط المقاومة، حيث كان يتم تزويد الإسرائيليين من قبل المخابرات الأميركية بكل المعلومات الميدانية التي يحصلون عليها، والتي أدى بعضها إلى استهداف العديد من المباني والأهداف المدنية من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية. كما طلب الأميركيون في محطة عوكر، من مخبريهم وجواسيسهم معلومات عن المؤسسات الصحية والاجتماعية والمالية التابعة لـ«حزب الله» المنتشرة في المناطق اللبنانية، «وفي بعض الحالات تعمد الاستخبارات الأميركية إلى ربط بعض المصادر التي كانت تديرها بضباط إسرائيليين تولوا لاحقاً استلام إدارة ومتابعة هذه المصادر، بما يخدم تنفيذ برنامج أمني خاص بالعدو الإسرائيلي بشكل كامل» كما فضح التقرير الفساد المالي داخل الـوكالة، كاشفا ان النظام المالي للـ«سي آي إيه» المعتمد مع العملاء لا يخلو من الفساد لجهة استيلاء ضابط الاستخبارات على جزء من الأموال المخصصة لجواسيسهم.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد