الهجوم على السفارة الروسية بدمشق..حرب أم إرهاب؟
الجمل ـ * كريستوفر بلاك ـ ترجمة رنده القاسم:
الثلاثاء التاسع عشر من أيار ، تعرضت السفارة الروسية في دمشق لهجوم آخر من قبل القوات الوكيلة عن الناتو التي تحاول إسقاط الحكومة السورية. و رد وزير الخارجية الروسي بتصريح يشجب الهجوم على أساس أنه عمل "إرهابي" و دعا "المجتمع الدولي" للرد على الهجوم و حث "كل الأطراف، التي تملك تأثيرا على المتطرفين في سوريه، على مطالبتهم بالإيقاف الفوري لهذه الأعمال".
و لكن هل هذا عمل إرهابي أم حرب؟ دعونا نناقش ماذا يعني العمل الإرهابي. انه هجوم على المدنيين من قبل أشخاص أو مجموعات صغيرة بهدف خلق الذعر وسط السكان لتحقيق أهداف سياسية.و الهجوم على موقع عسكري أو على وحدة عسكرية ليس أعمالا إرهابية و إنما أعمال حربية،و كذلك قصف سفارة أجنبية أو وحدات مسلحة منظمة ملتزمة بالحرب ليس عملا إرهابيا، انه اعتداء على الدولة الأجنبية ذاتها و لذلك هو عمل حرب و يقصد منه ذلك.
و من هو ذاك "المجتمع الدولي" الغامض الذي يشيرون إليه؟ حسنا، كل من هو ليس بالأعمى و لا الأصم و لا الأبكم يعلم بأنه الولايات المتحدة الأميركية و شركاؤها في الجريمة ضد سوريه: بريطانيا، فرنسا، كندا، الأردن، تركيا، إسرائيل و السعودية. و لا يعني هذه الدول "التي تملك تأثيرا على المتطرفين في سوريه"، كما قال وزير الخارجية الروسي، إيقاف الأعمال الإرهابية، بل هي معنية بالسيطرة و الدعم المباشر للقوات التي هاجمت السفارة الروسية .
هذا الهجوم ليس مجرد عمل لإرهابيين مارقين. فهو، كحال هجوم الناتو على السفارة الصينية في اعتدائها على يوغسلافيا عام 1999، عمل حرب يقصد منه إيصال رسالة إلى روسيا من أجل التخلي عن دعمها لسورية و إلا ستعاني أسوأ من ذلك.
و ربما تبدو محاولات الحكومة الروسية التقليل من حجم مسؤولية الولايات المتحدة و دماها المتحركة أمرا مفهوما في ضوء الهدف الأكبر ألا و هو تفادي صراع مباشر مع القوة الكبرى، ولكن من المستحيل إخفاء حقيقة أن هذا اعتداء مباشر ضد روسيا بعد أيام فقط من "استعراض النصر" في موسكو الذي قاطعه قادة الناتو، و مباشرة بعد لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع الرئيس بوتين في سوتشي .
و دارت تخمينات كثيرة حول اللقاء بين الرئيس بوتين و كيري، مثل أن الأميركيين قد عرفوا "أخطاءهم" في أوكرانيا، و أنهم أدركوا أن إستراتيجيتهم قد فشلت، و أن هناك انقساما حقيقيا بين الاتحاد الأوروبي و أسياده في واشنطن، و أن كل ذلك قد أعاد الأميركيين إلى رشدهم. غير أن الكلمات الحادة التي توجهت بها المستشارة الألمانية للرئيس بوتين، عندما ذهبت إلى موسكو لوضع إكليل من الزهور في اليوم التالي لاستعراض النصر، يثبت أن العكس هو الصحيح. فهناك إجماع تام على الهدف الأساسي و هو إخضاع روسيا. و الاختلاف فقط على أمرين متعلقين بتحقيق هذا الهدف و هما الإستراتيجية و التوقيت.
المستشارة الألمانية المنافقة ميركل استغلت وقتها القصير في موسكو بعد وضع إكليل الزهور من أجل قتلى الحرب، لمهاجمة الرئيس بوتين في المؤتمر الصحفي. لقد كذبت و اتهمت روسيا بارتكاب "جرائم" في القرم و أوكرانيا، و أن روسيا، بعيدا عن تحرير أوروبا من النازية، قامت بقمع "الديمقراطية" في أوروبا الشرقية. و تعليقاتها ، التي لم تمنح أهمية في روسيا و لكنها ظهرت بوضوح في الإعلام الأميركي، كانت إهانة كبيرة من قائدة دولة دمرت روسيا في الحرب العالمية الثانية و دعمت التشكيلات الفاشية خلال انهيار يوغسلافيا و قامت بعنف بقصف تلك الدولة عام 1999. كما أنها تشويه للتاريخ و الحقائق لأن "الديمقراطية الشيوعية" في أوروبا الشرقية لم تحل بدلا عنها الحرية و التحرر، و إنما الاضطهاد المتزايد و إفقار المواطنين، و هي صفات الديمقراطية الرأسمالية في الغرب و أدوات دولة البوليس.
إنها أيضا المرأة ذاتها التي دعمت العصيان ضد الرئيس يانوكوفيتش و استمرت بدعم جرائم الحرب المرتكبة بحق سكان شرق أوكرانيا من قبل مجلس بوروشنكو في كييف منذ ذاك الوقت. و دعونا لا ننسى أن جنودا ألمانيين كانوا جزءا من عمليات تهدف لفصل غير شرعي لكوسوفو عن بقية صربيا، و شاركوا في التطهير العرقي للصرب من كوسوفو و راقبوا من بعيد تدمير وحشي لأعداد لا تحصى من الكنائس الأرثوذوكسية و المواقع الحضارية وسط صربيا.
توقيت قصف السفارة الروسية التالي لهذه اللقاءات لا يمكن أن يكون مجرد صدفة حدثت مباشرة بعدها و بالتزامن مع التدريبات البحرية الروسية-الصينية في المتوسط و محاولة الناتو إسقاط حكومة مقدونيا من أجل تعطيل مشروع خط الغاز South Stream. الإهانات ترافقت مع ضغوط عسكرية و اقتصادية.
و لكن ما الذي يمكن القيام به إزاء ذلك؟الاعتداء على القنصلية انتهاك للقانون الدولي و يمثل اعتداءا بموجب تشريع روما الذي ينص على أن جريمة الاعتداء تتضمن "إرسال عصابات أو مجموعات مسلحة أو جنود غير نظاميين أو مرتزقة من قبل( أو نيابة) عن دولة ما، لتقوم بأعمال مسلحة ضد دولة أخرى..."
و لكن ما من آلية يتم بها إجبار الدول المجرمة التي تقف وراء هذه الأعمال للمثول أمام العدالة. فمحكمة الجرائم الدولية لا تملك أية سلطة و هي أداة بيد الغرب. و مجلس الأمن اضمحل ليغدو مجرد استعراض كرنفالي لخطب المبعوث الأميركي الحماسية و المتصفة بالاضطراب العقلي.
لا تزال الولايات المتحدة صامتة حتى الآن حول القصف و لكن يمكننا توقع نفس التصريحات الكاذبة التي أطلقتها الإدارة الأميركية حيال الهجوم على السفارة الروسية في دمشق عام 2013 في الثامن و العشرين من تشرين الثاني، و اعتداء آخر في كانون الثاني من هذا العام. فقد أطلقت تصريحات تشجب الهجمات و بنفس الوقت كانت تدعم من قاموا به. و لعب الأميركيون نفس الدور عندما تعرضت السفارة الروسية في كييف للاعتداء في الرابع عشر من حزيران عام 2014 من قبل رعاع عنيف يضم أعضاء من جماعة آزوف و وزير خارجية كييف. اذ نشروا تصريحا يشجب الواقعة و لكنهم انعطفوا مباشرة و برروا الهجوم باتهام روسيا بتحريك قواتها إلى أوكرانيا.
و لابد أن روسيا تتعامل بحذر و احتراس و لكنها تواجه أعداء يحشرونها في زاوية ضيقة و خبراء في الاستفزاز و المكر و الفوضى و القتل. و نحن نأمل أن تتمكن روسيا و الصين ، مع وجود دول BRIC الى جانبهما ، من الاستمرار في تطوير رؤية أخرى لعالم يكون فيه اعتبار لوجود شريك آخر طبيعي في الدبلوماسية العالمية ، و بنفس الوقت أن يغدو ما أشار إليه الرئيس السوري بشار الأسد مؤخرا بمحور المقاومة قويا بشكل يكفي لهزيمة اعتداء القوى الظلامية في الغرب التي تعيش فقط لأجل السلطة و المكاسب و الهيمنة على العالم.
*محامي في الجرائم الدولية مقيم في تورنتو ، و عضو في مجتمع القانون لكندا العليا ، و اشتهر بقضايا كبرى تتعلق بحقوق الإنسان و جرائم الحرب.
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
إضافة تعليق جديد