الوثيقة الفرنسية للتسوية الفلسطينية تعيد الصراع إلى دوامة التفاوض
من المقرر أن يعقد غداً في باريس المؤتمر التمهيدي لوزراء خارجية 29 دولة للتحضير للمؤتمر الدولي الذي نادت بعقده المبادرة الفرنسية لحل الصراع العربي - الإسرائيلي.
وقد نشرت صحيفة «هآرتس»، للمرة الأولى، أمس فحوى وثيقة وزعتها وزارة الخارجية الفرنسية على الدول المشاركة تحدد للمؤتمر هدفاً، وهو بلورة مبادئ حل قضايا الحل الدائم. ومن بين أبرز مبادئ المبادرة الفرنسية الداعية إلى استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين تحديد جدول زمني لأي مفاوضات كهذه.
وأشارت «هآرتس»، التي حصلت على نسخة من الوثيقة التمهيدية، إلى أنها ورقة عمل غير رسمية وزعت على وزراء خارجية 28 دولة، إلى جانب فرنسا، ستحضر اللقاء، وليس بينها إسرائيل أو السلطة الفلسطينية.
وكان المؤتمر تأكد عقده بعد تعيين أفيغدور ليبرمان وزيرا للدفاع في إسرائيل، وهو أمر أثار غضباً في العديد من المحافل الدولية، وخصوصاً في الإدارة الأميركية. وإثر هذا التعيين أبدت أميركا ترحيبها بالمبادرة الفرنسية، وقرر وزير خارجيتها جون كيري حضور اللقاء. ويعتبر لقاء وزراء الخارجية مقدمة لعقد المؤتمر الدولي الذي تسعى فرنسا لعقده حتى نهاية العام الحالي، رغم أن النية كانت تتجه في البداية لعقده حتى أواخر الصيف الحالي بمشاركة الطرفين.
وبحسب «هآرتس» فإن ورقة العمل، التي وزعتها فرنسا، سوف تناقش اليوم في الجلسة التمهيدية التي تسبق لقاء وزراء الخارجية، ويشارك فيها ديبلوماسيون كبار من كل الدول المشاركة، حيث سيتقرر جدول أعمال لقاء وزراء الخارجية. وفي كل حال فإن ورقة العمل هذه تشكل أرضية للمناقشات، ولا تمثل حالياً سوى الموقف الفرنسي. ومعروف أن أميركا ودولا عدة تتحفظ إزاء بعض النقاط الواردة في الورقة الفرنسية.
وتستعرض ورقة العمل الفرنسية خلفية مبادرة السلام الفرنسية، وتقرر أن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني ظل موضوعاً مركزياً في الشرق الأوسط. وتقول الوثيقة إن «النزاع يخلق انعدام استقرار وانعدام أمن، وهو يشعل خطاباً وعنفاً متطرفاً. إن التقدم نحو حله ظل ملحاً كما كان أبدا».
وتضيف الوثيقة أن حل الدولتين هو الخيار العملي الوحيد لإنهاء النزاع، وأن أي جهة لم تعرض حلاً أفضل يكون مقبولاً على إسرائيل والفلسطينيين، ويستجيب لمطامحهما ويربط بين العدل والمتطلبات الأمنية. ومع ذلك يشير الفرنسيون في الوثيقة إلى أن هذا الحل يواجه خطر أن يغدو مستحيلاً جراء استمرار البناء في المستوطنات، بما فيها مناطق حساسة، وجراء تحول الحوار إلى عدائي بشكل متزايد. وقالت الوثيقة الفرنسية: «ينبغي الحفاظ على حل الدولتين، وفعل ذلك بشكل عاجل.. إن القبول بالقدر ليس خيارا.. هناك حاجة لتدخل دولي مستجد».
وتحدد الوثيقة الفرنسية أهداف لقاء وزراء الخارجية ومؤتمر السلام الدولي، وتقول إن بالوسع التوصل لاتفاقية سلام فقط عن طريق المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن بالدرجة نفسها هناك تشديد على أن الهوة بين الجانبين كبيرة، ولا تجري أية مفاوضات منذ فشل مبادرة السلام الأميركية في نيسان العام 2014. وفضلاً عن ذلك لا توجد إشارات على أن ثمة فرصة لأن يستأنف الطرفان بنفسيهما المفاوضات، لذلك هناك ضرورة لخطوة خارجية تدفعهما للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وتقول الحكومة الفرنسية إن بوسع الأسرة الدولية المساعدة في تحريك العملية السلمية، وتدعو مختلف الجهات الدولية، خصوصاً دول المنطقة المعنية باستئناف محادثات السلام، «لإلقاء كل ثقلها في هذه المسألة». وتقترح الوثيقة سلسلة نشاطات تقوم بها الأسرة الدولية، وفي مقدمتها تحديد مبادئ حل القضايا الجوهرية في النزاع (الحدود، الأمن، اللاجئين، القدس، المستوطنات والمياه) والتي حولها ستدور مفاوضات مستقبلية.
وجاء في الوثيقة أن بوسع الأسرة الدولية «الاستناد إلى العمل الذي نفذته الولايات المتحدة في توضيح القضايا الجوهرية، والمساعدة في بلورة حلول، وعرض المساعدة وتقديم الضمانات للتنفيذ». وكذلك «توفير إطار يرافق المفاوضات حتى إتمامها»، «وخلق محفزات لتظهر للطرفين ومواطنيهم أنهم سيربحون بشكل عملي من السلام»، و «محاولة خلق أجواء يمكن إجراء محادثات سلام فيها».
وتشدد الوثيقة الفرنسية على اهتمامها بالتفاهمات التي سيتوصل إليها وزراء الخارجية في ختام اللقاء، والتي ستعرض في بيان ختامي يقال فيه إن حل الدولتين لا يزال ممكناً، وأن الأسرة الدولية تؤيده وستعرض سبيلاً للتقدم نحو تحقيقه. وأحد المواضيع المركزية التي يهتم الفرنسيون للتوصل إلى توافق بشأنها، أثناء لقاء وزراء الخارجية، هو مبدأ الجدول الزمني لأي مفاوضات ستبدأ مستقبلاً. وجاء في الوثيقة إن «الوقت ليس عاملاً محايداً في ضوء التآكل الدائم في حل الدولتين، فالمقاربة القائلة بإدارة مفاوضات لا نهائية تتناقض مع الواقع على الأرض وخطر التصعيد الذي لا يتوقف. وسيتفق الوزراء على مبدأ وجود الحاجة إلى تحديد جدول زمني واضح للمفاوضات عندما تستأنف، وستكون حاجة لإجراء تقدير مرحلي لفحص جدية العملية». وأوضحت «هآرتس» أن أميركا ودولا أخرى معنية بأن يكون البيان الختامي للقاء عمومياً فقط.
ويوضح الفرنسيون، في الوثيقة، أنه في ظل وجود عدة سيرورات دولية تجري بالتوازي، مثل تقرير الرباعية والمبادرة المصرية، ثمة حاجة لإجراء أكبر قدر ممكن من المشاورات للتوصل إلى إجماع أوسع بين الجهات الدولية المشاركة في المبادرة. وتقترح باريس على وزراء الخارجية محاولة التوصل إلى اتفاق في النقاط التالية:
أ- تقدير موقف مشترك يقضي بأن حل الدولتين هو الحل الوحيد للنزاع، وهو معرض للخطر وينبغي العمل للحفاظ عليه.
ب- الإعراب عن استعداد كل الدول المشاركة لتقديم الدعم والمساعدة لأي فعل يحافظ على حل الدولتين ويحققه.
ج- التوصل إلى رؤية مشتركة بشأن طريقة إعادة تحريك العملية السلمية، وأهداف مؤتمر السلام الدولي.
د- الاتفاق على النشاطات التي ينبغي للدول المشاركة تنفيذها قبيل انعقاد مؤتمر السلام.
ه- الاتفاق على موعد المؤتمر.
ويقترح الفرنسيون في الوثيقة تشكيل طواقم، يهتم كل واحد بإحدى الزوايا: طاقم لبلورة توصيات لخطوات ينبغي على الإسرائيليين والفلسطينيين ودول المنطقة اتخاذها على المدى القصير، حتى قبل انعقاد المؤتمر الدولي، للحفاظ على حل الدولتين ومنع أي تصعيد جديد، وطاقم يبلور الحوافز الاقتصادية للطرفين، وطاقم ثالث يعنى بالأمن والتعاون الإقليمي.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد