الولايات المتحدة الأمريكية وعسكرة الاقتصاد السياسي العالمي
الجمل: العلاقة بين السياسة والاقتصاد أصبحت بفعل معطيات حقائق وبدهيات علم الاقتصاد السياسي أكثر وضوحاً: تصاعد الأزمات الاقتصادية يؤدي إلى الحروب، وبناء على ذلك كانت الحربين العالمية الأولى والثانية نتاجاً لحدوث الأزمة الاقتصادية الشاملة، والتي أدت إلى ظاهرة الركود والكساد في الاقتصاد العالمي والتي تفاقمت حدتها في الأعوام الخمسة التي سبقت مباشرة اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية.
تحليل الوقائع التاريخية الخاصة بالأداء السلوكي للإدارات التي تعاقبت على حكم الولايات المتحدة في الفترة من نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، وحتى الآن، تشير إلى بروز نزعة عسكرة الاقتصاد السياسي العالمي، من خلال عسكرة الاقتصاد الأمريكي واقتصاديات حلفائه الداعمة له مثل: كندا، اليابان، فرنسا، بريطانيا.. وغيرها من بلدان غرب أوروبا.
تتماثل نزعة عسكرة الاقتصاد في توجهات اللوبيات وجماعات الضغط المؤثرة على دوائر صنع واتخاذ القرار في الإدارة الأمريكية.
• شركات النفط الأمريكية: تدعم نزعة العسكرة على أساس أن استخدام القوة الأمريكية هو الوسيلة الوحيدة القادرة على دعمها في التغلب على المنافسة العالمية والسيطرة على منابع النفط وممرات نقله.
• اليمين الأمريكي: ويتبنى استراتيجية الهيمنة على العالم. وتجمع كل الفئات والجماعات المنضوية تحت لافتة هذا اليمين (المحافظين الجدد، المسيحية الصهيونية.. وغيرها) على ضرورة الاعتماد على القوة العسكرية كعنصر حاسم في تحقيق التفوق الأمريكي العالمي والحفاظ على استدامته.
• اللوبي الإسرائيلي: وتؤيد كل منظمات هذا اللوبي الضرورة المطلقة لنمو وتعاظم استخدام القوة العسكرية الأمريكية المفرطة، بما يؤدي لإخضاع العالم، وتحقيق السيطرة الكاملة عليه.
تعمل هذه العناصر الثلاثة ضمن آلية موحدة تمارس ضغطاً موحداً على دوائر صنع واتخاذ القرار داخل الإدارة الأمريكية، وأيضاً داخل حكومات القوى الكبرى المتحالفة معها. وحالياً أصبحت الخطوط الفاصلة بين هذه القوى الثلاث لا تعني شيئاً، فقد توحدت هذه الكيانات وأصبحت شركات النفط شديدة الارتباط بالمنشآت المالية والصناعية العسكرية، كذلك أصبحت جماعات اللوبي الإسرائيلي واليمين المسيحي الصهيوني تسيطر على مجالس إدارات هذه المنشآت، وأيضاً على جزء كبير من رأسمالها. دائرة المصالح التي تجمع هذه الأطراف، أصبح نطاقها يتضمن المعلن وغير المعلن، المباشر وغير المباشر، الطويل الأجل والقصير الأجل.. ومن أبرز الأمثلة الدالة على ذلك:
- ترتبط المنشآت النفطية والصناعية العسكرية الكبيرة، بالأسر والعائلات الثرية في أمريكا والبلدان الغربية، ومن ثم تقدم الكثير من الدعم والمنح والمساعدات لأفراد هذه العائلات فيما يتعلق بالمنح الدراسية، وتوفير الوظائف القيادية لأبنائها، كما أن بعض المنشآت النفطية والصناعية الكبرى تعود ملكيته بالأساس لهذه العوائل والجماعات الناشطة في الحقل السياسي.
- تقوم اللوبيات المختلفة، وبالذات اللوبي الإسرائيلي على المدى القصير بعملية تبني ورعاية ودعم صغار السياسيين، بما يمكّن هذه اللوبيات من وضع يدها تماماً عليهم عندما يصبحون على المدى البعيد من كبار السياسيين.
- تقوم المنشآت النفطية والصناعية العسكرية واللوبيات بتقديم الدعم الفني والمادي والمعنوي لمراكز الدراسات ووسائل الإعلام والدعاية، على النحو الذي يتيح ويفسح المجال لتسويق الأجندة التي تخدم مصالح هذه المنشآت.
الإدارة الأمريكية الحالية لا مخرج لها من الأزمة الخانقة داخل النظام الاقتصادي الاجتماعي الأمريكي سوى المضي قدماً في عملية توسيع مسارح الحرب:
• استهلاك السلاح والعتاد العسكري يؤدي إلى ارتفاع مبيعات شركات السلاح والعتاد العسكري.
• ارتفاع مبيعات شركات السلاح والعتاد العسكري يؤدي إلى خلق الطلب على المزيد من توظيف الأرصدة المصرفية.
• الطلب على الأرصدة المصرفية يتطلب المزيد من تدفقات الأموال والأرصدة على البنوك والمصارف الأمريكية.
ولكي يتحقق ذلك، لابدّ من السيطرة على منابع النفط والممرات الاستراتيجية، ورفع أسعار النفط، بما يؤدي إلى ارتفاع عائدات مبيعات النفط العالمي، وهو أمر يترتب عليه بالضرورة تزايد الودائع المالية في البنوك الأمريكية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد