الولايات المتحدة لم تتبدل و لكن خسرت
الجمل- *بقلم توني كارتالوتشي- ترجمة رنده القاسم:
الولايات المتحدة، ووفقا لمصادر في الإعلام الغربي، قد بدلت الأولويات في سورية ، فما عادت تركز على تغيير النظام في دمشق.
و لكن في الواقع ، ليس الموضوع تبدل الأولويات ، و لكنه الإدراك بأن مطامح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد تمزقت بشكل كامل بالعزيمة السورية و الروسية و الإيرانية.
و توجب أن تلجأ الولايات المتحدة الآن إلى مسارات عمل ثانوية ، ليست أقل خبثا في النية أو في المحصلة النهائية عما هي عليه الخطة الأصلية التي خلفت المنطقة في حرب منذ 2011 مسببة مقتل عشرات الآلاف و تشريد و تعطيل حياة الملايين.
تحت عنوان :" أولوية الولايات المتحدة في سورية لم تعد تركز على التخلص من الأسد" كتبت رويتير: " سياسة الولايات المتحدة الدبلوماسية المتعلقة بسورية لم تعد تركز على تنحي بشار الأسد ، رئيس الدولة التي مزقتها الحرب.هذا ما قالته سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ، في تخلٍّ عن موقف إدارة أوباما الأولي و العلني تجاه مصير الأسد.
موقف إدارة ترامب غريب أيضا بالنسبة للقوى الأوربية ، التي تصر على رحيل الأسد.....و هذا التغير أثار توبيخا شديدا من سيناتوريين جمهوريين على الأقل"....
و بينما اعتبر البعض هذا التصريح الأخير دليلا على أن البيت الأبيض قد وفى بوعوده بشأن الإنسحاب من المغامرات الأميركية في الخارج، تابعت سفيرة الولايات المتحدة نيكي هيلي التصريح بالقول: " هل نعتقد أنه يشكل عقبة؟ نعم.. و هل سنجلس هناك و نركز على التخلص منه؟ كلا....ما سنركز عليه هو وضع الضغوط هناك بحيث نتمكن من البدء بالتغيير في سورية".
و لكن هذا "التغيير في سورية" هو حرفيا تقسيم الأمة و الذي بدأ تحت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. إنه بشكل أساسي الهدف البديل الذي سعت إليه الرأسماليات المشتركة الممولة من قبل صناع السياسة الأميركيين منذ بداية 2012 عندما فشلت المحاولات الأولية الساعية للتغيير السريع للنظام ، و تحول الصراع السوري إلى حرب مطولة و مدمرة...
عام 2012 أصدرت مؤسسة Brookings وثيقة تحت عنوان : " مذكرة الشرق الأوسط #21 : إنقاذ سورية: تحديد خيارات من أجل تغيير النظام" ، و توضح هذه الوثيقة تصريحا علنيا لصناع السياسة الأميركيين حول نيتهم خلق "ملاذ آمن" بالقول: "البديل هو تركيز الجهود الدبلومسية على كيفية إنهاء العنف أولا و الحصول على مدخل إنساني ، كما حدث تحت قيادة عنان. هذا قد يؤدي إلى خلق ملاذ آمن و ممرات إنسانية ، يمكن دعمهما من قبل قوى عسكرية محدودة ، و هذا بالطبع لا يحقق أهداف الولايات المتحدة المتعلقة بسورية و قد يبقي الأسد في السلطة. و لكن من هذه النقطة يمكن أن يتمكن إئتلاف واسع ،بتفويض دولي ملائم ،من إضافة أعمال قسرية مستقبلية إلى جهوده"
و فيما بعد أقرت الوثيقة علنا بأنه مع الفشل في إسقاط الحكومة السورية ، فإن نزيف البلد يمكن أن يكون بديلا مقبولا إذ جاء: "يمكن أن تستمر الولايات المتحدة بتسليح المعارضة ، حتى إن كانت تعلم بأن هذا لن يكون قوة تكفي بمفردها للإطاحة بشبكة الأسد. و يمكن أن تختار واشنطن القيام بذلك ببساطة مع الاعتقاد بأن تزويد الشعب المضطهد ببعض القدرة على مقاومة مضطهديهم أفضل من عدم القيام بأي شيء على الإطلاق ، حتى و إن كان الدعم المقدم يمتلك فرصة ضئيلة بتحويل الهزيمة إلى نصر... و بالمقابل الولايات تعتقد أنه لا يزال من المهم تثبيت نظام الأسد و إنزافه ، و إبقاء الخصم الإقليمي ضعيفا بينما يتم تجنب نفقات التدخل المباشر"
و التأكيد على التزام الولايات المتحدة بهذه السياسة من عام 2012 هو مهمة ريكس تيلرسون وزير خارجة الولايات المتحدة.... إذ ورد في مقال نشرته صحيفة الغارديان تحت عنوان " ريكس تيلرسون يقول بأن الولايات ستقيم مناطق آمنة من أجل اللاجئين هربا من داعش":
"قال ريكس تيلرسون بأن الولايات المتحدة ستقيم "مناطق استقرار مؤقتة" لمساعدة اللاجئين للعودة إلى وطنهم في المرحلة التالية من القتال ضد الدولة الإسلامية و القاعدة في سورية و العراق..و لكن وزير الخارجية الأميركي لم يوضح المكان المفترض لإقامة هذه المناطق .... و كان يخطب في لقاء ضم ثمانية و ستين دولة و منظمة اجتمعت في واشنطن لمناقشة تصعيد المعركة ضد داعش"
و فكرة أن الولايات المتحدة موجودة في سوريا من أجل "قتال الدولة الإسلامية" هراء موثق..فهي الولايات المتحدة و حلفاؤها من سعوا ، باعترافهم، لخلق الدولة الإسلامية الموجودة الآن. و تحافظ الميليشيات الوكيلة على قدرات قتال ضخمة متاحة فقط عبر رعاية دولية متعددة القوميات مماثلة بالضخم ، توفرها الولايات المتحدة و أوروبا عبر حلفائهم الإقليميين في الخليج و بشكل خاص السعودية و قطر و الإمارات العربية المتحدة.
على امتداد سنوات و تركيا ، العضو في الناتو، تقوم على تزويد مقاتلي الدولة الإسلامية بالمؤونة و السلاح ، و تمتلك تركيا شبكات لوجستية شاملة تربط الرعاة الأجانب للدولة الإسلامية بالأراضي السورية التي تحتلها....و مع دخول روسيا إلى الصراع في عام 2015 ، تم استهداف هذه الشبكات اللوجستية و تمزيقها من قبل القوة الجوية الروسية التي شاركت بشكل مباشر في التضاؤل الحالي لقوة الدولة الإسلامية عبر المنطقة.
تدخل الولايات المتحدة الآن يخدم هدفين : أولا: الإبقاء على التقسيم الحالي للأراضي السورية ، والذي ساهم فيه تواجد الدولة الإسلامية، و ذلك عن طريق استبدال قوات الدولة الإسلامية المهزومة بقوات أميركية . ثانيا، إظهار الولايات المتحدة على أنها "هزمت" جبهة الإرهابيين الوكيلة التي خلقتها هي بالمقام الأول و عملت على إبقائها قدر الإمكان لوجستيا و سياسيا و عسكريا.
و قيام وزير الخارجية الأميركي تيلرسون بالتأكيد مجددا على سياسة الولايات المتحدة خلال إدارة أوباما ما هو سوى إشارة أخرى إلى "استمرار الأجندة" و إلى أن المصالح الاستثنائية في "وول ستريت"، لا السياسة في واشنطن، هي ما يوجه سياسة الولايات المتحدة في الداخل و الخارج ، ما يشير إلى أن الرئيسين اللذين يبدوان ظاهريا متعارضين تماما سياسيا، يمتلكان في الواقع نفس السياسة على امتداد ست سنوات و ما بعدها.
و من الواضح أنه بينما خسرت الولايات المتحدة في دعوتها إسقاط الحكومة في سورية، فإنها مستمرة في أجنده من أجل تقسيم و تدمير الدولة السورية عبر كل الوسائل المتاحة. و الاستمرار في فضح و مقاومة كل من هذه الأجنده و المصالح الخاصة التي تقودها أمر أساسي للضمان بأن هذا المظهر من مطامح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سوف يفشل أيضا.
*كاتب و باحث جيوسياسي أميركي مقيم في بانكوك
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
الجمل
إضافة تعليق جديد