اليمن يختبر الحرب الأهلية: 38 قتيلاً و90 جريحاً
تحوّلت المواجهة بين انصار الرئيس اليمني علي عبدالله صالح والموالين لشيخ قبيلة «حاشد» النافذة صادق الاحمر الى اشتباكات مسلحة في حي الحصبة، شمال صنعاء، استخدمت فيها الاسلحة الثقيلة، في وقت قال الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني امس إن المبادرة الخليجية «لا تزال تمثل فرصة سانحة أمام الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سلمي وتجاوز الأوضاع الراهنة».
وبعد يومين على رفض صالح التوقيع على المبادرة الخليجية لانتقال السلطة في البلاد اندلعت اشتباكات عنيفة بين مقاتلين تابعين لقبيلة حاشد وقوات الأمن اليمنية، أسفرت عن مقتل نحو 38 شخصاً وإصابة أكثر من 90 آخرين بجروح.
وبدأت الاشتباكات عندما أصاب صاروخ منزل الشيخ الأحمر ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، من بينهم اللواء غالب قمش الذي كان يرأس مهمة وساطة.
وتحول حي الحصبة الى ساحة معركة ونصبت متاريس في الشوارع فيما شوهدت اعمدة الدخان تتصاعد من بين الابنية. ودارت اشتباكات ايضاً بين الجانبين بالقرب من وزارة الادارة المحلية ووزارة الداخلية ومركز شرطة النجدة في العاصمة، بحسب مراسلين.
وطال قصف القوات الحكومية ايضاً منزل الشيخ هزاع الضبعان، وهو جار الاحمر ومن انصاره. كما ذكر مصدر قبلي ان عشرات المشايخ من انصار الاحمر محاصرون داخل منزله، بعدما توافدوا اليه للتعبير عن تأييدهم له.
من جهتها، افادت وزارة الداخلية في بيانات نشرها التلفزيون اليمني ان «مناصري الاحمر هاجموا وزارتي الداخلية والسياحة ومركز شرطة النجدة ومقر وكالة الانباء اليمنية اضافة الى مقار رسمية اخرى». وحمل مصدر مسؤول في الداخلية الاحمر واخوانه «مسؤولية النتائج المترتبة على سفك دماء المواطنين الابرياء واعمال التدمير والتخريب التي تطال المصالح والمؤسسات الحكومية». كما افادت مصادر رسمية ان وزارة الداخلية تعرضت لاطلاق عشرات الصواريخ المضادة للمدرعات التي مصدرها قوات الزعيم القبلي.
وكانت الاشتباكات اشتدت بشكل عنيف قبل الظهر بين الجانبين. وذكرت جهات قبلية ان المواجهات تفاقمت بعد فشل وساطة قبلية للتهدئة على ما يبدو بين الاحمر وصالح. واضافت ان مسلحين قبليين وصلوا الى صنعاء من محافظة عمران الشمالية لدعم انصار الأحمر، الا ان مقربين من الاخير اكدوا انه يميل الى التهدئة والحل السلمي. وما زال انصار الاحمر يسيطرون على عدد من المباني الرسمية في العاصمة اليمنية كانوا احتلوها امس الاول، بما في ذلك مبنى وزارة الصناعة والتجارة.
في المقابل، أكد الاحمر في بيان ان نظام صالح يحاول «تفجير الاوضاع الداخلية واشعال الفتنة والحرب الاهلية بين أبناء اليمن وذلك للتملص من الاستحقاقات الوطنية التي فرضتها الثورة الشعبية السلمية بعد أن قضت والى الابد على الاستبداد ومصادره وملف التوريث». كما اعتبر الاحمر ان النظام حاول «تقزيم الثورة الشعبية السلمية والايحاء للداخل والخارج ان الامر لا يعدو كونه صراعات بين أحزاب او بين اشخاص وبالتحديد بينه وبين ابناء الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر واستخدام وسائل الاعلام الرسمية للتضليل والاكاذيب وتعبئة الرأي العام».
وبحسب الأحمر، فإن صالح اقدم على «تفجير الوضع» حول المنزل «بعد ان قام ومنذ أسابيع باستحداثات عسكرية وحشد مجاميع مسلحة في اماكن قريبة من المنزل، وكانت البداية المسببة للمواجهات الغادرة، إدخال كتائب أمنية وعسكرية الى مدرسة الرماح المجاورة» للمنزل.
الى ذلك، أكد احد قيادات الوساطة بين صالح والاحمر، الشيخ حسن الأجدع، أن حادث حي الحصبة «يعتبر بداية للحرب الأهلية التي لوح بها الرئيس ضد معارضيه مساء الأحد». وكانت الوساطة تمكنت مساء أمس الاول من التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين قوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري من جهة وبين قبائل حاشد من جهة أخرى، غير أن تبادل إطلاق النار تجدد في ساعات الصباح. واستنكر الأجدع «عدم احترام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لجهود وشخصيات لجنة الوساطة» مشدداً في الوقت نفسه على استمرار عملها لتوقف القتال حرصاً منها على حماية اليمن».
في هذه الاثناء، أدانت بريطانيا رفض صالح المتكرر التوقيع على مبادرة مجلس التعاون الخليجي. وقال المسؤول في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليستر برت أن صالح «يتعرّض الآن للانعزال عن زعماء حزبه والمعارضة والذين أبدوا استعداداً لانتقال سلمي للسلطة في البلاد». وأضاف ان «المبادرة هي أفضل فرصة لتحقيق حل سلمي للأزمة».
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية أن الإدارة الأميركية وحلفاءها من العرب والأوروبيين يعيدون تقييم الدعم العسكري والاقتصادي إلى اليمن، في إطار البحث عن وسائل لإجبار الرئيس صالح على الاستقالة قبل اندلاع حرب أهلية في البلاد. ونسبت الصحيفة إلى مسؤول بارز في الإدارة الأميركية قوله إن مستشار أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب جون برينان تحدث عن الرئيس اليمني قبل رفض الاخير التوقيع على المبادرة الخليجية قائلاً: «إذا لم يوقع، فإننا ندرس إمكانية اتخاذ خطوات أخرى». وفيما قال مسؤولون أميركيون وعرب إن أحد الخيارات يتمثل في إحالة ملف اليمن إلى مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات بحقه، نقلت الصحيفة عن المسؤول الاميركي قوله «يحتاج الموقف إلى التعامل بحذر للغاية».
ونددت وزارة الخارجية اليمنية بالانتقادات التي وجهتها فرنسا الى صالح، وقالت ان اليمن لا يقبل «تلقي الأوامر» ويرفض التدخلات الخارجية. ونقلت وكالة الانباء اليمنية (سبأ) عن مصدر مسؤول في الوزارة قوله إن «موضوع حل الازمة السياسية في اليمن شأن يمني».
من جهته، قال رئيس «اللقاء المشترك» (المعارضة البرلمانية) ياسين سعيد نعمان إن صالح رفض الحلول السلمية وأوصلها إلى طريق مسدود برفضه التوقيع على المبادرة، مشيراً إلى أن المعارضة «تعاملت مع التوقيع كفرصة متاحة للسلام وعليها ألا تضيّعها». وأوضح أن الوسطاء لم يطلبوا من المعارضة التوجه إلى أي مكان حددوه بل طلبوا منهم الالتزام بما ورد في الآلية وقالوا إن «أي طرف لا يلتزم بآلية التوقيع يعتبر مخالفاً للاتفاق».
وأكد المتحدث باسم «المشترك» محمد قحطان أن الأشقاء الخليجيين والأصدقاء الغربيين «بذلوا جهوداً جبارة لإعطاء الرئيس صالح ممراً آمناً وخروجاً مشرفاً من السلطة وحتى لا تنجرّ البلاد نحو خيارات غير مرغوبة لا تحمد عقباها». ونقلت صحيفة «عكاظ» السعودية عن قحطان، أن الرئيس اليمني يقود البلاد نحو الفوضى والتدمير والمجهول وأثبت أنه «ليس لديه التزام تجاه نفسه فقط بل تجاه شعبه والمحيط الخليجي والدولي».
وتواصلت الاحتجاجات الشعبية لمعارضي النظام في كل من صنعاء وتعز وذمار حيث طالب المتظاهرون صالح بالتنحي مشددين على سلمية تحركهم. وهتفوا قائلين «سلمية سلمية لا للحرب الاهلية»، منددين بسعي صالح لإشعال الحرب واعتداء قواته على منزل الاحمر.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد