انحراف الأحداث يبدأ من انحراف المجتمع
قبول الحدث بعد انتهاء عقوبته غالبا ما يكون مشوبا بالشك وفقدان الثقة وعدم الاحترام لشخصيته وهذا يؤدي إلى
نبذه وفصله عن المجتمع وبالتالي إحساسه بالغربة واللجوء مرة أخرى إلى الجماعات التي يمكن أن تقبله وهي جماعات ما يسمى بالمنحرفين.
من أجل إعادة دمج الأحداث في المجتمع, لابد من معرفة العوامل التي أدت إلى انحرافهم وهذا ما أكده الدكتور طلال مصطفى ضمن الورشة التي أقيمت في معهد خالد بن الوليد يومي 6و7 من هذا الشهر.
- يرجع د. طلال أسباب الانحراف إلى أسباب ذاتية خاصة بشخص الحدث وأسباب خارجية اجتماعية واقتصادية تتعلق بالوسط الذي يعيش فيه.
ومن ضمن العوامل التربوية ركز د. طلال على سوء استغلال وقت الفراغ وعدم توافر وسائل الترفيه كأحد العوامل الهامة في انحراف الأحداث يضاف إليها سوء معاملة المدرسين ما يجعل من المدرسة شريكا للألم والعقاب ويجد الطفل في الهروب من المدرسة الوسيلة المناسبة لخفض التوتر والقلق.
ولوسائل الاعلان المختلفة أثر ايضا فالصحافة وهي تنشر بعض الجرائم بتفصيلاتها الدقيقة, يعمد البعض ( مراهقين) إلى استخلاص بعض المواقف المشابهة التي يمكن من خلالها تحقيق بعض المكاسب السريعة فيقوم بمحاكاة المجرم بارتكاب الجريمة أو ممارسة السلوك المنحرف. ويأتي بعد ذلك دور الأفلام السينمائية كأحد الوسائل الترفيهية المحببة لدى صغار السن وتجذب انتباههم وتستحوذ على تفكيرهم بطريقة تجعلهم يقعون فريسة للعديد من المشكلات في سبيل حضور هذه الحفلات, وكذلك الأمر بالنسبة للتلفزيون والفيديو والانترنت التي وجدت في كل بيت ووصلت برامجهم إلى كل طفل وانعدمت السيطرة عليها.
- الدكتورة هناء برقاوي قسم الاجتماع قالت: في حال تم الانحراف وارتكب الحدث أي فعل يعاقب عليه القانون سوف يخضع للعقوبة المخففة بالقانون والذي قسم الاحداث الى مرحلتين الاولى هي انعدام المسؤولية الجزائية لانها تحت سن 10 سنوات ويعتبر الصغير فيها غير مميز جزائيا وأنه لايدرك الفعل الذي ارتكبه بسبب عدم تمييزه بين الخير والشر وانها هفوات الطفولة, أما الثانية يكون قد أتم 10 سنوات وتتخذ بحقه تدابير اصلاحية دون أن تفرض عليه عقوبة قانونية مهما كانت ( جناية -جنحة أو مخالفة).. إذا لم يتم 15 وقت ارتكاب الجريمة. وعقوبات مخففة بعد هذه السن. وأشارت أن السبب في تقسيم العقوبات بين تدابير اصلاحية وعقوبات مخففة حسب العمر هو ان الحدث في هذه المرحلة يكون قابلا للاصلاح من جهة ومن جهة أخرى من الخطر على أخلاقه وتربيته وضعه في السجن مع المجرمين الراشدين. وأكدت الدكتورة البرقاوي ضرورة نشر ثقافة التطوع, فالدولة والجهات الأهلية لاتكفي فالعملية متكاملة بمؤسسات المجتمع كلها. وهي حلقات متصلة ببعضها البعض لذلك يجب تشجيع الاولاد للمشاركة بالأعمال التطوعية والنشاطات الاجتماعية.
- الدكتور كامل عمران رئيس قسم علم الاجتماع سلط الضوء على جوانب عديدة في عمل الاختصاصي الاجتماعي كي يكون إداريا ناجحا في مؤسسات الأحداث وقال: إن العمل لفترات يكسبه خبرات عملية ميدانية وعليه أن يتمتع بالمعارف الادارية إضافة إلى معارفه الذاتية والاجتماعية, وركز د.عمران على الاعداد المهني لممارسة مهامه من خلال الاعداد النظري جيدا ومن ثم العملي ولايمكن أن يكون عمليا ناجحا من دون الاعدد النظري ولابد له أن يخضع لدورات ميدانية. وتطرق إلى الصعوبات التي تواجهه سواء بالاعداد النظري كوجود فجوة بين ما يتم تدريسه نظريا وبين واقع الممارسة وهنا لابد من معرفة الخلل وترميمه وصعوبات التدريب الميداني اثناء الدراسة كعدم التركيز بخطط التدريب على المهام الادارية, وهناك صعوبات أخرى كعدم الإلمام بالجوانب التنظيمية بالمؤسسة الاصلاحية وعليه الالتزام بقيم الخدمة الاجتماعية ومبدأ التقييم لنفسه والعمل على تطويرها وأن يؤمن بمبدأ كلية المؤسسة وأن عمله جزء لايتجزأ من عملها ويعرف مبادئ التغيير بحاجات الاحداث والمجتمع ككل, وعدم الخروج عن أهداف المؤسسة ومراعاة السياق الثقافي واقامة علاقات ايجابية هادفة وتخدم الحدث ذاته..
- وفيما خلصت إليه الورشة قال السيد أحمد سعدو مدير معهد ابن الوليد:
نحن بشكل دائم نؤكد على ضرورة وجود مراكز رعاية لاحقة في سورية للجانحين وأعتقد أن هناك خططا في هذا الاطار من قبل وزارة الشؤون وبعض الجمعيات الاهلية.وتم التأكيد على السرعة في اصدار الاحكام بالنسبة للاحداث لاننا نعاني من البطء الشديد في ذلك إذ يوجد لدينا بالمعهد 160 حدثا منهم 7 فقط محكومون. وهذا لايجوز ويؤثر على البرامج لدينا. فوجود حدث محكوم ومعروفة المدة التي سيقضيها تسهل علينا وضع البرنامج اضافة لحالة الاستقرار النفسي والتي تنعكس على الحدث الجانح, فالقانون يسمح لنا باعطائه اجازات ادارية. تفعيل دور الشرطة في العمل الاجتماعي وحاليا صدر تعميم بهذا الخصوص وسيعمل به من حيث ( اللباس المدني) وليس عسكريا إضافة إلى ضرورة أن تكون متخصصة ومتطورة وتمتلك الوعي والاخلاق الحسنة وتتدخل في القضايا التي تهم الاحداث والمعهد وليس اكثر من ذلك.
من خلال الإعلام نحاول أن نشجع أهل الخير للتبرع للمعاهد الاصلاحية وليس فقط لدور الايتام فالمعهد الاصلاحي بنظرهم لايستحق التبرع وهم ينظرون للحدث أنه مجرم ومرفوض وهو لا يستحق ذلك.
للأهل جزء كبير من المسؤولية في انحراف أولادهم..
- اجتمعت آراء الحضور على ضرورة تأمين كوادر مؤهلة لمتابعة الحدث بعد خروجه من المعهد ومراقبته بحذر ولاسيما إذا كان يعيش في البيئات المحلية والشعبية ليكونوا صلة الوصل للوزارة.
ليس بالضرورة وجود عدد كبير من المرشدين بقدر ما يكون المرشد مدربا ومؤهلا ولديه الخبرة الميدانية لعملية دمج الحدث حتى لايعود ثانية للمعهد.
في حال تم حصول الحدث على الشهادة خلال وجوده في المعهد, العمل على مساعدته للاستفادة منها لانه سوف يتعرض للرفض وعدم القبول.
ضرورة التعيم بوجود مراكز رعاية لاحقة في المحافظات والتجربة الوحيدة موجودة في حلب فقط. طالب أحد الحضور بتحميل الأهل جزءا من المسؤولية في انحراف أولادهم وأكد على أهمية تثقيفهم وابعادهم عن ثقافة الضرب. فالضغط الذي يتعرض اليه الطفل من قبل الأهل وتكريس صفة أنه انسان (سيىء) يجعله يفكر بالانتقام لاحقا ويوجه غضبه كله نحو مجتمعه..
- خرجت الورشة بتوصيات أهمها :الرعاية اللاحقة ووجود جمعية تساعد الحدث على التكيف وتسهيل وتهوين العقبات التي يتعرض لها ويتم التعرف على أحوال الحدث الاسرية من خلال الحديث الهاتفي على الخط الساخن وهنا يكمن مبدأ الكشف المبكر لاستعداد الانحراف من خلال مؤشرات معينة عن طريق طرح بعض الأسئلة الذكية غير المحرجة على ولي الأمر أو الحدث نفسه, من تلك المؤشرات ( كثرة الكذب, التأخر الدراسي, السرقة ,السهر خارج البيت, حب الذات العدوانية و..) ويمكن أيضا أن تتصدى خدمة الخط الساخن للعديد من المشكلات الاجتماعية التي ثبت أن علاجها دون الاتصال المباشر قد يكون افضل من ذلك حيث يمنع الخجل البعض من الافصاح عن مشكلته.
ولعله- من واجبنا- الاشادة بالجهود الكبيرة التي يبذلها القائمون على مثل هذه الورشات ومحاولاتهم المستمرة الاحاطة بكافة جوانب ظاهرة الانحراف كظاهرة مرضية اجتماعية تربوية تستدعي العلاج بالرعاية والوقاية, ولكن مايثير التساؤل : عدم الأخذ بنتائج هذه الورشات وتطبيقها فعليا, فالمقترح السابق ( رعاية لاحقة) على سبيل المثال كان من ضمن توصيات ورشة حضرتها منذ سنين ومازال الاقتراح يطرح ويقدم إلى الجهات المعنية بانتظار الرد?! ظاهرة الانحراف إلى الآن لاتحظى بما تستحق من قلق الأسرة والمسؤولين.
على ما يبدو دائما أحلامنا مؤجلة وقراراتنا معطلة فقط نسمع بها مصاغة بلغة جميلة ولكن نجدها سرابا وحسب.
- الدكتورة كندة الشماط تحدثت :عن التعديلات التي يتوجب أن يتضمنها قانون الاحداث السوري الحالي ووفق الخطة الوطنية لحماية الطفل وقالت: إن الحدث الذي تقرر وضعه في مركز الملاحظة ريثما يحكم القاضي له بالحكم يوضع مع المحكوم عليه لان مركز الملاحظة يكون ضمن معاهد الاصلاح ما يعرضه للخطر إذ لايوجد فصل بين فئات الأحداث وحسب الفعل المرتكب. واكدت على ضرورة الفصل والتشديد على ملاحظ السلوك بتقديم دراسة متكاملة عن الحدث قبل صدور حكم القاضي وتحت طائلة المسؤولية وأن يطبق هذا على كل الجانحين الذين أتموا سن 15 من عمرهم للوقوف على الأسباب الحقيقية لإجرام الحدث. وعلى ضرورة قيام وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتحديد آلية اختيار ملاحظ السلوك من خلال إخضاعه لدورات تدريبية خاصة, فمعظم المراكز التي انشأتها الوزارة في معظم المحافظات للتوقيف الاحتياطي وهي تفتقر للتجهيزات والاختصاصيين الاجتماعيين. ما يجعل الاحداث فيها يتعرضون للمضايقات والاعتداءات الجسدية, سواء من العاملين فيها أو من الأحداث الاكبر سنا. هذا من ناحية أما بالنسبة لقضاة الأحداث ,فلابد من احداث تخصص لهم فالقاضي ليس رجل قانون وحسب, بل هو خبير اجتماعي يساهم في عملية اعادة تأهيل الحدث من جديد.
- السيدة عفاف محمد, مديرة الشؤون الاجتماعية والعمل بريف دمشق قالت: لايوجد معهد للاصلاح في كل المحافظات ما يؤدي إلى تزايد أعداد الأحداث في معهد واحد 200 حدث أو أكثر ما يعيق عمل الباحث الاجتماعي أو المرشد النفسي لتأهيل الحدث ومساعدته في تجاوز هذه المرحلة في حياته كما أن للأهل دورا كبيرا في انحراف الحدث, وخصوصا في فترة المراهقة, والتي يفترض أن يحتضن فيها الأهل أولادهم ويمدون جسور الثقة والحوار, وهنا لابد من وجود مادة قانونية تحاسب الأهل إذا أساؤوا فهم الأبناء ودفعوا بهم إلى طريق الخطيئة ( دلال الأهل في أحيان كثيرة سبب للانحراف, الغنى) وتعويد الأبناء الاتكالية والكسل.
كما أنه بدون رعاية لاحقة لايوجد رعاية اجتماعية للحدث وكذلك لابد من وجود ما يسمى الخط الساخن ودعم المناطق الهامشية بمزيد من الخدمات وتصحيح الفهم الخاطئ لمهمة المرشد النفسي الاجتماعي, الذي ترفضه اكثر المؤسسات التربوية ( المدرسة).
أخيرا سوء استغلال وقت الفراغ, وعمالة الأطفال من أهم العوامل لانحراف الحدث.
رويدة سليمان- براء الأحمد
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد