تحالفات إقليمية ضمنية مع «داعش»والمالكي يرفض «حكومة الإنقاذ»وحقول النفط بين كرّ وفرّ
حالة تأهب قصوى تتطور ملامحها بين دول المنطقة منذ بدء تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش» في الأراضي العراقية وتهديده الحدود الغربية للبلاد، حيث بدا أنّ حرباً سورية عراقية مشتركة انطلقت في الأيام الماضية لمواجهة خطر اهتزاز الحدود بين البلدين، وسط تحذير أميركي صريح من التداعيات، ورفع مستوى الجاهزية في الدول المجاورة.
وفي هذا الوقت، كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وبعد يوم على مغادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري البلاد، يرسم حدوداً دستورية لأي حل داخلي للأزمة، حيث قال إنّ «الدعوة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني تمثل انقلاباً على الدستور والعملية السياسية»، واضعاً أرضية مشتركة لانطلاق العملية السياسية من جديد من خلال البناء على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. وأضاف أنّ «ما يردده المتمردون على الدستور برفض الحديث عن العراق ما قبل نينوى وأنه يختلف عن عراق ما بعد نينوى تقسيم خاطئ لا يعبر عن أدنى مسؤولية وطنية وهو محاولة لاستغلال ما تتعرض له البلاد من هجمة إرهابية لتحقيق مكاسب سياسة فئوية ضيقة».
وفي ما له علاقة بالتطورات الأمنية في العراق، فقد كان بارزاً خلال الساعات الماضية جرس الإنذار الذي أطلقه «داعش» بُعيد سيطرته على عدد من المعابر الحدودية بين العراق وسوريا، إضافة إلى استيلائه على مدينة الرطبة الاستراتيجية، الواقعة في مثلث يضمّ الحدود السورية والأردنية والسعودية.
وبحسب مصادر سورية مطلعة تحدثت، لم ينتظر السوريون تبلور أي وجهة سياسية إقليمية أو دولية للمبادرة لاحتواء تقدم «داعش» باتجاه الغرب العراقي والأردن. وبالتالي بدا أنّ الطيران السوري في سماء العراق، وعلى مقربة من الأردن، لاعب رئيس في «تحالف الأمر الواقع» لاحتواء «داعش»، من خلال الحرب التي يخوضها انطلاقاً من مطارات الشرق السوري، ضد أرتال أبو بكر البغدادي، في جبهة عراقية - سورية، وربما أردنية، مشتركة وحدتها غزوة الموصل. وتقول مصادر سورية رفيعة إنّ الطيران السوري، لم يتوقف في الأيام الأخيرة عن توجيه ضربات في قلب العراق، أبعد من المناطق الحدودية او المعابر التي تفصله عن العراق في القائم وغيرها متطابقاً مع استراتيجية «داعش» نفسها. وقال المصدر السوري إنّ الوقت يداهم الجميع في المنطقة، ولا بدّ من التحرك بسرعة لوقف تقدّم «داعش»، ولن ننتظر أحداً لكي نباشر العمليات.
لكن وزارة الإعلام السورية نفت بشدة أمس، التقارير عن قصف للطيران السوري داخل الحدود العراقية، مؤكدة أن «هذا الخبر عار من الصحة شكلاً ومضموناً».
عموماً، فقد ترافقت هذه التطورات مع تطور آخر مثير وغير متوقع، حيث سلّم أمراء «جبهة النصرة» مفاتيح مدينة البوكمال في ريف دير الزور، إلى خصمهم اللدود تنظيم «داعش» بعدما قدّموا البيعة لأميره أبي بكر البغدادي. وتتيح السيطرة على البوكمال تحقيق حلم طالما راود قيادة «داعش»، وهو الربط بين الأراضي التي يسيطر عليها بين العراق وسوريا، والتحكم بالمعابر في ما بينها، الأمر الذي يمنحه إمكانيات واسعة لاستخدام خطوط الإمداد بين البلدين جيئة وذهاباً، لاسيما في ظل المعارك التي يخوضها حالياً على طرفي الحدود. ويشار إلى أن «داعش» سبق أن سيطر نهاية الأسبوع الماضي على بلدة القائم في العراق المقابلة لدير الزور.
وعلى الجهة المقابلة، وبرغم تأكيد قائد قوات حرس الحدود الأردني العميد الركن صابر المهايرة أنّ قوات بلاده قادرة على تأمين حدودها مع العراق من «أي اعتداء»، فإنّ إشارات «تحالف الأمر الواقع» بدأت تلوح في الأفق. ونقلت وكالة «اسوشييتد برس» عن مسؤول عراقي حديثه عن أنّ الدول المجاورة للعراق الأردن والكويت والسعودية وتركيا تعزز طلعاتها الجوية ضمن امتدادها الجوي بهدف مراقبة الأوضاع. وأكد المسؤول أنّ طائرات سورية استهدفت مواقع لمسلحين بالقرب من مدينة القائم الحدودية، بينما تحدث مسؤولون أميركيون أنّ طائرات من دون طيار إيرانية تقوم بطلعات جوية في الأجواء العراقية.
وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز»، أمس، أن إيران نشرت سراً طائرات مراقبة من دون طيار في العراق حيث ترسل أيضاً معدات عسكرية جواً لمساعدة بغداد في معركتها. وقالت الصحيفة على موقعها الالكتروني نقلاً عن مسؤولين أميركيين رفضوا الكشف عن أسمائهم إن «اسطولاً صغيراً» من طائرات «ابابيل» من دون طيار نشر في «قاعدة الرشيد» الجوية قرب بغداد. وطائرات ابابيل بدون طيار صنعت في ايران ومخصصة للمراقبة فقط وليست مجهزة بأسلحة.
ووسط هذه التطورات حذّر وزير الخارجية الأميركي جون كيري دول الشرق الأوسط، أمس، من اتخاذ خطوات عسكرية في العراق. وقال كيري في بروكسل، خلال اجتماع لوزراء خارجية «حلف شمال الأطلسي»، «لقد كنا واضحين مع كل طرف في المنطقة حيال أننا لا نريد أن يقع أي شيء من شأنه إثارة الانقسامات الطائفية». وأضاف أنه على بغداد اتخاذ خطوات تضمن جاهزية الجيش العراقي للدفاع عن البلاد من دون الاعتماد على قوى خارجية.
وكان كيري حاول خلال لقاء إعلامي في بروكسل التملص من الرد على سؤال بشأن ما ورد على لسان المالكي، وقال إنه ليس واثقاً «بدقة مما رفضه او مما تحدث عنه» رئيس الوزراء العراقي. وفي هذا الصدد، اعتبرت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف أنّ تصريحات المالكي «أسيئت ترجمتها». وأضافت أن المالكي «تعهّد بوضوح بإنهاء العملية الانتخابية وجمع البرلمان الجديد والتقدم في العملية الدستورية باتجاه تشكيل حكومة». وبالنسبة للمتحدثة وللعديد من المسؤولين الأميركيين فإنّ هذه التصريحات «تتفق مع الالتزامات التي تعهّد بها لدى وزير الخارجية والتي نأمل بقوة أن تتم».
وفي إشارة أخرى إلى حالة الطوارئ التي باتت تعيشها المنطقة، أعلن كيري أنه سيزور السعودية يوم غد لإجراء محادثات مع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بشأن الأزمة في العراق. وعلى هامش محادثات «حلف شمال الأطلسي» في بروكسل، أعلن كيري إضافة السعودية إلى جولته الحالية السريعة في المنطقة. وقال، في مؤتمر صحافي، إنّ «الرئيس (باراك) اوباما طلب مني كذلك التوجه إلى السعودية الجمعة (يوم غد) للقاء جلالة الملك عبد الله لمناقشة القضايا الإقليمية، ومن بينها بالتأكيد الوضع في العراق». وأضاف أنه سيناقش في السعودية «كيفية مواجهة التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، إضافة إلى مناقشة دعمنا للمعارضة المعتدلة في سوريا». وقال «لا حاجة لتذكير أي منا بأنّ تهديداً في مكان بعيد يمكن أن يخلف تبعات مأساوية في بلادنا بطرق لا نتوقعها مطلقاً وفي الوقت الذي لا نتوقعه مطلقاً».
تطورات ميدانية
وفي تطورات عراقية أخرى، شكلت الحقول النفطية في محافظة صلاح الدين العنوان الأبرز خلال الساعات الأخيرة، حيث قال مصدر يعمل في موقع عجيل النفطي الذي يقع على بعد 30 كيلومتراً شرقي تكريت إن المسلحين المتشددين سيطروا، أمس، على الموقع الذي يضم ما لا يقل عن ثلاثة حقول نفطية صغيرة تنتج 28 ألف برميل يومياً. وأضاف المصدر أنّ العشائر المحلية تتولى مسؤولية حماية الحقول بعد انسحاب الشرطة، لكنهم غادروا الموقع أيضا بعدما سيطر المتشددون على بلدة العلم القريبة. ويرتبط موقع عجيل بأنبوبي نفط أحدهما يصل إلى ميناء جيهان التركي والآخر إلى مصفاة بيجي النفطية التي لا تزال تشهد قتالاً للسيطرة عليها.
وعرض التلفزيون العراقي لقطات لنقل تعزيزات جواً بطوافات لصد الهجوم على المصفاة التي تعد مجمعاً صناعياً استراتيجياً على بعد 200 كيلومتر شمالي بغداد. وقال زعماء عشائر محليون إنهم يتفاوضون مع كل من الحكومة ومع المقاتلين للسماح للعشائر بإدارة المصفاة إذا انسحبت القوات العراقية. وقال مسؤول في الحكومة إن بغداد تريد من العشائر أن تنأى بنفسها عن تنظيم «داعش» وعن فصائل مسلحة للمساعدة في الدفاع عن المجمع.
وتجري المعارك حول المصفاة منذ الأسبوع الماضي ولم يتضح الطرف المنتصر إلى الآن إذ تأرجح القتال بين الطرفين. وقال شهود ونائب رئيس بلدية يثرب إن اشتباكات دارت بين مسلحين - بينهم مقاتلون من تنظيم «الدولة الإسلامية» والعشائر المتحالفة معه - وبين القوات العراقية في البلدة التي تبعد نحو 90 كيلومتراً شمالي بغداد في ساعة مبكرة من صباح أمس.
من جهة أخرى، هاجم المسلحون المتطرفون خلال الساعات الماضية قاعدة عسكرية في قضاء بلد الواقع على بعد 70 كيلومتراً شمال بغداد، إلا أنّ القوات العراقية تمكنت من صد هجمات هؤلاء، بحسب ما أفادت مصادر أمنية أمس. وتعد قاعدة بلد العسكرية التي تشمل قاعدة جوية وكانت تسمى «قاعدة البكر» سابقاً، أحد المقار الرئيسية لقوات الجيش العراقي في محافظة صلاح الدين التي يسيطر مسلحون على مركزها ومناطق أخرى فيها.
بدورها، أعلنت وزارة الدفاع العراقية أنها بدأت فجر أمس «تطهير» الطريق بين بغداد ومدينة سامراء التي تضمّ مرقداً دينياً أدى تفجيره العام 2006 إلى اندلاع حرب طائفية قتل فيها الآلاف.
في موازاة ذلك، أكد المتحدث باسم مكتب القائد العام للقوات المسلحة الفريق قاسم عطا بدء الدفعة الأولى من المستشارين العسكريين الأميركيين اجتماعاتها مع «مختلف القيادات» العراقية، قائلاً «نأمل أن يكون هناك تدخل حقيقي» يوفر «مساعدة حقيقية للعراق». وكانت وزارة الدفاع الأميركية أعلنت، أمس الأول، أنّ الدفعة الأولى من المستشارين العسكريين الأميركيين البالغ عددهم الإجمالي 300 مستشار انتشرت في بغداد لمساعدة القوات العراقية في قتالها ضد المتطرفين.
في غضون ذلك، فجر عناصر ينتمون إلى تنظيم «داعش» حسينيتين في قريتين تركمانيتين في شمال العراق، بحسب ما أفاد مسوؤل تركماني محلي في المنطقة. وأوضح المسؤول أنّ «مسلحين من تنظيم داعش هاجموا مساء الثلاثاء (أمس الأول) قريتي شريخان والقبة التركمانيتين شمال الموصل وفجروا حسينيتين بعبوات ناسفة زرعت في محيطهما مما أسفر عن انهيارهما بشكل كامل».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد