تحولات رأس المال وتداعياته على الاقتصاد الأمريكي
الجمل: اتسع نطاق الأزمة المالية الأمريكية بسبب ضغوطها الزاحفة التي لم تأخذ طابعاً عابراً للحدود لجهة استهداف الاقتصاديات العالمية المرتبطة بالأسواق المالية الأمريكية فحسب، وإنما أيضاً لجهة الاستهدافات النوعية في الاقتصاد الأمريكي الرأسمالي العالمي.
* الدولار دائرة الهدف الجديد:
تقول التحليلات الخاصة بتطورات وتداعيات الأزمة المالية الأمريكية وتحديداً التحليلات المختصة بالاقتصاد السياسي النقدي بأن الدولار الأمريكي أصبح يواجه أزمة الانكشاف أمام العملات الأخرى، وتقول التحليلات أن الأزمة المالية الأمريكية دخلت مرحلتها الرابعة التي تتضمن:
• حدوث عمليتين رئيسيتين هما:
- الاختفاء التدريجي المضطرد للقاعدة المالية الائتمانية الدولارية في سائر أنحاء العالم.
- تفكك تماسك أسعار الفائدة الدولارية التي تعمل وفقاً لها الكيانات الاقتصادية – المالية – النقدية العملاقة.
• حدوث المضاعفات الموازية الآتية:
- تسارع وتائر تفكك النظام المالي والنقدي الدولي الحالي.
- فقدان الكيانات الاقتصادية – المالية – النقدية العملاقة للاتجاه الاستراتيجي.
وأكدت التحليلات أن الأزمة المالية – النقدية الأمريكية ستكتمل مرحلتها الرابعة خلال بضعة أشهر ثم تبدأ كما تشير التقديرات بالدخول في مرحلتها الخامسة بحلول شهر أيلول 2009. خلال المرحلة الرابعة سيشهد سو ق الدولار الأمريكي ما يلي:
• الانخفاض المتزايد في حجم الائتمان بالدولار.
• الانخفاض المتزايد للطلب على الدولار في البورصات والأسواق المالية العالمية.
• الانخفاض المتزايد لقيمة الدولار في مواجهة العملات الأخرى القابلة للتحويل.
• الانخفاض المتزايد لقدرة الدولار الشرائية.
تشير التحليلات إلى أن هذه التداعيات ستؤدي إلى تزايد نشاط ظاهرة المضاربات الوحيدة الاتجاه في الأسواق المالية والنقدية بحيث سيسعى الجميع إلى محاولة التخلص من الأصول السائلة الدولارية واستبدالها بالأخرى غير الدولارية.
* مستقبل الاقتصاد العالمي: المعركة القادمة:
بعد الحرب العالمية الثانية وصعود قوة أمريكا على خلفية اتفاقيات برايتون وودز، استطاع الدولار الأمريكي أن يصبح بمثابة عملة السداد الدولي، وتعاقبت بعد ذلك نجاحات الدولار الأمريكي وبروزه كعملة سداد دولي قوية لجهة المصداقية في مقابلة الالتزامات.
أصبحت المؤسسات المصرفية والمالية والنقدية الأمريكية بمثابة بحيرات نقدية ضخمة تصب فيها كل أنهار العملات العالمية القابلة للتحويل وعلى وجه الخصوص: الين الياباني – المارك الألماني – الجنيه الإسترليني، الفرنك الفرنسي، على النحو الذي أصبح فيه البنك المركزي الأمريكي (بنك الاحتياط الفيدرالي) يعمل ليس بمثابة الملاذ أو المقرض الأخير للاقتصاد الأمريكي وحسب وإنما للاقتصاد العالمي.
من المعروف أن رأس المال يعمل دائماً ضمن المنظومات الآتية:
• منظومة رأس المال التجاري: وتركز على الحصول بأكبر ما يمكن على الربح التجاري المتمثل في الفرق بين سعر الشراء والبيع بحيث تتراكم هذه الأرباح مكونة ما يعرف بالفوائض التجارية.
• منظومة رأس المالي الصناعي: وتركز على الحصول بأكبر ما يمكن على فائض القيمة المتمثل في الفرق بين تكاليف الإنتاج الصناعي وسعر بيعه، بحيث يتراكم ذلك مكوناً ما يعرف بالفوائض الصناعية.
• منظومة رأس المال الزراعي: وتركز على الحصول بأكبر ما يمكن على الفرق بين تكاليف العمليات الزراعية وسعر بيع الإنتاج الزراعي بحيث يتراكم ذلك مكوناً ما يعرف بالفوائض الزراعية.
• منظومة رأس المال المالي: وتركز على تحريك الأرصدة البنكية ضمن العمليات الائتمانية الإقراضية والإدخارية وفقاً لأسعار الفائدة بحيث يتكون ما يعرف بالفوائض المالية.
• منظومة رأس المال العقاري: وتركز على الحصول على الأصول العقارية الثابتة واستخدامها لأطول وأكبر ما يمكن في الحصول على الريع العقاري بحيث يتكون ما يعرف بالفوائض العقارية.
ما هو هام للغاية يتمثل في حركة هذه المنظومات وقابليتها للتحول من شكل إلى آخر فرأس المالي الزراعي والصناعي يمكن أن يتحول إلى رأس مال مالي عندما تتم عمليات إيداع هذه الرساميل في البنوك وأيضاً رأس المال المالي يمكن أن يتحول إلى رأسمال صناعي أو زراعي عندما تقوم البنوك بتمويل الأنشطة الزراعية والصناعية وهكذا دواليك.
بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، فقد دخلت الأنشطة المالية مرحلة خطيرة جاءت بفعل تفاقم عجز الميزانية الأمريكية وفشل السياسات الخارجية الأمريكية إضافة إلى صعود الاقتصادات القوية كتكتل الاتحاد الأوروبي.
مصدر قوة الاقتصاد الأمريكي يتمثل في أنشطة رأس المال المالي، التي كانت تجد الرواج من خلال حروب أسعار الفائدة التي برعت وزارة الخزانة الأمريكية في شنها ضد الاقتصادات الأخرى، ولكن في خاتمة المطاف جاءت الضربة القاصمة من داخل الاقتصاد الأمريكي عندما تبين أن قطاع الضمان للاستثمارات العقارية أصبح في انكشاف يصعب توفير الغطاء المالي لإنقاذه ولأنه يتطلب مبالغاً تصل قيمتها إلى ما يشبه الأرقام الفلكية، وبرغم عدم وجود مؤشرات على احتمالات انتهاء الأزمة المالية فإن معظم البنوك المركزية العربية ما تزال في حالة عجز وشلل إزاء القيام بإجراءات وترتيبات وقائية تساعد على درء انتقال الأزمة إلى الاقتصاد العربي، وعلى الأقل بالشكل الذي يتيح تقليل الخسائر إلى أقل ما يمكن.
عموماً، ستهبط قيمة الدولار، وإذا لم تسعى البنوك المركزية العربية إلى تكييف أوضاع احتياطاتها النقدية فإنها ستجد نفسها مضطرة للقيام بتوفيق أوضاع خسائرها المستقبلية وهو ما نتمنى ألا يحدث مطلقاً لأن هذه الاقتصادات تعاني بالأصل الكثير من الأمراض والعاهات الوظيفية والهيكلية بما يجعلها غير قادرة على مواجهة المزيد.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد