تداعيات قضية «فتاة القطيف» بين واشنطن والرياض
فيما يبدو أنّه ردّ على الضغط الذي أثاره الجدل في وسائل الإعلام الدولية بشأن كيفية تعاطي نظامها القضائي مع قضية اغتصاب سلّط فيها العقوبة على الضحية، أصدرت وزارة العدل السعوية الثلاثاء ما تقول إنّه "توضيح" للقضية تشرح فيه الإجراءات التي تمّ اتباعها في المحاكمة وأسباب الحكم الذي صدر على المتهمين والفتاة الضحية.
وفي القضية، مثلت فتاة في الـ19 من العمر، متزوجة مع شخص غير قريب لها، تمّ الاعتداء عليهما ولاحقا اغتصابها من قبل مجموعة من الأشخاص، وذلك قبل أكثر من عام، وفقا للمحامي عبد الرحمن اللاحم وكيل الفتاة.
وطالب محامي الدفاع في منظمة حقوق الإنسان السعودية حكومة بلاده بإعادة ترخيص مزاولة المهنة والسماح له بتمثيل الفتاة السعودية التي تعرضت للاغتصاب ثم حكم عليها بالسجن لمدة ستة شهور وجلدها 200 جلدة بعد أن تحدثت لوسائل الإعلام عن قضيتها، والتي ألقت بالضوء على معاملة المرأة في ظل القوانين السعودية الصارمة. وفي الأثناء أثارت القضية ردود فعل مختلفة لدى منظمات حقوق الإنسان، في حين رفضت الخارجية الأمريكية التعليق عليها، لكنها وصفتها بأنها "مثيرة."
وكان القاضي في محاكمة الفتاة المغتصبة، التي عرفت باسم "قضية فتاة القطيف"، قد أمر بسحب ترخيص مزاولة المهنة من المحامي، عبدالرحمن اللاحم، الأسبوع الماضي، وذلك بعد أن تحدث عن القضية في وسائل الإعلام المحلية، وفقاً لتصريح اللاحم لـCNN.
واعترفت وزارة العدل السعودية في بيانها بأنّ اللاحم لم يعد طرفا في المحاكمة قائلة "ما يخص المحامي عبدالرحمن اللاحم فقد أوضح قضاة المحكمة ناظري القضية أن المذكور تطاول على مجلس القضاء وعارض الأنظمة والتعليمات وظهر منه الجهل بها كما امتنع (في إحدى الجلسات) عن التوقيع على ما ضبط في الجلسة وتم إعداد المحضر اللازم حسب النظام مع أن المذكور لم يتم توكيله من المرأة إلا بعد إنتهاء القضية واكتسابها الصفة القطعية بقناعة موكلته، وقد رفع أصحاب الفضيلة ملاحظاتهم على ما صدر من المحامي المذكور لواجبات مهنة المحاماة وإخلاله بها بما نص عليه نظام المحاماة ولائحته التنفيذية وطلبوا النظر فيما صدر عن المذكور من مخالفات من قبل اللجنة التأديبية المشكلة للنظر في مخالفات المحامين حسب النظام ولائحته."
كما رحّبت وزارة العدل "بالنقد الهادف الذي يخدم المصلحة العامة، بعيداً عن العواطف، ومن لديه اعتراض على ما يصدر من أحكام فإن النظام قد كفل له حق الإعتراض على الحكم وطلب التمييز، دون الإثارة عبر اللجوء إلى الوسائل الإعلامية التي قد لا تنصف ولا تمنح حقاً بقدر ما تؤثر سلباً في الأطراف الآخرين المشتركين في القضية."
ولفتت الوزارة النظر إلى أنّه تمّ النظر في القضية والحكم فيها من قبل ثلاثة قضاة وليس قاض واحدا كما ذكر في بعض وسائل الإعلام.
وقالت إنّ المحاكمة تمّت عبر مداولات واستماع لجميع الأطراف والتحقق من القرائن المرفوعة من المدعي العام "ولم يثبت لدى المحكمة إيقاع حد الحرابة على المتهمين امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم =ادرؤوا الحدود بالشبهات= حيث لا يحكم بحد من حدود الله إلا بالبينة وهي شهادة شاهدين عدلين بالجريمة، أو إقرار من الجاني لا يرجع عنه حتى ينفذ الحد، ونظرا لوجود قرينة تقوي ما ورد في الدعوى وهي الاعتراف أثناء التحقيق ثم الإنكار أمام المحكمة ، مع وجود قرائن أخرى تدعم ذلك ، فقد صدر الحكم على المدعى عليهم بالسجن والجلد تعزيرا مدداً متفاوتة، كما صدر بحق المرأة ومرافقها حكم تعزيري بالجلد لثبوت بعض التهم عليهما."
وأضافت أنّه بعد صدور الحكم وتلاوته على المدعي العام، والمدعى عليهم ـ ومن ضمنهم المرأة ومرافقها ـ قرر الجميع القناعة به وبذلك اكتسب الحكم الصفة القطعية.
موقف سفير المملكة لدى واشنطن من القضية
من جهته أعرب سفير المملكة لدى واشنطن عادل الجبير الثلاثاء عن قناعته بأن "العدالة ستنتصر" في قضية اغتصاب السعودية.
وأوضح الجبير في بيان "أن هذه القضية تأخذ مجراها ضمن المسار القضائي. لا أشك بتاتا بأن العدالة ستسود."
مضاعفة العقوبة "بسبب الاتصال بوسائل الإعلام"
وفي المحاكمة، ضاعف قاضي محكمة القطيف العقوبة المفروضة على الفتاة، البالغة من العمر 19 عاماً، بعد أن تحدثت إلى وسائل الإعلام عن قضية اغتصابها والحكم الأولى الذي فرضته عليها المحكمة في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2006، حيث حكم عليها القاضي آنذاك بجلدها 90 جلدة، لأنها كانت في "خلوة غير شرعية" مع شخص آخر عندما اعترضهما الجناة وتناوبوا على اغتصابهما، غير أنه ضاعفها مؤخراً إلى 200 جلدة والسجن ستة شهور.
وعبر اللاحم عن دهشته لقيام القاضي بمضاعفة الحكم على الفتاة.
هذا ولم نتمكن من الحصول على تصريحات من المسؤولين السعوديين بشأن القضية، رغم محاولاتها المتكررة.
وكان اللاحم قد تقدم بطلب لمعاقبة الجناة والحكم عليهم بالإعدام، غير أن المحكمة رفضت طلب المحامي، لكنها ضاعفت العقوبة عليهم، والتي كانت بين عامين وثلاثة أعوام، إلى ما بين عامين وتسعة أعوام.
وقد أوضح اللاحم، في معرض تناوله لقضية فتاة القطيف، أن الفتاة التقت "المجني عليه الآخر" في مكان عام، لاسترداد صور لها كانت بحوزته، مشدداً على أنه أطلع على تلك الصور ولم يظهر منها ما يسيء إلى موكلته.
وذكرت تقارير إعلامية نقلاً عن مصادر في المحكمة، أن القاضي، سعد المهنا، ضاعف عقوبة الفتاة المجني عليها "لمحاولتها التأثير على القضاء من خلال وسائل الإعلام"، كما منع محاميها من الدفاع عن موكلته وتم سحب رخصة مزاولة المحاماة، وطلب منه المثول أمام لجنة تأديبية في وزارة العدل، لنفس السبب.
وأكد اللاحم أنه تقدم بطلب من وزارة العدل لاستعادة ترخيص مزاولة المهنة وأنه يسعى لمقابلة وزير العدل السعودي عبدالله بن محمد بن إبراهيم الشيخ.
وأثارت القضية وتفاعلاتها جماعات حقوق الإنسان.
فقد قالت فوزية العويني، العضو المؤسس لجمعية الدفاع عن حقوق المرأة، التي تم تأسيسها مؤخراً: "إن منع المحامي من تمثيل موكلته في المحكمة يعادل تقريباً قضية الاغتصاب نفسها."
وأضافت العويني: "الأمر لا يتعلق بفتاة القطيف فحسب، بل بكل أنثى في السعودية.. نحن نخشى على أرواحنا وأرواح شقيقاتنا وبناتنا وكل امرأة سعودية.. لقد بتنا نخشى الخروج إلى الشارع."
وكانت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الدولية قد دعت العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلى التدخل شخصياً لإسقاط جميع الاتهامات التي وجهتها المحكمة إلى "فتاة القطيف".
كما طلبت المنظمة الدولية المعنية بمراقبة حقوق الإنسان في العالم، السلطات السعودية إلى إعادة منح ترخيص مزاولة مهنة المحاماة لمحامي الفتاة، عبد الرحمن اللاحم، والذي كانت المحكمة نفسها قد قررت سحب رخصة المحاماة منه، بدعوى أنه "سعى إلى التأثير على المحكمة"، من خلال التحدث إلى وسائل الإعلام حول تفاصيل القضية.
وأشاد كريستوفر ويلك، من منظمة "هيومان رايتس ووتش" بفتاة القطيف ومحاميها، لطرحهما القضية علناً، والتي اعتبرها مؤشراً على "العديد من الجور والظلم الذي مازلنا لم نسمع به أو نعرف عنه."
من جانبه، وصف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، شون ماكورميك قضية فتاة القطيف وعقوبة التي فرضت عليها بأنها "مثيرة للدهشة".
وقال: "في حين أن الحكم قضائياً، جزء من حكم قضائي، في محاكم خارج دولتنا، وفي حين من الصعوبة بمكان تقديم أي تصريحات مفصلة حول الوضع، أعتقد أن معظم الناس سيصابون بالدهشة."
وأضاف ماكورميك: "لا يمكنني الخوض في قضايا محاكم سعودية تتعامل مع أبنائها، غير أنني أعتقد أن معظم الناس هنا سيصابون بالدهشة إذا ما عرفوا بالظروف المحيطة بها ومن ثم بالعقوبة التي خرجت بها المحكمة."
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد