تدهورالعلاقات التركية–الإسرائيلية ومستقبل الوساطة بين دمشق وتل أبيب
الجمل: انتقلت تداعيات العملية العسكرية الإسرائيلية في الساحة السياسية التركية آخذة بعداً إضافياً، فالمعلومات والتقارير القادمة من أنقرة تقول بأن مكتب المدعي العام التركي باشر القيام بعملية التحري والتحقيق اللازم لتحديد ما إذا كان الهجوم العدواني الإسرائيلي ضد قطاع غزة يندرج ضمن ما يمكن وصفه قانونياً بالمذبحة والتعذيب والجرائم الإنسانية؟
* ماذا تقول المعلومات؟
أعلن مكتب المدعي العام التركي بأنه باشر عمليات التحقيق والتحري اللازمة لتحديد الآتي:
• الطبيعة القانونية للعملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة.
• تحديد مدى التورط الجرمي للقيادة الإسرائيلية في العدوان على غزة.
هذا، وتقول المعلومات بأن تحركات مكتب المدعي العام التركي قد جاءت بناء على الطلب الذي قدمته جمعية حقوق الإنسان والتضامن مع المظلومين الذي تضمن مطالبة مكتب المدعي العام باتخاذ الإجراءات القانونية إزاء ارتكاب الإسرائيليين لجرائم المذبحة والتعذيب والجرائم ضد الإنسانية في القطاع.
وتجدر الإشارة إلى أن المنظمة قد طالبت باتخاذ الإجراءات القانونية ضد:
• الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز.
• رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت.
• وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني.
• وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك.
• رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكينازي.
إضافة للمذكورين أعلاه فقد تضمن الاتهام العديد من أسماء الوزراء والعسكريين والزعماء السياسيين الإسرائيليين.
هذا، وتقول المعلومات التركية أن إجراءات مكتب المدعي العام ما تزال في مرحلة الترتيبات الداخلية أي الفحص والدراسة الأولية ثم لتنطلق بعد ذلك بشكل رسمي فإن المكتب سيقدم طلباً لوزير العدل التركي للحصول على الموافقة من أجل الشروع في استكمال الإجراءات.
الإطار القانوني يتضمن الجرم الإسرائيلي برغم وقوعه في خارج نطاق الاختصاص المكاني السيادي التركي فإنه يندرج ضمن نطاق مبدأ الشمول القضائي المنصوص عليه في التشريعات التركية.
وبالتالي فإن المتوقع حدوثه هو السيناريو الآتي:
• الخطوة الأولى: أن يتحقق مكتب المدعي العام من وجود البرهان والدليل على وجود الجرائم.
• الخطوة الثانية: أن يتحقق مكتب المدعي العام من وجود البرهان وبالدليل على تورط المسؤولين والزعماء الإسرائيليين في ارتكاب هذه الجرائم.
• الخطوة الثالثة: أن يقدم مكتب المدعي العام طلباً لوزير العدل التركي طالباً الموافقة على القيام باتخاذ الإجراءات القانونية.
• الخطوة الرابعة في حال الحصول على الموافقة يقوم مكتب المدعي العام بفتح المحاضر القانونية ضد الإسرائيليين.
• الخطوة الخامسة: قيام تركيا بطلب للانتربول والبلدان التي لتركيا معها اتفاقات تبادل وتسليم للمجرمين، بتعميم أسماء المسؤولين الإسرائيليين باعتبارهم مطلوبين للقضاء التركي.
إضافة لذلك، فإنه باكتمال الخطوات الأربع الأولى فإن أي مسؤول إسرائيلي مشار إليه في ورقة الاتهام لن يستطيع دخول الأراضي التركية إلا ويصبح بحكم المطلوب إلى قفص العدالة في تركيا.
أكدت الجمعية التركية التي تقدمت بالعريضة أنها لم تقم بتأسيس محتوى عريضتها على التكهنات والمزاعم الهامشية وإنما قامت بالآتي:
• إجراء الكثير من التحقيقات والتحريات المكثفة.
• إرسال بعض المندوبين إلى قطاع غزة لمعاينة مكان الجريمة.
• إحضار هؤلاء المندوبين لبعض شظايا وقطع القنابل المتبقية.
• إرسال الشظايا والقطع إلى المعامل والمختبرات العلمية ذات الثقة والمصداقية القانونية والعلمية.
• بالحصول على شهادات تحليلات المعامل والمختبرات التي أكدت استخدام إسرائيل لقنابل الفوسفور المحرمة دولياً.
• تجميع بيانات وشهادات وإفادات شهود العيان بما في ذلك من غير الفلسطينيين الذين كانوا موجودين في القطاع وبعض هؤلاء الشهود يعمل في المنظمات الدولية.
إضافة لذلك، أشارت المعلومات التركية إلى وجود العديد من الحالات المماثلة السابقة التي طالبت العريضة السلطات التركية بالاستناد إليها كسوابق قانونية وهي:
• القضية المرفوعة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إرييل شارون في بلجيكا بسبب جرائمه في لبنان عام 1982.
• القضية المرفوعة ضد ستة من المسؤولين الإسرائيليين في إسبانيا بسبب جرائم غزة 2002.
• القضية المرفوعة ضد وزير الدفاع الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر في بلجيكا بسبب جرائمه في لبنان 1982.
وتقول المعلومات التركية أن المنظمة التركية وبعض منظمات حقوق الإنسان ستقوم بزيارة وزير العدل التركي للقيام بحثه على ضرورة دعم جهود الادعاء والقضاء التركي من أجل القيام بواجبه القانوني والدستوري والسيادي إضافة إلى أن المنظمة تعمل من أجل تعزيز الضغوط لجهة دفع الحكومة التركية لتقديم طلب لمحكمة العدل الدولية حول الموضوع نفسه.
وعلى الجانب الإسرائيلي فقد أوردت التسريبات بأن تل أبيب تقوم حالياُ بالتفاهم والمشاورات مع بعض الأطراف التركية لجهة العمل من أجل تهدئة كل التوترات والقضاء على حالة التصعيد السلبي على خط أنقرة – تل أبيب بما يتيح إعادة العلاقات بين الطرفين إلى وضعها الطبيعي السابق، وبهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى أن تسريبات تل أبيب قد حددت بالاسم شالوم تورجمان المستشار بمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت سيقوم خلال الأيام القادمة بعقد محادثات مع أحد مساعدي رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان بهدف التفاهم على كيفية تحسين العلاقات التركية – الإسرائيلية.
* تدهور العلاقات التركية – الإسرائيلية إلى أين؟
بدأ التوتر على خط أنقرة – تل أبيب منذ فترة صعود حزب العدالة والتنمية التركي في انتخابات عام 2002 ولكنه أخذ طابع الحرب الباردة بين الطرفين. وتزايدت توترات العلاقة على خلفية دعم إسرائيل للحركات الكردية وزاد من هذه التوترات التقارب بين دمشق وأنقرة. لكن هذه التوترات أخذت لاحقاً طابع المواجهة الدبلوماسية الساخنة التي وصلت إلى ذروتها في الآتي:
• الانتقادات التركية العلنية لإسرائيل بسبب الغارة الجوية على سوريا.
• الانتقادات التركية العلنية لإسرائيل بسبب استمرار دعمها للفصائل الكردية.
• الانتقادات التركية العلنية لإسرائيل بسبب تدخلها في القوقاز وملف المذبحة الأرمنية.
• الانتقادات التركية العلنية لإسرائيل بسبب العملية العسكرية الأخيرة ضد قطاع غزة.
هذا، وتقول التحليلات أن موقف أردوغان الأخير ضد الإسرائيليين عندما غادر جلسة اجتماع قمة دافوس قد وجدت التأييد والمساندة بواسطة كل الأطراف التركية إضافة إلى ذلك فقد أكدت استطلاعات الرأي العام التركي بأن شعبية أردوغان ارتفعت كثيراً بسبب قيامه بمغادرة اجتماع قمة دافوس.
تشير التحليلات إلى أن التدهور المضطرد في العلاقات التركية – الإسرائيلية سيترتب عليه المزيد من التداعيات التي سيتمثل أبرزها في الآتي:
• إضعاف علاقات إسرائيل مع دول القوقاز الأخرى وعلى وجه الخصوص أرمينيا وأذربيجان.
• إضعاف أمل إسرائيل في تنفيذ مشروعات تمديد خطوط أنابيب النفط والغاز والمياه العذبة إلى أراضيها من تركيا.
• تهديد المصالح الإسرائيلية في تركيا وعلى وجه الخصوص الشركات الإسرائيلية العاملة في تركيا.
• إضعاف نفوذ اليهود الأتراك خاصة وأن الرأي العام التركي بدأ ينظر بالكثير من الشكوك إزاء مصداقية وطنية اليهود الأتراك الذين ظلوا طوال المراحل السابقة يتولون الكثير من المناصب الحساسة الفائقة الأهمية في أجهزة الأمن والدفاع والدولة التركية.
إضافة لذلك، فمن الممكن أن يؤدي توتر علاقات أنقرة – تل أبيب إلى توتر علاقات أنقرة – واشنطن وعلاقات واشنطن – تل أبيب كذلك، لأن إدارة أوباما الجديدة قد لا تقبل خسارة أمريكا لمزايا تحالفها الاستراتيجي مع تركيا إرضاءً لتل أبيب.
* مستقبل الوساطة التركية في محادثات دمشق – تل أبيب غير المباشرة:
برغم عدم تفاؤل الكثيرين بمستقبل جهود السلام التركية فإن التحليلات السياسية التركية لم تتعرض بالقدر الكافي لمستقبل جهود أنقرة الساعية لإحلال السلام في المنطقة، وعلى وجه الخصوص المتعلقة منها بالمحادثات السورية – الإسرائيلية ولكن عموماً يمكن الإشارة إلى النقاط الآتية:
• إن إسرائيل ستكون هي الخاسر الأكبر إذا وصلت علاقات أنقرة – تل أبيب إلى مرحلة القطيعة.
• إن إسرائيل لن تستطيع رفض المحادثات مع دمشق طالما أن مثل هذا الرفض سيعرضها للمزيد من الانتقادات الدولية والإقليمية خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة سيكون من أولى اهتماماتها السعي لتحسين العلاقة مع تركيا.
• إن تلازم المصالح الإسرائيلية – التركية في القوقاز لا يقبل بأي حال من الأحوال خسارة تركيا وبكلمات أخرى فإن واشنطن ستمارس المزيد من الضغوط على تل أبيب لكي تحاول تحسين العلاقة مع تركيا لأن خسارة تركيا بالنسبة لواشنطن هي خسارة معناها خسارة آسيا الوسطى والقوقاز، وهو أمر سيترتب عليه بالضرورة انهيار أهم حلقات مخطط الهيمنة الأمريكية إضافة إلى تراجع النفوذ الأمريكي ليس في آسيا الوسطى والقوقاز وإنما في أوروبا كذلك.
• أبرز مخاوف محور واشنطن – تل أبيب من خسارة تركيا يتمثل في احتمالات أن تتحول تركيا إلى التحالف مع دمشق وطهران، إضافة إلى موسكو إضافة إلى بغداد إذا انسحبت منه القوات الأمريكية.
• إضعاف حلفاء محور واشنطن – تل أبيب الأتراك سيؤدي إلى تقويض آمال هذا المحور في الإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية.
تقول المعلومات والتقارير التركية أن شعبية حزب العدالة والتنمية ارتفعت إلى 86% إضافة إلى ارتفاع شعبية رئيس الوزراء أردوغان والرئيس غول بمعدلات غير مسبوقة، وتقول المعلومات أن بيكال زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي الحليف لمحور واشنطن – تل أبيب أعلن عن دعمه لموقف أردوغان في قمة دافوس.
لا توجد المزيد من التسريبات والمعلومات حول طبيعة وتفاصيل الجهود الإسرائيلية – الأمريكية الساعية لتحسين العلاقات على خط تل أبيب – أنقرة ولكن على الأغلب أن يتضمن ذلك محاولة إظهار تل أبيب لتركيا على أنها ما تزال ملتزمة باستمرار جهود السلام التركية ولكن برغم ذلك فإن شالوم مستشار أولمرت سوف لن يستطيع القيام بتحقيق أي تقدم طالما أن يوم الأربعاء القادم سيشهد صعود رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد الذي تقول المعلومات أنه سيكون مرشح الليكود بنيامين نتينياهو.
برغم توجهات نتينياهو المعادية لعملية السلام مع الفلسطينيين والمعادية للإيرانيين والمعادية لحزب الله فإن نتينياهو سوف لن يغامر بفتح جبهة جديدة مع تركيا وبالتالي فلن يرفض جهود الوساطة التركية، وما هو متوقع منه سيتمثل في محاولة عقد صفقة مع أنقرة يحاول بموجبها مقايضة التزام أنقرة باستقرار العلاقات مع إسرائيل مقابل التزام تل أبيب باستئناف المحادثات مع سوريا، وعلى الأغلب أن يحاول نتينياهو الضغط على أنقرة من أجل السعي لبناء صفقة سلام مع دمشق تقوم على مبدأ السلام مقابل السلام، وتجدر الإشارة إلى بعض التحليلات السياسية الإسرائيلية الصادرة اليوم التي سعت بشكل واضح إلى الدفع في اتجاه يقول أن تركيا قد أصبحت في نظر العديد من الإسرائيليين طرفاً غير محايد في الصراع العربي – الإسرائيلي وبالتالي فمن المتوقع أن تبرز المزيد من الأطراف الإسرائيلية المطالبة بضرورة عدم قبول الحكومة الإسرائيلية الجديدة للتعامل مع الوساطة التركية مع سوريا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد