تسريبات حول هوية مهاجمي القنصلية الأمريكية في اسطنبول
الجمل: بدأ صيف هذا العام أكثر سخونة في تركيا من جراء الهجوم المسلح الذي استهدف القنصلية الأمريكية في اسطنبول، وحالياً برغم عدم اكتمال التحقيقات والتحريات المبدئية، فقد صعدت بعض الملفات إلى السطح، مثيرة الكثير من التساؤلات المتعلقة بالبيئة السياسية التركية الداخلية والخارجية، ومدى قيام فعاليات كل بيئة بتشكيل محفزات الأخرى.
* ما الذي حدث في اسطنبول؟
تقول السرديات التركية والأمريكية وإفادات شهود العيان بأن أربعة رجال مسلحين تتراوح أعمارهم بين 20 و25 عاماً، وبعد نزولهم توجهوا صوب مكتب أمن بوابة القنصلية الأمريكية، وعلى الفور أطلقوا نيران البنادق والمسدسات على عناصر البوليس التركي الذي كان يتولى حراسة المبنى.
نجح المسلحون الأربعة في تحقيق المفاجأة والمباغتة، بما مكنهم من إسقاط ثلاثة من الشرطة وجرح العديدين وبرغم المفاجأة تمكن حرس القنصلية من قتل ثلاثة مسلحين فيما تمكن رابعهم من الهرب. هذا وتجدر الإشارة إلى أن طاقم القنصلية الأمريكية ظل سليماً ولم تصل إليه نيران المسلحين.
تشير المعلومات إلى أن القنصلية الأمريكية الموجودة في اسطنبول تعتبر من بين أحدث القنصليات الأمريكية في العالم، لجهة تحصيناتها التي جعلتها مثل القلاع الحصينة، إضافةً إلى تعدد حواجزها الأمنية التي تم إعدادها بعناية لمقاومة ومواجهة مخاطر مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول.
* ما هي دلالة الأحداث لجهة التوقيت؟
جاء الهجوم على القنصلية في وقت يتزامن مع الآتي:
• على الصعيد الداخلي:
- تصاعد إجراءات المحكمة الدستورية التركية واقتراب موعد صدور الحكم في قضية حظر حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم و70 من قياداته من بينهم رئيس الوزراء أردوغان ورئيس الجمهورية غول.
- تصاعد إجراءات التحقيق في ملف مخطط المحاولة الانقلابية التي هدفت إلى الإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية وهي المحاولة التي يتزعمها بعض السياسيين العلمانيين وبعض كبار جنرالات الجيش المتقاعدين مع الإشارة إلى تورط بعض جنرالات المؤسسة العسكرية الموجودين على رأس عملهم.
• على الصعيد الإقليمي:
- تصاعد التوترات المتعلقة بأزمة الملف النووي الإيراني والضغوط الإسرائيلية – الأمريكية على تركيا للقيام بدور إيجابي داعم لواشنطن وتل أبيب.
- تصاعد التوترات السياسية والأمنية في العراق.
- تصاعد الدور التركي المحتمل في حل مشكلة الشرق الأوسط بعد تقدم المحادثات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة.
- تصاعد التوترات في منطقة البلقان بسبب أزمة إقليم كوسفو وتداعياتها.
- مواصلة أمريكا وإسرائيل دعم وحماية الحركات الكردية الانفصالية.
• على الصعيد الدولي:
- تزايد رغبة الإدارة الأمريكية في مواصلة تصعيد الحرب ضد الإرهاب.
- انخفاض سقف احتمالات ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
- انخفاض سقف احتمالات نجاح محاولات إعادة توحيد قبرص.
- دخول الساحة التركية ضمن مسرح الصراع النفطي العالمي.
- تزايد المخاوف الأمريكية – الإسرائيلية من احتمالات انهيار تحالفاتهم مع تركيا.
* من المسؤول عن الهجوم؟
توجد العديد من الجماعات التركية المسلحة التي يمكن أن تقوم بتنفيذ هذا الهجوم، بعضها يرتب بتنظيم القاعدة إضافةً إلى وجود حزب الله التركي والعشرات من الجماعات المسلحة المعادية لأمريكا والموجودة في بلدان الجوار الإقليمي التركي ومن أبرزها الجماعات الناشطة في أذربيجان وبلدان آسيا الوسطى والعراق وتنظيم القاعدة نفسه. وحالياً تركز أجهزة الإعلام التركية على تنظيم يحمل اسم جبهة فاتحو الشرق الإسلامي الكبير، وهي الجماعة التي بادرت إلى الإعلان عن مسؤوليتها عن الهجوم مع الإشارة إلى أن هذه الجماعة نفسها سبق أن أعلنت مسؤوليتها عن هجمات 2003م التي تمت في اسطنبول، ولكن ثبتت لاحقاً عدم صحة مزاعم الجماعة بعد أن كشفت التحقيقات عن مرتكبيها الأصليين.
يقول الخبراء بأن أسلوب الهجوم ضد القنصلية يتطابق وينسجم مع أسلوب هجمات الجماعات الكردية المسلحة، وعلى وجه الخصوص حزب العمال الكردستاني. إضافةً إلى حزب كردي جديد يحمل اسم صقور حرية كردستان وهو جماعة انفصالية متطرفة وضعتها الإدارة الأمريكية في قائمة الإرهاب في كانون الثاني الماضي. وتقول المعلومات والتسريبات بأن الجماعة المسلحة الكردية هي الأكثر قدرة على تنفيذ مثل هذه العمليات في تركيا لجهة معرفتها بالأرض ووجود عدد من السكان المحليين من أكراد تركيا الداعمين لها. وتشير التسريبات أيضاً إلى أن الهجوم ضد القنصلية الأمريكية قد تزامن مع قيام حزب العمال الكردستاني باختطاف ثلاثة من السياح الألمان خلال تواجدهم في مناطق جنوب شرق تركيا. * ما هو دافع الهجوم؟
لا يمكن القول بأن نظريات المؤامرة لم تعد موجودة في الساحة السياسية الأمريكية وعلى الأغلب أن تبرز العديد من الأطراف ذات العلاقة والارتباط بالهجوم على القنصلية الأمريكية، وما يبعث على القلق والمخاوف سيتمثل في مدى احتمالات الربط بين هذا الهجوم والأزمة السياسية التركية الداخلية:
• النظرية القائلة بأن الجماعات الإسلامية المتطرفة هي المسؤولة يمكن أن تكون مقبولة طالما أن أمريكا ما تزال تقوم بتصعيد حربها ضد هذه الجماعات.
• النظرية القائلة بأن الحركات الكردية الانفصالية المسلحة هي المسؤولة يمكن أن تكون مقبولة طالما أن أمريكا قدمت المساعدات والتأييد السياسي والدعم الاستخباري لحملة الجيش التركي المسلحة الماضية ضد شمال العراق.
ولكن ما هو أكثر خطورة يتمثل في احتمالات حدوث نموذج الأطراف الثالثة، التي درجت –كما هو الحال في لبنان- على القيام بالعمليات السرية لجهة إنجاز الآتي:
• تعزيز الأزمة التركية الداخلية بما يضعف حزب العدالة والتنمية ويعزز الأطراف العلمانية.
• تصعيد المواجهة بين الإسلاميين المتطرفين وحزب العدالة والتنمية الإسلامي.
• تقليل شعبية حزب العدالة والتنمية طالما أن تحميل الحركات الإسلامية المسؤولية سيشوه من صورة الحزب.
• تمهيد المسرح لإصدار قرار المحكمة الدستورية القاضي بحظر الحزب وقياداته.
• إتاحة الفرصة لجنرالات المؤسسة العسكرية التركية للقيام داخل الجيش برفع روح التعبئة والحشد لجهة الاستعداد لاحتمالات تدخل المؤسسة العسكرية من أجل إعادة ترتيب الأوضاع وحماية الأمن.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد