تشريح الأزمة اللبنانية في مرحلة ما بعد تشكيل وزارة الحريري

الجمل: بعد مرور خمسة أشهر على الانتخابات العامة اللبنانية، نجح أخيراً الزعيم اللبناني «سعد الحريري» في تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وبرغم ذلك، فهناك العديد من المؤشرات والمعطيات التي تفيد لجهة أن ما حدث هو حكومة جديدة ذات مشاكل قديمة.
* تشريح الأزمة اللبنانية في مرحلة ما بعد تشكيل وزارة الحريري:
تشير المعلومات والمعطيات إلى أن حكومة الوحدة اللبنانية الجديدة هي حكومة "موحدة شكلاً" و"منقسمة مضموناً"، وفي معرض التعرف على جذور الانقسامات والخلافات اللبنانية المتوقعة، يمكن الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى النقاط الآتية:
• لا يوجد طرف يملك نسبة 51% داخل مجلس الوزراء، أما رئيس الوزراء سعد الحريري، والذي يملك داخل مجلس النواب اللبناني الأغلبية الميكانيكية، فإنه لا يملك الأغلبية الميكانيكية داخل مجلس الوزراء، فهناك، وبحسب تشكيل الحكومة الجديدة: 15 وزيراً تابعين لقوى 14 آذار التي يتزعمها الحريري، و10 وزراء لقوى 8 آذار تضم أطراف مثلث حزب الله – التيار الوطني الحر – حركة أمل، إضافةً إلى 5 وزراء يقوم بتعيينهم الرئيس اللبناني ميشيل سليمان.
• الخلافات المتعلقة بمسألة حزب الله، والموقف من إسرائيل، والموقف من سوريا، ما تزال محلّ خلاف بين الأطراف اللبنانية، وما هو واضح يتمثل في أن الخلافات المتعلقة بمسألة توزيع السلطة والثروة ما تزال على ما كانت عليه، ومن الواضح أن قوى 14 آذار لن تستطيع استغلال أغلبيتها الميكانيكية في مجلس النواب لتمرير الأجندة والبنود المرفوضة بواسطة قوى 8 آذار، وذلك لإدراك قوى 14 آذار بأن حزب الله اللبناني وحلفاءه سوف لن يترددوا في تنفيذ سيناريو السيطرة على بيروت الذي سبق أن نفذوه في أيار (مايو) 2008 الماضي.
* الأقليات السياسية اللبنانية: لعبة ضبط التوازنات:
تقول المعلومات والتسريبات، بأن القوى السياسية اللبنانية الصغيرة، سوف تسعى إلى محاولة شق طريقها إلى داخل العملية السياسية اللبنانية الجديدة الخاصة بمرحلة ما بعد تشكيل الحكومة، وتأسيساً على ذلك، يمكن الإشارة إلى الملاحظات الآتية:
- الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بدأ في تنفيذ خارطة طريق سياسية خاصةً به، تتضمن معالمها الخطوط الآتية:
• الابتعاد شيئاً فشيئاً عن الارتباط بمعسكر سعد الحريري، وذلك تحت ذريعة أن عودة النفوذ السوري إلى لبنان لم تعد ممكنة، وبالتالي، فهو ليس مضطر لجهة الاستمرار في التحالف مع الحريري.
• دفع أنصاره وابنه تيمور لجهة الابتعاد وتجنب التورّط في الخلافات التي سوف تنشأ لاحقاً بين أنصار قوى 14 آذار وأنصار قوى 8 آذار، وذلك بما يتيح لجنبلاط وأنصاره الظهور بمظهر الطرف السياسي المحايد.
• ونلاحظ هنا، أن حصول جنبلاط وأنصاره على مظهر الطرف المحايد في الصراع السياسي اللبناني سوف يتيح لجنبلاط من جهة القدرة على الوساطة والتوقيع بين الأطراف المتصارعة، ومن الجهة الأخرى الحصول على المزيد من المكاسب إذا سعى كل طرف لدعم جنبلاط بحيث لا ينضم للطرف الآخر.
• الزعيم المسيحي سليمان فرنجية زعيم تيار المردة، الحليف لقوى 8 آذار، أصبح أيضاً يتجه نحو اعتماد "لعبة الحياد"، بحيث يقف في وسط الخط الواصل بين 14 آذار وقوى 8 آذار، وبكلماتٍ أخرى، فإن سليمان فرنجية يسعى لأن يلعب نفس لعبة وليد جنبلاط، لجهة عدم التورط في خلافات قوى 14 آذار وقوى 8 آذار، إضافةً إلى الظهور بمظهر الطرف المحايد الذي يستطيع التوسط لحل الخلافات.
* مثلث قصر بعبدا – السراي الكبير – ساحة النجمة: إلى أين؟
يقوم استقرار العملية السياسية على استقرار توازن السلطات والصلاحيات، إضافةً إلى انسجام علاقات الأطراف الرئيسية الفاعلة في مؤسسات الدولة، وتأسيساً على ذلك، فإن استقرار العملية السياسية اللبنانية من المفترض أن يتم خلال استقرار السلطة الرئاسية «قصر بعبدا – السلطة التنفيذية لمجلس الوزراء اللبناني – (السراي الكبير) – السلطة التشريعية لمجلس النواب اللبناني (ساحة النجمة)». ولكن في واقع الأمر، فإن تميز الساحة السياسية اللبنانية بطغيان ظاهرة «صانع الملك» فإن قواعد اللعبة السياسية اللبنانية توجد خارج الإطار المؤسساتي، وبالتالي، فإن نجاح حكومة الحريري سوف يكون رهيناً في احترام قواعد هذه اللعبة عن طريق الالتزام بمبدأ «الإجماع» كأساس لعملية صنع واتخاذا القرار، وتفادي عدم الاعتماد على الأغلبية الميكانيكية داخل مجلس النواب، لأنه كما أوضحت التجربة، فإنها أغلبية لم تنفع ولم تُجْدِ في تشكيل حكومته التي تأخر تشكيلها لمدة خمسة أشهر.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة