تفاقم "معضلة الاستقرار" في الأفق الخليجي
الجمل- قسم الترجمة- كافيه ل. أفراسيابي- ترجمة: د: مالك سلمان: هبَط خريف سياسي على دول النفط العربية في الخليج الفارسي, حيث أن النتيجة هي صرخة أبعد مما تكون عن تفاؤل السنة الماضية عندما شوهدت أمواج "الربيع العربي" الديمقراطية متجهة نحو دول "مجلس التعاون الخليجي" كجزء من صحوة عربية عظيمة وجديدة.
خلال هذا الأسبوع, حظرت البحرين كافة المظاهرات الشعبية, بينما قامت الحكومة في الكويت – التي كانت تُعتَبر فيما مضى واحة للتسامح السياسي في الخليج – باستخدام الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين كما سجنت الكثير منهم لاحتجاجهم على التغييرات القسرية في الدستور والتي تهدف إلى خَنق المعارضة السياسية.
إن توقيت هذه الإجراءات القمعية يشير إلى تصميم جديد من قبل الإمارات العائلية لمجلس التعاون الخليجي لمقاومة التغييرات السياسية الحقيقية التي من شأنها أن تزعزع الوضع القائم. ومع ذلك, وإذا أخذنا بعين الاعتبار الدينامية السياسية التي أطلقها "الربيع العربي", فمن المرجح أن تعمل هذه الإجراءات على زيادة الفوضى بدلاً من تهدئة هذه التوترات.
إن الاحتجاجات غير المرخصة في مدينة الكويت, و إصرار المعارضة الشعبية العريضة في البحرين على تجاهل الإجراءات الحكومية القمعية, تنبىء بتفاقم "معضلة الاستقرار" في الأفق الخليجي.
بالطبع هذه ليست المرة الأولى التي تتخذ هذه الحكومات خطوات لتعزيز قبضتها على السلطة و تفشل ببساطة بسبب طبيعة هذه الإجراءات غير الشعبية. ما يمكن أن يكون فريداً هو إمكانية أن تأتي هذه الإجراءات بنتائج عكسية جداً هذه المرة.
في الكويت, وبانتظار الانتخابات البرلمانية التي ستجري في أوائل كانون الأول/ديسمبر, فإن قرار الحكومة بتغيير القوانين التي لا تسمح للناخبين بالتصويت لأكثر من مرشح, بالإضافة إلى اعتقالها لبعض القادة السياسيين, يشير إلى موقف دفاعي يسعى إلى اجتثاث المكاسب الديمقراطية الأخيرة. أدت الانتخابات في شباط/فبراير إلى فوز تآلف رخو من الوطنيين والليبراليين والقبَليين والإسلاميين, ولكن تبع ذلك أشهر من التناحر بين المجلس والحكومة التي لا تزال تخاف من فكرة "التشارك في السلطة" ولجأت إلى أوهى الأعذار لحَل البرلمان.
فاز مسلم البراك, أحد قادة "كتلة العمل الشعبي" الوطنية, بمعظم الأصوات في الجولة الأخيرة ولكنه في السجن الآن وربما لن يُطلَق سراحُه قبل انتخابات كانون الأول/ديسمبر. وربما تكون هناك اعتقالات أكثر في تشرين الثاني/نوفمبر, وفي حال خروج الأمور عن السيطرة يمكن أن يتم إلغاء الانتخابات برمتها أو تأجيلها.
من المؤكد أن النغمة التصادمية للدينامية السياسية الكويتية سوف تزداد حدة في الأيام والأسابيع القادمة. ولكن بالمقارنة مع الاستقطابات الحادة التي تُمسك بالبحرين, تبقى الكويت في أزمة سياسية معتدلة.
من الأفضل لعائلة الصباح الحاكمة أن تتعلم الدروس المناسبة من المشهد السياسي المتفاقم, والذي يمكن أن يمثلَ مستقبل الكويت إذا استمرَ هذا الميل الحالي نحو قمع الديمقراطية من قبَل حكومة قدمت الكثير من الوعود بإدخال تغييرات ديمقراطية حقيقية في بداية التسعينيات من القرن الماضي بعد تحرير الكويت.
اليوم, على النقيض من السابق عندما دفعت الولايات المتحدة الكويتيين لإعادة تنصيب الحكومة الدستورية وإجراء انتخابات حرة, ولو مقيدة, لا تمارس واشنطن مثل هذه الضغوط على حُكام الكويت والبحرين القمعيين الذين يتمتعون بدعم السعودية الكامل ضد نشطائهم المحليين المطالبين بالديمقراطية.
الشيء نفسه ينطبق على الحكومات الغربية, وخاصة الأوربيين الذين اكتفوا بتصريحات فارغة دون اتخاذ أية خطوات ملموسة من شأنها أن توبخَ تلك الممالك النفطية للدَوس على حقوق مواطنيها.
النفاق الغربي المتواصل
من خلال الانقلاب على الديمقراطية مع تجاهل دولي ملحوظ, ضربت الكويت والبحرين أمثلة جديدة عن النفاق الغربي وازدواج المعايير, وذلك في ضوء التركيز الغربي الوحيد على خروقات حقوق الإنسان في سورية وإيران مع تجاهل خروقات مشابهة يرتكبها حلفاؤهم المطيعون في الخليج الفارسي. إن أي شخص يريد أن يدحضَ فكرة أن الرئيس باراك أوباما قد اتبع "سياسة محايدة كالمعتاد" لا يحتاج إلى النظر أبعد من ذلك للإشارة إلى هذا النفاق.
الحقيقة البسيطة هي أن سياسة أمريكا في الخليج الفارسي لم تتعرض لأدنى حد من التغيير خلال الأشهر الأربعة الأخيرة, حيث لاتزال ملتزمة بسيطرة الهيمنة من خلال العائلات النفطية الحاكمة التي فقدت شرعيتها.
في حالة البحرين, تمت البرهنة على ذلك من خلال الرفض المتعنت للملك حمد لإعادة دستور 1973 الأكثر ليبرالية الذي مَكنَ المجلس الوطني, بغض النظر عن إعطاء نفسه سلطات أكبر من خلال تغيير لقبه من أمير إلى ملك.
"السمكة تتعفَن من رأسها" [الخط الأعوج من التور الكبير], كما يقول المثل, وكل هذا النقاش السياسي طيلة السنتين السابقتين في البحرين حول رئيس الوزراء أو مجلس الشعب, لم يلامس سوى سطح المشكلة في أمة تحتل جزيرة صغيرة شهدت جولات من القمع, هذه المشكلة التي ستتفاقم نتيجة لقرار منع التظاهرات.
إليكم مثال عن التغطية المشوهة للمشاكل المتفاقمة في منطقة "مجلس التعاون الخليجي". فقد نشرت مجلة "إيكونوميست" الأسبوع الماضي مقالاً بعنوان فرعي يقول: "الكويتيون عالقون بين أميرهم وخصومه الغاضبين", مما يعطي الانطباعَ المضلل أن المعارضة الجماهيرية هي مجموعة منفصلة عن الكويتيين العاديين.
العنوان الأكثر دقة هو "الكويت عالقة بين المعارضة المطالبة بالديمقراطية والعائلة الحاكمة المستبدة".
لكن ذلك يعني أن نتوقع الكثير من وسائل الإعلام الغربية التي تعبر عن الرأي السائد, والتي غالباً ما تعمل بمثابة دعاية ترويجية للحكومة, خاصة عندما يتعلق الأمر بالأولويات الخارجية؛ أي إعطاء الموافقة الضمنية على عمليات القمع الوحشي في دول "مجلس التعاون الخليجي" التابعة للغرب.
من غير المستغرب, إذاً, أن العنوان العريض حول زيارة الرئيس الفرنسي إلى السعودية يدلل على أن أولاند هناك للتباحث حول "إيران وسورية", دون أدنى ذكر للكويت أو البحرين (والتدخل السعودي العسكري هناك). وهذا يذكر كاتب المقال بما كتبه في نيسان/إبريل الماضي: "من الواضح أن الاتحاد الأوروبي يقف على مفترق طرق – نوع من الجمود المتولد عن الذرائعية السياسية والموقف المبدئي الثابت المتناغم مع قيمه."
لسوء الحظ, وعلى الرغم من القمع المتزايد الذي امتد إلى الكويت الآن, ليس هناك أي مؤشر على أي تقدم من ناحية الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة من شأنه أن يدفع إلى إعادة التفكير في مثل هذا الاستنتاج السلبي. فأولئك الذين درسوا تاريخ التدخل الغربي في الشرق الأوسط, والذين يدركون تلك الهوة بين اللغة الخطابية الفارغة و الفعل للأوروبيين والأمريكيين "المتحضرين", ليسوا متفاجئين على الإطلاق من هذا النفاق – الذي يشكل بحد ذاته عقبة في وجه التقدم السياسي في الخليج الفارسي, والذي غالباً ماتتم التضحية به باسم "النظام".
إن المقولة المزيفة "النظام بلا تقدم" شائعة في تغطية وسائل الإعلام الغربية لهذه المنطقة الهامة, والتي يجب تجريدها من أي نقاش حقيقي حول مستقبل المنطقة الذي تقف في وجهه تلك الصعوبات القديمة المقلقة المتعلقة بالتغيير والتنوع والتعقيد المتزايد.
الجمل- قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد