تقدم في اللاذقية وسهل الغاب.. وتراجع في حماه والجيش يسعى للفصل بين جبلي الأكراد والتركمان
يتابع الجـيش السـوري مخطـط تقطـيع أوصال المناطـق التي يسيطـر عليـها المسلحون. وآخر تجليات هذا المخطط ما ظـهر في ريف اللاذقيـة الشـمالي، حيث بدا واضحاً من خلال العمليات الأخيرة أن الجـيش يستهدف فصل جبل الأكراد عن جبل التركمان لقطع خطوط الإمداد المتبادلة بين الجبلين، ولتشتيت جهود المسلحين وحرمانهم من تحشيد قواتهم في جبهة واحدة ضده.
لكن هذا التقدم في ريف اللاذقية خيّمت عليه ظلال من التشاؤم بسبب التراجع الدراماتيكي للجيش في ريف حماه الشمالي، حيث خسر معظم المناطق التي كان قد سيطر عليها في مستهل حملته الأخيرة، الأمر الذي قلب موازين القوى في الريف الحموي وبات يهدد جدياً المناطق الأقرب من مركز المدينة. هذا في الوقت الذي بقي فيه الطابع العام لمعارك ريف حلب الجنوبي هو تقدم الجيش، برغم كل محاولات «جبهة النصرة» تغيير المعادلة عبر هجوم معاكس حقق لها بعض النقاط من دون أن يؤثر على النتيجة النهائية.
وقد استعاد الجيش، أمس، للمرة الثانية خلال أيام، السيطرة على بلدة غمام التي تعتبر بوابة جبل التركمان، وتبعد حوالي 35 كيلومتراً عن مدينة اللاذقية. واستطاع، خلاف المرة الأولى، التثبيت في البلدة بعد عملية تمشيط استهدفت تطهيـرها من الألغام والعبـوات الناسفة والتأكد من خلوّها من فلول المسلحين. كما سيطر الجيش على جبل كداش إلى الشرق من غمام، وجبل غمام إلى جنوبها.
وبعد تقدم الجيش شمالاً نحو الدغمشلية التي تمكن، حتى مساء أمس، من السيطرة على أجزاء منها، بعد قصف تمهيدي مكثف استمر لأكثر من ساعة، يبدو من الواضح أن الهدف التالي سيكون برج القصب التي تتمتع بأهمية استراتيجية، خاصة لأن السيطرة عليها ستمكن الجيش من قطع خطوط المواصلات بين ربيعة معقل المسلحين في جبل التركمان وسلمى معقلهم المقابل في جبل الأكراد، وهذا يعني في ما يعنيه فصل الجبلين بعضهما عن بعض.
وتزامن هذا التقدم في ريف اللاذقية مع تقدم الجيش في سهل الغاب، حيث تمكن من بسط سيطرته على قرية الصفصافة، فيما أصبحت بلدة السرمانية، التي تمهد الطريق نحو اشتبرق وجسر الشغور، بحكم الساقطة عسكرياً نتيجة وقوعها تحت التلال العالية التي أحكم الجيش سيطرته عليها في ريف اللاذقية، الأمر الذي يدل على مدى التشابك بين هاتين الجبهتين جغرافياً وعسكرياً.
وفي هذا السياق، تنبغي الإشارة إلى أن سيطرة الجيش قبل أيام على تلة جرد الفرك لعبت دوراً مهماً في تغيير المعادلة في سهل الغاب. لكن الأمر لم ينته بعد، فما زال الجيش بحاجة لاستعادة السيطرة على جبل كتف الغدر ليتمكن من تثبيت قواته على التلة الخامسة في جب الأحمر، المسماة «خندق خامو»، ومن ثم التقدم نحو جبل «كباني» الذي سيكون للسيطرة عليه دور رئيسي في التقدم نحو جسر الشغور لاحقاً.
وشكلت سيطرة الجيش على جرد الفرك مفاجأة غير متوقعة لدى الكثير من المراقبين، لأنه على مدى الأعوام الماضية، كان الفرك خارج الحسابات العسكرية نتيجة تضاريسه المعقدة التي جعلت من السيطرة عليه أشبه بالمستحيل، لذلك كانت الجهود العسكرية تنصبّ على كتف الغدر وكتف الغنمة فقط، وتستثنيه من حساباتها. وقد أكد مصدر ميداني مطلع أن السيطرة على الفرك «جاء نتيجة عملية استخباراتية أمنية معقدة، تمكنت خلالها مجموعة من قوات خاصة ومدربة تدريبا فوق الاعتيادي، على التسلل تحت جنح الظلام إلى محارس المسلحين في قمة الجبل والتخلص منهم من دون قذيفة مدفعية واحدة»، مشيراً إلى أن هذه العملية لم يكن لها أن تتم من دون مساعدة خاصة من بعض الأصدقاء نظراً لما تتطلبه من خبرات استخباراتية وأمنية كبيرة.
لكن على المقلب الآخر، وخصوصاً في ريف حماه الشمالي، لم تكن التطورات تسير على الإيقاع نفسه الذي سارت عليه في ريف اللاذقية. فقد توالى سقوط القرى بيد الفصائل الإسلامية المتشددة وسط انسحاب قوات الجيش السوري إلى مواقع خلفية، لا سيما إلى ناحية صوران. إذ بعد ساعات من سيطرة «جند الأقصى» على بلدة مورك ذات الموقع الاستراتيجي، تقدمت «حركة أحرار الشام الإسلامية» وسيطرت على قرية سكيك وتل سكيك ثم قرية عطشان، حيث اضطرت وحدات الجيش في قرى أم حارتين وقبيبات أم الهدى للانسحاب باتجاه قرية معان. ليكون الجيش بذلك قد خسر جميع النقاط التي كان قد سيطر عليها في مستهل حملته الأخيرة التي بدأت قبل شهر ونيف بغطاء جوي روسي. ليس هذا فحسب بل خسر فوقها بلدة مورك التي كان سيطر عليها منذ تشرين الأول العام الماضي.
وتأتي خطورة التطورات في ريف حماه الشمالي، أنها تحدث على خلفية التهديد الذي أعلنته الفصائل المسلحة بإطلاق ما أسمته «غزوة حماه»، والتي تستهدف، بحسب البيان، الذي صدر قبل حوالي ثلاثة أسابيع «تحرير محافظة حماه والسيطرة على مركز مدينتها». وفي الواقع لم يعد ممكناً تجاهل هذه التهديدات أو التقليل من خطورتها، لأن التطورات تشي بأن الأمور في ريف حماه الشمالي تسير نحو واقع قد يكون أكثر خطورة مما جرى حتى الآن، خاصة أن خط الدفاع الأول عن مدينة حماه، المتمثل في مورك قد سقط، ولم يعد هناك سوى بلدات صوران وطيبة الإمام ومعردس التي باتت تشكل خط الدفاع الثاني والأخير.
وبحسب معلومات حصلنا عليها من مصادر مقربة من أحد الفصائل الإسلامية المتشددة، فإن «جهود هذه الفصائل ستنصبّ في المرحلة المقبلة على محاولة تشتيت جهود الجيش السوري وإشغاله بعدة محاور، بغية تحقيق الهدف المتمثل باقتحام صوران وبعدها طيبة الإمام ومعردس، تمهيداً لتحقيق الهدف المعلن وهو السيطرة على حماه». وأشارت المصادر إلى أنه سيجري إطلاق الهجوم من ثلاثة محاور على الأقل، أهمها محور طريق شرق عطشان الذي يمر في معان وكبارية وتل بزام ثم كوكب التي تقع شرق صوران. والمحور الثاني هو المصاصنة في جنوب غرب طيبة الإمام، والهدف هو تشكيل طوق محكم لمحاصرة خط الدفاع الذي تشكله البلدات الثلاث وهي صوران ومعردس وطيبة الإمام. وبحسب بعض النشطاء في المنطقة فقد كان لافتاً أنه خلال المعارك الأخيرة لم تشاهد الطائرات الحربية في سماء المنطقة إلا نادراً.
إلى ذلك، ذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف بحثا هاتفياً الجهود الدولية لبدء مباحثات بين السلطات السورية والمعارضة. وأضافت أن الاتصال الهاتفي جرى بناء على مبادرة من واشنطن، وأن الوزيرين ناقشا أيضاً القتال ضد تنظيم «داعش» وغيره من الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط.
وكانت الوزارة قد ذكرت أن لافروف ونظيره التركي فريدون سينيرلي أوغلو بحثا التسوية السياسية للأزمة السورية. يشار إلى أن مدينة انطاليا التركية ستستضيف القمة العاشرة لزعماء «مجموعة العشرين» في 15 و16 تشرين الثاني الحالي. وسيشارك فيها الوفد الروسي برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين.
وقال ديبلوماسيون إن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا سيقدم الثلاثاء المقبل أمام مجلس الأمن عرضاً عن المباحثات التي أجراها في دمشق وواشنطن وموسكو حول الأزمة السورية.
وحاولت باريس أمس إعادة إحياء «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، عبر اعتبار المتحدث باسم وزارة الخارجية رومان نادال أن «الائتلاف» يجب أن «يكون اللاعب الأساسي لتوحيد كل مجموعات المعارضة في أي مفاوضات مستقبلية» قد تجري مع الحكومة السورية. وقال نادال، بعد اجتماع رئيس «الائتلاف» خالد خوجة مع مسؤولين فرنسيين بينهم وزير الخارجية لوران فابيوس، «يجب أن يؤدي الائتلاف دوراً محورياً في جمع المعارضة المعتدلة».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد