تنميط الجسد: من «باربي» إلى الواقع
كانت بربارة هاندلر تلعب بدُماها الورقية وتدّعي أنّهم أناس بالغون عندما لاحظت والدتها روث هاندلر أنّ هذه الدمى الهشة محدودة ولا تفي بالغرض: الملابس الورقية لا تثبت عليها، كما أنّها لا تملك جسداً حقيقياً أو وجهاً واضحاً. لذلك قررت الأم أن تصنع دمية بلاستيكية ثلاثية الأبعاد تملك جسد امرأة بالغة، وترتدي ملابس مصنوعة من النسيج. ولأنّها استوحت الفكرة من ابنتها بربارة قررت أن تسمي الدمية «باربي».
أصبحت باربي من الألعاب الأكثر مبيعاً وشهرة لدى الأطفال في العالم. بدأ كل هذا في التاسع من آذار من العام 1959، وطوال السنوات اللاحقة حدّد مظهر باربي وصديقها كين الصورة المثالية للجسد لدى الأطفال والمراهقين، وحتى البالغين.
كم من مرة سمعنا أحدهم يقول أثناء محاولته وصف امرأة إنّها «مثل الباربي»، برغم معرفته أنّه لا يمكن لأي امرأة أن تكون مثلها، إلا إذا أرادت التخلّي عن عضو من جسدها. في العام الماضي، 2015، انخفضت مبيعات دمية باربي وأصدقائها بنسبة 14 في المئة. لا يعود هذا الانخفاض إلى الدراسات التي تؤكد أن هذا النوع من الدمى قد يشكّل خللاً نفسياً وجسدياً لدى الأطفال فقط، بل لأنّ العام المنصرم شهد نقلة نوعية رفضت الأنماط الجسدية غير الواقعية التي لطالما اعتبرت المثال الأعلى للجسد والشكل المثاليّين.
هناك عدة عوامل مهّدت لحصول هذا التحوّل.
نبدأ بالمشاهير الذين استخدموا نفوذهم للترويج للشكل الخارجي الطبيعي والسائد بين معظم الناس، إمّا عبر موسيقاهم أو عبر نشر صور تظهر أجسادهم بشكلها الحقيقي، لا كما تعرضها المجلات بعد قيامها بعمليات التعديل، كتنحيف أرداف النساء وإبراز عضلات الرجال. العامل الثاني هو وسائل التواصل الاجتماعي، التي يستخدمها أناس عاديون، وينشرون صورهم اليومية، وبالطبع فإنّ معظمهم لا يملك جسداً مثالياً، ولا يتبع آخر صيحات الموضة. من أبرز ما يتم تداوله حالياً على وسائل التواصل الاجتماعي هي صور الفتيات اللواتي قررن عدم إزالة الشعر عن أجسادهن باعتبار أن الشعر ليس أمراً زائداً بل هو جزء طبيعي من جسد الإنسان. ويمكن اعتبار عادة نزع الشعر لدى الفتيات من أهم الأمثلة عن الأنماط الجسدية التي يتم اتّباعها منذ عقود، والتي كانت موجودة قبل ذلك، إلّا أن رواجها بدأ في العام 1915، مع تصميم ملابس بلا أكمام للنساء، ولاحقاً الأثواب القصيرة، لتبدأ الشركات بتشجيع النساء على إزالة الشعر عن أجسادهن ليتناسبن مع الموضة السائدة. أصبحت هذه العادة لاحقاً من المسلمات ومن المعايير الاجتماعية المفروضة على النساء، وهي تمثّل جزءاً كبيراً من أنوثتهن.
التغيير في العام 2015 لم يقتصر على المشاهير والأشخاص العاديين، بل طال القوانين أيضاً. في فرنسا مثلاً، وافق البرلمان على قانون يمنع عارضي الأزياء الذين لا يتمتعون بجسد صحي من ممارسة مهنة عرض الأزياء، وتغريم أي وكالة توظفهم بمبلغ يصل إلى 85000$، مع إمكانية السجن لمدة 6 أشهر.
أما شركة «بيريللي»، التي تقوم منذ العام 1963 بإصدار رزنامة سنوية تظهر فيها أجمل عارضات الأزياء، إما عاريات أو بملابس تظهر معظم جسدهن، فقد قررت هذا العام اتخاذ مسار مختلف عمّا عودتنا عليه. للمرّة الأولى، تمّ اختيار النساء بناءً على إنجازاتهن المهنية ومسيرة حياتهن، فضمّت رزنامة هذا العام الموسيقية يوكو أونو والمغنية باتي سميث ولاعبة التنس سيرينا ويليامز وغيرهن من النساء اللواتي حققن إنجازاتٍ مهمّة.
ربّما إن واصلت المجتمعات دحض الأنماط المتوارثة والمفاهيم الخاطئة عن الجمال والجسد، إن كان لدى النساء أو لدى الرجال، فإنّنا قد نصل إلى وقت يصير فيه كل فرد منّا متصالحاً مع نفسه وجسده، من دون أن يسعى لتغيير شكله ليتناسب مع معايير الجمال والأنوثة والرجولة المفروضة على أجسادنا.
نغم شرف
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد