توظيف القرار المصري لخدمة نظرية الأمن الإسرائيلي
الجمل: على خلفية أزمة قطاع غزة، وتفسيرات تل أبيب- واشنطن لملف أزمة غزة وفقاً لمعطيات "نظرية دواعي الأمن" الإسرائيلي، نسف محور تل أبيب- واشنطن جهوده القصوى من أجل ابتزاز حكومة حسني مبارك المصرية، والتي بسبب اتفاقيات كامب ديفيد واعتمادها على المعونات الأمريكية، أصبحت أكثر هشاشة وضعفاً في مواجهة الضغوط والإبتزازات
• نظرية دواعي الأمن الإسرائيلي: توظيف القرار المصري..
تقدم "نظرية دواعي الأمن" الإسرائيلي تفسيراً يربط بين وجود السكان المصريين في أراض سيناء المصرية، وأزمة قطاع غزة.
واستناداً إلى هذا التفسير، طالبت إسرائيل نظام حسني مبارك المصري بترحيل البدو المصريين من أراضي سيناء المصرية، وتهجيرهم إلى داخل مصر، واستندت إسرائيل إلى بنود اتفاقيات كامب ديفيد التي تلزم الحكومة المصرية ببذل كل الجهود من أجل حماية أمن إسرائيل، رفضت الحكومة المصرية الطلب الإسرائيلي الذي استطاع أن يعرقل وصول المساعدات الأمريكية إلى حكومة حسني مبارك.
الهدف الإسرائيلي يتمثل في ضرورة إخلاء سيناء من سكانها المصريين، وذلك عن طريق ابتزاز الحكومة المصرية، ودفعها إلى تهجير السكان المصريين عن أراضيهم ومواطنهم، وذلك على النحو الذي يؤدي لاحقاً إلى:
- تسهيل إعادة احتلال سيناء متى سنحت الفرصة لإسرائيل للقيام بذلك من أجل ضمها بشكل نهائي.
- قطع الطريق على نظام حسني مبارك من محاولة اللعب على خطوط أزمة غزة، وذلك لأن ترحيل بدو سيناء يؤدي إلى انقطاع الصلات البشرية والسكانية والاجتماعية بين سكان غزة، وسكان سيناء المصرية، وبالتالي ل يجد نظام حسني مبارك أي فرصة لاستغلال وتوظيف ملف غزة، أو الحديث عن دور مصري في غزة.
- خلق أزمة لاجئين ونازحين داخل المجتمع المصري، وذلك لأن تهجير البدو معناه وجود المجمعات، وعمليات إعادة التوطين داخل المجتمع المصري المكتظ أصلاً بالسكان.
- قطع الطريق على نظام حسني مبارك من القيام بأي تنمية في سيناء، وذلك لأن إفراغها من السكان سيؤدي بالضرورة إلى عدم توافر العنصر البشري الذي يدعم وتدعمه التنمية.
- حرمان الاقتصاد المصري من موارد سيناء المصرية، وادخار هذه الموارد إلى حين "قدوم الإسرائيليين" المرتقب مرة أخرى لسيناء.
* نظام حسني مبارك و"التضحيات المؤلمة" لصالح أمن إسرائيل:
على خلفية عبارة "التضحيات المؤلمة" التي قال بها الرئيس الأمريكي جورج بوش، فإن النظام المصري، على ما يبدو، قد قرر تقديم واحدة من أكثر "التضحيات المؤلمة" إيلاماً، والتي تمثلت في البدء بتنفيذ مخطط ترحيل وتهجير بدو سيناء من مواطنهم الأصلية، التي لم تتجرأ إسرائيل على مجرد محاولة القيام بها، عندما ظلت تحتل قواتها شبه جزيرة سيناء لما يقرب عشرين عاماً!!.
تكتمت حكومة حسني مبارك على خدماتها للأمن الإسرائيلي المتعلقة بملف بدو سيناء، ولكن الصحافة الإسرائيلية –كعادتها- نشرت الكثير من التسريبات التي تتضمن وتشير إلى مدى جدية حكومة حسني مبارك في الإيفاء بالتزاماتها تجاه أمن إسرائيل.
• التسريبات السابقة: بتاريخ 31 تموز (يوليو) 2007 الماضي، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريراً إخباريا يشير إلى وقوع عشرات الجرحى، من جراء قيام سلطات الأمن المصرية بمحاولة إخلاء البدو من منازلهم الموجودة على مقربة من قطاع غزة.
النزاع مع قوات الأمن المصرية تشارك فيه حوالي 300 من بدو سيناء الذين كانت تحاول قوات الأمن المصرية إخلائهم وتهجيرهم.
وتقول المعلومات بأن منازل هؤلاء البدو كانت تقع على بعد يتراوح بين 2 كم إلى 3كم عن الشريط الحدودي الفاصل بين حدود قطاع غزة- مصر.
مع ملاحظة أن -التفاهم- بين الحكومة الإسرائيلية وحكومة حسني مبارك ينص على وجود فاصل في حدود 150 متراً يمتد على طول الشريط الحدودي بين أراضي القطاع وأراضي سيناء المصرية.
وبتاريخ 7 أيلول 2007م، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريراً إخبارياً كشف سوء معاملة نظام حسني مبارك للبدو المصريين الموجودين في سيناء المصرية.
وبسبب سوء المعاملة، والضغوط الأمنية والاقتصادية التي ظل نظام حسني مبارك يفرضها ضد البدو المصريين، من أجل دفعهم إلى الإحباط والتخلي كرهاً عن قراهم ومواطنهم والنزوح إلى داخل مصر، فقد أحتشد حوالي 500 من البدو المصريين المقيمين في سيناء وتحديداً في قرية الماسورة البدوية الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من سيناء حيث قاموا بالاعتصام وحرق الإطارات والتظاهر احتجاجاً على توجهات سياسة نظام حسني مبارك الهادفة إلى إكراههم على النزوح واللجوء إلى البلدان الأخرى طلباً للرزق، ثم مصادرة أراضيهم بعد رحيلهم.
احتجاجات بدو سيناء كانت اعتراضاً على قيام نظام حسني مبارك بـ:
- إقامة الحواجز على الطرق التي تربط قرى البدو بعضها ببعض، وببقية أراضي وطنهم المصري.
- التدقيق على تحركات السكان البدو بين قراهم وحركة الذهاب والإياب إلى داخل مصر.
- عدم تزويد مناطق وقرى البدو بالخدمات الأساسية والضرورية
- تطبيق سياسية إفقار المناطق والقرى البدوية بسيناء.. على النحو الذي يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر وتخفيض الدخل وتخفيض الموارد الاقتصادية، بما يترتب عليه تعريض بدو سيناء إلى الضغوط المعيشية التي تدفعهم للخروج من سيناء طلباً للقمة العيش من الأماكن الأخرى.
- تجريم بدو سيناء، وتحميلهم المسؤولية عن الاختراقات الأمنية، وعلى ما يبدو فإن مخطط تجريم البدو يتم بالتنسيق بين المخابرات المصرية والمخابرات الإسرائيلية، بحيث تقوم أيادي الموساد الإسرائيلي، وربما المخابرات المصرية خلسة بوضع القنابل والأسلحة في بعض مناطق سيناء.. ثم تأتي سلطات الأمن المصري لتتهم بدو سيناء، وتحملهم المسؤولية على النحو الذي يعرض القرى البدوية لحملات المداهمة والتفتيش والاعتقال والتحقيق على يد "جلاوزة" جهاز المخابرات العامة المصرية.
آخر التسريبات: نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريراً إخبارياً عن بدو سيناء، حمل عنوان(الشرطة المصرية: البدو يهاجمون حرس الحدود على مقربة من المعبر الحدودي مع إسرائيل) يشير التقرير الذي زعمت صحيفة هآرتس على -غير عادتها- بأن مصدره وكالات الأنباء، علماً بأن الأخبار الهامة المتعلقة بأمن إسرائيل تقوم كل الصحف الإسرائيلية بإسنادها إلى مصادرها الحقيقة، أو عدم نشرها بحسب قانون الرقابة الصحفية المفروض بواسطة أجهزة الأمن والجيش الإسرائيلي.
كما يزعم التقرير بأن العشرات من بدو سيناء المسلحين بقاذفات الصواريخ الصغيرة تسببوا في إيقاع قوات حرس الحدود المصرية في كمين بالقرب من أحد المعابر التجارية على الحدود المصرية- الإسرائيلية.. وقد أدى الكمين إلى جرح اثنين أحدهما برتبة ضابط. والآخر موظف مدني يعمل في المعبر التجاري الحدودي.
وبالتدقيق أكثر فأكثر نلاحظ الآتي:
• لا يمكن أن يكون حجم الخسائر الناتجة عن كمين بهذه المواصفات سقوط جريحين فقط.
• لم يشر التقرير إلى اسم المعبر الذي وصفته الصحيفة الإسرائيلية بأنه معبر تجاري، وهل يوجد معبر تجاري وآخر غير تجاري!!.
• إذا كان البدو يقومون بعمليات التهريب، ولما كانت عمليات التهريب تتم عبر طرق أخرى، تتضمن الشلل وتفادي المعابر الرسمية التي تشرف عليها قوات الأمن والشرطة المصرية، فلماذا إذاً يقوم البدو بمهاجمة هذا المعبر، وماهي الفائدة التي سوف يحصلون عليها، بالتأكيد لا شيء لأن الجانب الأخر من المعبر توجد فيه القوات الإسرائيلية، ولأن القوات المصرية سوف تأتي فوراً لاستعادة المعبر منهم على النحو الذي يعرضهم إلى المزيد من الخسائر الفادحة.
وهكذا فإن التقرير الإخباري الأخير الذي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية لم يشر أو يؤكد إلا على شيء واحد هو:
لقد قررت حكومة حسني مبارك الإذعان للمطالب الإسرائيلية، وإفراغ سيناء المصرية من سكانها المصريين، ولتنفيذ ذلك كان لابد من اللجوء لاستخدام نظري المؤامرة.. عن طريق:
- تحميل البدو المسؤولية عن الأنشطة التخريبية
- تحميل البدو المسؤولية عن الأسلحة غير النظامية التي يتم العثور عليها في سيناء.
- تحميل البدو المسؤولية عن "الهجمات" المفبركة ضد القوات المصرية.
وبعد كل هذه الجهود هل سيرضى اللوبي الإسرائيلي عن جهود حكومة حسني مبارك، ويطالب الإدارة الأمريكية بتقديم المعونات الاقتصادية والعسكرية إلى مصر وبالطبع هذه إجابة سابقة لأوانها.. ولكن كما يقول المثل الإنجليزي.. دعنا ننتظر ونرى.. إن كان اللوبي الإسرائيلي سوف يقنع ويرضى، أم سوف يتقدم بالمزيد من المطالب الأخرى الإضافية لحكومة حسني مبارك.
الحمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد