تيسير السعدي: ضربت فنانين أهملوا أدوارهم

15-07-2008

تيسير السعدي: ضربت فنانين أهملوا أدوارهم

تيسير السعدي أحد أهم الفنانين الإذاعيين على مستوى الوطن العربي. بدأ عشقه للفن منذ كان طالباً في معهد اللاييك في 1935 حيث شهد أول وقوف له على المسرح.. ثم قام بعدة أدوار تمثيلية عام 1936 في أندية دمشق الفنية وبعد حصوله على دبلوم معهد التمثيل في القاهرة عام 1947 بدأت المرحلة الأهم في حياته الفنية.. حيث أخذ يخرج ويمثل في إذاعة دمشق حتى بلغ رصيده من التمثيليات الإذاعية ما يزيد على الخمسة آلاف تمثيلية.. نصفها من تأليف القصاص الشعبي حكمت محسن ووليد مارديني.. كما أخرج العديد من المسرحيات. ذاع صيته وزادت شهرته من خلال برنامجه التمثيلي الشهير “صابر وصبرية” بالاشتراك مع زوجته، ليس على مستوى سوريا وحسب بل امتدت لتشمل معظم الدول العربية التي كان يصلها البث الإذاعي السوري. هذا الحوار محاولة للاقتراب من عالمه وآرائه بعد هذه الرحلة الفنية.

-  لماذا لم نعد نراك في الأعمال الفنية.. سواء في الإذاعة أو التلفزيون؟

 كبرت في السن.. وصارت الإضاءة تضر كثيراً عيني لهذا اعتكفت في البيت ولم أشارك بأي عمل فني منذ آخر عمل ظهرت به وهو “أيام شامية” والشيء الذي يقهرني حقيقة أن “القشرة من الخارج” تخدع الكثيرين.. فأظهر للناس وكأنني شاب في الأربعين من عمري مع العلم أنني تخطيت الثمانين وأعاني آلاماً كثيرة في جسمي ولا أقدر على حمل كيلو غرام واحد وهذا في الحقيقة يسبب لي مشاكل لا حصر لها كلما سرت في الشارع وحدي.

-  ما السر في نضارة وجهك واختفاء التجاعيد منه؟

 هذه نعمة من رب العالمين وسببها  والله وأعلم  أنني أعيش في حالة طمأنينة، فأنا أمضيت طوال هذه السنوات لم أندم يوماً أنني ارتكبت عملاً ما أحسست بضيق تجاهه.. ولا اقترفت معصية أخشى عاقبتها أضف إلى ذلك أنني عشت حياة زوجية مريحة وهذا بالتأكيد يزيد في راحة النفس.

-  وماذا عن الأصدقاء؟

 أصدقائي هم على الأغلب في مثل سني أو أقل قليلاً.. ولهذا لا يستطيعون المجيء لمنزلي لأسباب كثيرة.. وفي مقدمتها المرض والشيخوخة.. وعلى العموم.. هم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة.. وكنت فيما سبق ألتقيهم في مقهى نرتاده جميعاً بين الحين والآخر.. وبسبب مرضي وعجزي عن السير الطويل لم أعد أذهب إلى ذلك المقهى.. وفقدت الصديق والأنيس.. وأصبحت تسليتي الوحيدة هذه الأيام الاستماع إلى الراديو ومتابعة نشرات الأخبار والتحليلات السياسية.

- في رأيك من صاحب الفضل الأول في شيوع اللهجة السورية في البلدان العربية؟

 أستغرب واستهجن في الوقت ذاته التعتيم الذي يجري بحق الفنانين الرواد الذين كان لهم الفضل الأول في مسيرة الفنانين السوريين وانتشار اللهجة السورية بين أقطار الوطن العربي.. فأنا أقرأ وأسمع في معظم الصحف المحلية والعربية وكذلك إذاعاتها وتلفزيوناتها، بأن انطلاقة اللهجة السورية وانتشارها يعود الفضل فيهما للفنانين دريد لحام ونهاد قلعي.. ناسين أو متناسين أن أول من أطلق هذه اللهجة عربياً هو الفنان والقصاص الشعبي الراحل حكمت محسن.. من خلال أعمالنا الإذاعية التي كانت تبث من محطة الشرق الأدنى في الأربعينات.. ومن ثم في إذاعتنا السورية عند تأسيسها، وللحقيقة أقول إنه لولا حكمت محسن لما نجحت تجربة “دريد ونهاد” الفنية، في تبنيهما للهجة المحلية.. والفنان المرحوم نهاد قلعي عمل في بداياته معنا أنا وحكمت محسن وكنت أستاذه في نادي الفنون الجميلة، وشارك في العديد من التمثيليات، وتعلم تجربتنا. وكما هو معروف فإن الفنان نهاد قلعي هو الذي كان الأساس في نشر اللهجة المحلية في سوريا واستطاع حكمت محسن رحمه الله وباقتدار أن يحبب الناس باللهجة المحلية لأنه كان متمرساً وموهوباً.

- ما أجمل موقف مر بك خلال مسيرتك الفنية؟

 هناك عشرات من المواقف والطرائف الجميلة عشتها خلال حياتي الفنية.. وأذكر في بداية احترافي الفني أواخر الثلاثينات موقف التنديد الشديد الذي تزعمه صلاح الدين البيطار ضدنا، في البرلمان السوري أوائل الخمسينات، بحجة أن أعمالنا الإذاعية والتي تقدم باللهجة المحكية أساءت للغة العربية وطالب بإيقافها على الفور.. وتصدى له في البرلمان زعيم الحزب الشيوعي خالد بكداش.. ودافع عنا بضراوة وأثنى على أعمالنا الإذاعية.

 -من موقعك كرائد في العمل الإذاعي.. ما رأيك بفناني اليوم مقارنة بفناني الماضي؟

 بكل أسف لاحظت أن عدداً من الفنانين الذين اشتغلت معهم في أعمالي الأخيرة بالإذاعة والتلفزيون، لا يقرؤون أدوارهم في البيت بل يقفون عليها في الاستديو وقبل التصوير مباشرة. ثم يرددون أدوارهم كببغاوات فلا تعرف هذا الممثل من ذاك.. وهذا لا يجوز أبداً.. لأن العمل الإذاعي بمثابة سينما تخاطب الأذن وكل فنان يجب أن يكون له شخصيته وصوته المتميز الذي يمكن المستمع من تمييز هذا الممثل من ذاك.. وصدف أن أحد الفنانين في الإذاعة كان يقول نكتة لزميله وجاء دوره في العمل فلم يذهب.. وأخذ يماطل لينهي نكتته.. هذا الأمر لم يكن يحصل معنا البتة.. وعندما كنت أتواجد في الكونترول لتقديم عمل إذاعي ما كان الفنانون يرتجفون مني خوفاً.. بل صدف وضربت العديد من الفنانين بسبب إهمال ما بدر منهم.. لأن العمل عندي مقدس وفوق كل الاعتبارات.. وأذكر أنني طردت الكثيرين من الفنانين لذات الأسباب وعملت بدلاً عنه لأنني أستطيع أن أقلد أصواتاً عديدة... حتى أنني اشتغلت مرة عوضاً عن الفنان الراحل عبد اللطيف فتحي عندما جاءني متأخراً.

 -هل تستمع للغناء الدارج هذه الأيام؟

 أنا من الذين يحبون سماع الطرب الأصيل. ولكن بكل أسف خلت الساحة الغنائية العربية لأشباه المطربين.. فتصور مثلاً مطرباً بحجم الراحل عبد الحليم حافظ صوته لم يكن قوياً ولكنه كان يغني بإحساس مرهف وصادق ولهذا أحبه الناس في حياته ومماته، وإذا نظرنا لعشرات المغنين ولا أقول المطربين الذين غنوا أغنيات عبد الحليم حافظ وحاولوا أن يقلدوه لم يفلحوا في ذلك لأنهم افتقدوا الإحساس الصادق الذي يجب أن يتصف به المطرب.

وجميع المغنين الآن ممن يحتلون إذاعاتنا ومحطاتنا التلفزيونية العربية لا أستطيع أن أميز بينهم وأراهم وكأنهم شحاذون يطلبون “حسنة”.. والحق على من يساير هؤلاء المدعين والمشوهين لغنائنا ممن بيدهم الأمر في إذاعاتنا وتلفزيوناتنا.

وليد العودة

المصدر: الخليج

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...