ثوّار اليمن يعلنون التصعيد: 3 مراحل تنتهي إلى الزحف
طال عُمر «ثورة الشباب اليمنية» وهي تدخل شهرها الرابع، وسط كلام كثير ظهر في «ساحة التغيير» في صنعاء عن نجاح الرئيس علي عبد الله صالح في تحويل «الثورة» إلى «أزمة»، وذلك بعدما تمكّن من الإفلات من جرائم عديدة، وتعمّد تعطيل العديد من المبادرات، وآخرها المبادرة الخليجية. ودفعت مراوغة الرئيس اليمني ورفضه التوقيع على المبادرة، ما لم تعدّل بما يسمح له بالتصديق عليها بصفته زعيماً للحزب الحاكم في اليمن، لا بصفته رئيساً للجمهورية، أحزاب اللقاء المشترك إلى رفض قبول المبادرة بعد التعديل الأخير وتمسكها بالصيغة الأولى.
وجاء هذا بعدما رأت أن قبولها التوقيع إنما يعدّ صراحة بمثابة الانتحار السياسي، وخصوصاً مع تزايد حالة السخط الشعبي عليها من جهة شباب الثورة الذين ذهبت أصوات منهم إلى اتهام أحزاب المعارضة بأنها أسهمت في تحويل «الثورة» إلى «أزمة»، وذلك بقبولها مبدأ التفاوض الذي يتعارض بالمطلق وفكرة الثورة، هذا إضافة الى عدم تعامل أحزاب المعارضة بجدية مع الشباب على أنهم محرك الثورة الأول، وبالتالي يكون من غير المنطقي القفز فوقهم والتحدث باسمهم.
وهو الأمر الذي دفع الشباب، وخصوصاً من غير المنضوين تحت مظلة حزبية، إلى مطالبة أحزاب اللقاء المشترك بأن تعلن بكل صراحة انضمامها إلى «الثورة الشبابية»، والتوقف عن منح صالح فرصاً جديدة للمناورة وتمكينه من اللعب على ورقة الوقت، ليخرج بعدها الناطق الرسمي باسم تلك الأحزاب، محمد قحطان، قائلاً إن المعارضة قد أعطت الرئيس صالح مهلة 48 ساعة للموافقة على المبادرة في صيغتها التي خرجت قبل التعديل الأخير، وإلا فسيكون انضمامهم إلى خيار الشارع حتمياً.
لكن على ما يبدو، فإن هذا التصريح قد أحدث رد فعل عكسياً عند هؤلاء الشباب، الذين استغربوا من الإعلانات المتكررة من قبل أحزاب اللقاء المشترك انضمامها إلى ثورة الشباب، وهو ما يتناقض مع تصريحات أخرى لقيادات في المشترك بأن كوادرهم الشبابية في طليعة من خرج إلى ساحات الاعتصام.
وإضافة إلى كل ذلك، ذهبت الأصوات الشبابية المستقلة إلى اتهام أحزاب اللقاء المشترك بأنها جزء من مكونات أزمة النظام السياسي في البلد، وليست جزءاً من الحل.
فبحسب الناشطة في مدينة تعز، بشرى المقطري، فإن أحزاب اللقاء المشترك «إنما تسهم بكل وضوح في إطالة عمر النظام الحاكم بمنحها إياه الفرصة تلو الأخرى». وأكدت لـ«الأخبار» أنه «يبدو أن بعض هذه الأحزاب لا تريد لهذه الثورة أن تكتمل بالنحو الذي يعمل على تغيير بنية النظام السياسي برمّته، لكنها ترغب في استبدال شخص بشخص».
ولم يتوقف الشباب عند حدود نقد مستوى أداء الأحزاب المعارضة في اليمن، وذلك عندما ذهبوا صراحة الى إعلان أن على دول مجلس التعاون الخليجي، والسعودية خاصةً، التوقف عن دعم الرئيس صالح ومنحه «فرصاً للنجاة» عبر مبادرات اتضح تماماً أنها «مفصّلة على مقاسه».
وقال الشاب أحمد البخيتي، من كتلة الشباب المستقل في «ساحة التغيير»، إن السعودية لم تكن يوماً إلى جانب الشعب اليمني، بل كانت دائماً إلى جانب النظام المُسيَطَر عليه جيداً من قبلها، مؤكداً أن «أمراء المملكة لن يسمحوا أبداً بنجاح ثورة الشباب السلمية في اليمن، وإحداث تغيير جذري في بنية الحكم، وهو ما سيترتّب عليه قيام دولة ذات سيادة بمؤسسات مستقلة عن دوائر صنع القرار في الغرف السعودية المغلقة».
كل هذه التطورات على ساحات التغيير اليمنية وسقوط المزيد من القتلى، وخصوصاً في مدينة تعز، دفعت الشباب الى رفع أصواتهم من أجل تصعيد الحركات الاحتجاجية، وضرورة انتقالها من مرحلة «الغضب الثوري» إلى مرحلة «الفعل الثوري». وكان قد تم تحديد هذه النقلة عن طريق تسمية «ساعة الصفر» للزحف باتجاه القصر الرئاسي، لكنّ انقساماً ظهر في صفوف الثوار الشباب، وعلى وجه التحديد بين شباب حزب تجمع الإصلاح الأصولي، وشباب الأحزاب الأخرى ذات التوجه اليساري والمدني.
ففيما وقف شباب الإصلاح مع فكرة الزحف، وبدأوا يكتبون وصاياهم لأهلهم وعناوينهم على قوائم محددة لهذا الغرض، تحسّباً لأيّ عواقب محتملة بسبب الزحف، رفض شباب التيارات الأخرى هذه الفكرة قائلين إن هذا سيوفر للنظام فرصة لارتكاب مجازر جديدة، لا يمكن توقع حجم الخسائر في الأرواح التي قد تحدث بسببها. ولن يعجز النظام عن اختراع مبررات لما سيُقدم عليه أو القول بكل بساطة إن قواته كانت في حالة دفاع عن النفس. كذلك فإن هذا «الزحف»، بحسبهم، سيعمل على تغيير شكل الثورة السلمية التي قدمها شباب اليمن ونجحت في كسب إعجاب العالم.
وكان لهذا الانقسام أن يوقف عملية الزحف مساء الجمعة الماضي، وذلك بعدما استبدل، ولو مؤقتاً، بفكرة التوسع في الساحة واحتلال مقار حكومية مؤثرة، ما من شأنه تعطيل الحياة العامة في العاصمة صنعاء. لكن سُجل أمس تقدم لافت تمثل بإعلان شباب الثورة في ساحة التغيير بصنعاء، وفي مؤتمر صحافي لهم، البرنامج التصعيدي الممهّد للوصول إلى مرحلة الزحف نحو القصر الرئاسي. وتضمنت الخطوات ثلاث مراحل تمتد على عشرة أيام، تنتهي بإصدار البيان الأول للثورة و«تأليف مجلس وطني مؤقت لإدارة البلاد». وتفتتح هذه الخطوات التصعيدية بمرحلة «العصيان المدني الشامل وشل الحركة نهائياً في القطاعين العام والمختلط»، ومن ثم تأتي المرحلة التالية وتتضمن «تأليف لجان متخصصة في جميع مراكز المحافظات لحماية الممتلكات العامة والخاصة»، وكذلك الدعوة إلى «تأليف لجان ثورية حقوقية للنظر في الانتهاكات وتوثيق الممارسات الإجرامية واتخاذ كل الإجراءات القانونية حيالها»، كما تتضمن هذه الخطوة «الدعوة إلى الزحف على مواقع سلطة الشعب وممتلكاته في المحافظات وتسليمها إلى السلطة الشعبية بعد تحريرها من أسرة النظام الأسري القائم».
وتضمنت هذه المرحلة أيضاً الدعوة إلى السيطرة على جميع مرافق الدولة المركزية في صنعاء، و«نشر أسماء المطلوبين للشعب والثورة، سواء من قاموا بأعمال لصوصيّة أو بأعمال إجرامية لتقديمهم للعدالة، والدعوة إلى إغلاق كل المنافذ البرية والجوية والبحرية حتى إشعار آخر من قبل قيادة الثورة».
أما المرحلة الثالثة من التصعيد فهي المرحلة النهائية، وتبدأ بإصدار البيان الأول للثورة، ودعوة القوى المضادة للثورة إلى الاستسلام، مع ضمان محاكمة عادلة لهم بإشراف داخلي وإقليمي ودولي، إضافة إلى «تأليف مجلس وطني مؤقت ومجالس متخصصة وحكومة إنقاذ وطني من الكفاءات المشهود لها لإدارة المرحلة المقبلة، والطلب من دول العالم التعامل مع الواقع الثوري الجديد في اليمن».
لكن النقطة اللافتة في البيان هي دعوة شباب الثورة كلاً من «الشيخ عبد المجيد الزنداني، والشيخ المشهور، والشيخ المرتضى المحطوري، والشيخ علي الجفري، والشيخ الأهدل، والشيخ يوسف القرضاوي، وغيرهم من العلماء لإصدار فتوى بتحريم الوقوف مع النظام وجواز الخروج عليه». ومن المعلوم أن من بين هؤلاء «العلماء» من وقف مع نظام الرئيس صالح مؤيداً أثناء حرب صيف 1994 بين الشمال والجنوب، وانتهت بخسارة الجنوب وانتصار قوات صالح ومعه حزب التجمع اليمني للإصلاح وعلمائه.
وبخصوص هذه الخطوات التصعيدية يقول أحد الشبان، الذي تحفظ على ذكر اسمه، إنه مع فكرة الزحف ومع ضرورة حسم هذه الثورة لمصلحة الشباب، وذلك لأن البقاء في الساحة كل هذا الوقت قد يفتح الباب لوقوع انشقاقات خطيرة في صفوف الثوار. وعن رأي حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي ينتمي إليه الشاب، في خصوص حسم مسألة الزحف قال «بالتأكيد لكل حزب أجندته الخاصة ورؤيته المختلفة للأمور، وقد يكون للهيئة العليا لتجمع الإصلاح نظرة خاصة معارضة لقرار الزحف، ونحن في كل الأحوال نحترم وجهة النظر هذه، لكن في النهاية أعتقد أنها ثورتنا ونستطيع باتفاقنا أن نحسم الأمر»، مضيفاً إنها في الأخير حياتهم وهم وحدهم من يمتلك حق تقرير مصيرها. وأكد أن «من غير المنطقي البقاء في الساحة إلى الأبد، من غير القيام بنقلة نوعية تعمل على حسم الأمور التي يبدو أن عامل الوقت يقف بالمرصاد لها».
كذلك، تبدو فكرة الزحف فكرة عملية بالنسبة إلى الشاب المستقل جميل سبيع، الناشط في ساحة التغيير في مجال التوثيق الفوتوغرافي، متحدثاً عن عدم تجاوز مسألة الوقت الذي طال بالثورة، وأدخل الشباب في دائرة الضجر، إضافة إلى سقوط ضحايا جدد في صفوفهم مع كل مسيرة يقومون بها خارج ساحة الاعتصام، قبل أن يضيف «ما دام القتل قائماً في كل الحالات، فليكن الزحف خياراً ضرورياً لحسم هذه الثورة».
جمال جبران
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد